بتلقي الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير حكما بالسجن لمدة عامين ومصادرة أمواله بالعملة الأجنبية، وذلك بعد إدانته بتهمة الفساد المالي والثراء الحرام، فإن رئيسا عربيا آخر بات ضحية ديكتاتوريته وعنفه وفساده، ما يعتبر رسالة واضحة وصريحة لكل رئيس عربي يتمادى في ظلم شعبه ويتجاوز كل الحدود من أجل تثبيت سيطرته الفردية المركزية، ويهمّش أي دور رقابي للشعب في الكشف عن فساده وهيمنته وديكتاتوريته.
وشهدت محاكمة البشير احتجاجات من أنصاره، واعتبروا أنّها تمّت وسط ظروف سياسية. يذكر أنه عثر بحوزة البشير، بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري في 11 أبريل الماضي على مبالغ ضخمة من العملة المحلية والعملات الأجنبية، وغيرها من الأصول بدون تفويض قانوني. وعلى