عقد النائب السابق الدكتور فارس سعيد مؤتمرا صحفيا في دارته في بلدة قرطبا تناول فيه موضوع المشكلة العقارية في لاسا في جرد جبيل الجنوبي،في حضور رئيس دير مار سركيس وباخوس قرطبا الأب اغناطيوس داغر، رئيس إقليم جبيل الكتائبي رستم صعيبي، رئيس مركز الدفاع المدني في جبيل شكيب غانم، وحشد من رؤساء البلديات والمخاتير وأهالي بلدة قرطبا والجوار، وقال:
يوم الجمعة الواقع فيه 31 آب 2018، أي قبل أحد عشر يوماً من الآن، استقبل غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المقر الصيفي في الديمان سبعةً من نواب كسروان – جبيل الثمانية (غاب الثامن بداعي السفر) وتباحثوا في شؤون وطنية واجتماعية ومناطقية. بعد اللقاء تلا المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي، المحامي وليد غياض، بياناً جاء فيه:
” كما تناول المجتمعون عددا من القضايا الإنمائية والإجتماعية المتعلقة بقضاءي كسروان وجبيل، وكان أبرزها موضوع الأراضي المتنازع عليها في لاسا، مع الإشارة الى أن هذه القضية – والكلام ما زال للبيان – أصبحت في عهدة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي يعمل مشكورا على حلحلتها”.انتهت الإشارة التي استدعت هذا المؤتمر الصحفي.
فأنْ يجتمعَ نوابُ جبيل – كسروان حول أمور وطنية أو مناطقية، هو حدثٌ مفرح.. وأن يجتمعوا في بكركي أو الديمان، لما لهذا الصرح ومن يسكنه من تقدير وأحترام ودور وطني جامع، فهو أيضاً حدثٌ مُفرح ويدعو إلى الاطمئنان.
أما أن يصدرَ عن المجتمعين كلامٌ رسمي حول قضية “لاسا”، بوصفها قضيةَ “أراضٍ متنازعٍ عليها بين الكنيسة والأهالي”، وبأن هذه القضيّة “قد أصبحت في عهدة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي يعمل مشكورا على حلحلتها” – هكذا حرفياً!! – فهذا مما يبعث لدينا شيئاً من القلق والتوجُّس والتّساؤل بدلاً من الغبطة والفرح اللذين ينبغي أن يبعثهما في نفوسنا مثل هذا اللقاء الجزيل الاحترام بين الكنيسة والنواب.
ومن باب الحرص الشديد على مكانة الكنيسة في حياتنا الوطنية بعامة، وفي حياة المؤمنين بخاصة، كما على دور النواب المجتمعين – وكنّا حلفاءَ بعضهم في الانتخابات الأخيرة التي أوصلتهم إلى الندوة البرلمانية – أردت من هذا اللقاء الصحفي توضيح بعض الأمور الدقيقة والمساهمة في تبديد التوجُّس، خصوصاً وأن أياً من أصحاب البيان المذكور لم يبادر إلى التوضيح أو الاستدراك رغم مرور أيام على صدوره تعتبر غير قليلة في مثل هذه الحالة:
أولاً– في عبارة “أراضٍ متنازع عليها في لاسا” الواردة في البيان.
- من الناحيتين الواقعية والقانونية ليس هناك حالة تنازع على ملكية الأرض في لاسا.
- هناك أرض مملوكة من قبل الأوقاف المارونية، وبأمانة الكنيسة المارونية، تعرّضت لاعتداءات من ثلاثة أنواع:
- بناء على أرض الكنيسة من قبل بعض الأهالي.
- زراعة في أرض الكنيسة.
- دفن في أرض الكنيسة.
من هنا فإنّ عبارة “أراضٍ متنازع عليها” الواردة في البيان هي عبارةٌ غير صحيحة وغير دقيقة، لا واقعاً ولا قانوناً. لذلك يقتضي الأمر التراجع عن هذا الخطأ واستخدام التوصيف المناسب من قبل اصحاب البيان.
ثانياً– في أنّ ” هذه القضية أصبحت في عهدة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي يعمل مشكورا على حلحلتها”،
توقّفت كثيراً أمام هذه العبارة الخطيرة، برأيي. فمع احترامي الشديد لأي مساهمة في حلحلة المشكلة القائمة، ولا سيما من قبل جهة سامية كالمجلس الشيعي، فإنّ وَضْعَ المسألة في عهدة جهةٍ هي غير القانون والقضاء، (أي غير الدولة) خطأٌ جسيم، يمكن أن تترتّب عليه عواقبً وخيمة يستطيع أي عاقلٍ وحريصٍ على الانتظام العام والعيش المشترك أن يتصوّرها.
وتساءلت بأسف” منذ متى تلجأ الكنيسة المارونية للاحتكام إلى غير الدولة والقانون والقضاء، وهي مَنْ هي (أي الكنيسة المارونية) في اختراع كيان الدولة على أرض لبنان الحبيب؟! هذا إلى ما يمكن أن ينشأ من تساؤلات أخرى لدى أي مواطن لبناني بعيد عن عقلية الثأر والاسترداد بقوة الأمر الواقع!!!
بالإضافة إلى هاتين الملاحظتين الأساسيتين على نصّ البيان ومنطقه الظاهر، هناك ما يثير توجُّسنا أكثر: فقد علمنا أن الرأي في أروقة أصحاب الحلّ والعقد إنما يدور حول الاقتراح التالي:
- وهب الأراضي المعتدى عليها للمعتدين وهي تمثّل حوالى 400 ألف متر مربع من الأرض بحجّة “الأمر الواقع”، مقابل “تسهيل” استكمال أعمال المساحة والتحديد في لاسا، بحيث تحصل الكنيسة على ما تبقى من أرضها – غير المعتدى عليها حتى الآن – وتبلغ حوالى 5 ملايين متر مربع.
أي إذا عرضنا الموضوع ببساطة القروي نقول: هناك “أمر واقع” يسمّى إعتداءات على أرض الكنيسة، نعطي 400 ألف متر للمعتدين ونخلّص 5 ملايين متر!
للوهلة الأولى، يبدو الحل بهذه السهولة مقبولاً، إنما أريد تسجيل الملاحظات التالية من أجل المساعدة لا العكس:
- إذا كانت هذه الأراضي “المعتدى عليها” ملكاً لأهالي لاسا وفقاً لسندات الملكية أمام المحاكم المختصة فليأخذها الأهالي، وإذا كانت للكنيسة فلتبرز حقّها بالملكية، ولكن من غير المعقول أو المقبول أن تذهب الكنيسة إلى تسوية عقارية وتتجاوز القانون؟ وإذا أرادت الكنيسة تنظيم عقود إيجار أو إستثمار للأهالي المعتدين فهذا حقّها وشأنها، إنما وهب الأراضي للمعتدين فهو مرفوض قبل استكمال أعمال المساحة وبعدها.
- من هي الجهة الضامنة لإيقاف الاعتداءات على أراضي الكنيسة في لاسا؟ هل هو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى؟ ومن يضمن أن ما حصل على مساحة 400 الف متر مربع لا يتكرّر بعد 10 سنوات على مساحة 800 الف متر مربع؟
من يخالف القانون مرة يخالفه كل مرة!
ج- إذا حصل الترتيب بالغموض المعهود وباستخدام عبارات مرفوضة في التوصيف، ما يدلّ على إرباك موصوف، فمسألة لاسا ستتحوّل إلى مسألة أوسع، وسيأتي مستقبلاً ماروني أو غير ماروني ليقول للكنيسة- عامليني بمثل ما عاملتي معتدي لاسا على أرضك.
لذلك أرجو من اللجنة المشتركة:
- توضيح عناصر الإلتباس أمام الرأي العام؛
- السعي لاستكمال أعمال المساحة والتحديد بإشراف لجنة تضم مخاتير لاسا ومخاتير كل البلدات المجاورة؛
- عدم وهب أي عقار لأي فرد أو مجموعة؛
الكنيسة مؤتمنة على أراضي الموارنة ومن حقّها تنظيم عقود إيجار أو استثمار ولكن لا يحقّ لها بيع أو وهب أرضنا.
بناءً على ما تقدّم اختم كلامي بملاحظة وتمنّي:
الملاحظة – هي اننا فقدنا ثقتنا بالدولة التي باتت تتشكلّ بشروط فريق ومن خارج القانون والدستور ووثيقة الوفاق الوطني
وسط إستسلام للأمر الواقع تمارسه غالبية القوى السياسية.
ظهر في الايام القليلة الماضية كلام واضح للبطريرك الراعي في ايليج وكلام واضح أيضاً للمفتي دريان بمناسبة عيد المولد النبوي.
التمنيّ – اتوجّه للبطريرك الراعي الذي لعب ويلعب دوراً وطنياً جامعاً لدعوة الجميع الى قمة روحية استثنائية تعقد في لبنان او في اي مكان في العالم وتطالب:
- التمسك بالدستور وباتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية
- رفض الأمر الواقع الذي يفرضه ميزان القوى والذي يبدأ بفرض أمر واقع عسكري وامني وسياسي ووطني وصولاً الى الامر الواقع العقاري.
لا يبقى لنا الاّ الرهان على المرجعيات الروحية و على الله.
ليختم “سعيد” مؤكداً حرص البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن يأخذ كل واحد حقه، لافتاً إلى أن موضوع العقارات تحوّل إلى أكبر من شأن لاسا العقاري، تحوّل إلى جزء من الوضع السياسي العام. وهناك من يفرض علينا أمر واقع سياسي ويهددنا بأنه في حال عدم القبول بهذا الأمر سيتلاعب بالإستقرار، ونحن من باب الحرص أولاً على هذه المنطقة سنبقى حريصين على الإستقرار والعيش المشترك. ولا إستقرار وعيش مشترك إذا لم يكن هناك إستقرار عقاري، ولا يمكن أن تستمر إستباحة الأراضي المملوكة والممسوحة وغير الممسوحة كما يحصل بالنسبة لعقارات لاسا. وشدّد “سعيد” على أن العيش المشترك في لبنان لا يمكن أن يستقيم أذا تشكل لبنان بشروط فريقٍ، بحجة أن هذا الفريق أقوى من القانون. ولا يستقيم لبنان إذا كان هذا الفريق أقوى من الدولة، ولا يستقيم لبنان أذا كان هناك من يدفع الكنيسة، بكل ما لديها من قدرة وقوة وإحترام ومحبة من قبلنا جميعاً، أن لا تذهب إلى القانون بل الى ترتيبات وتسويات لعقارات لاسا.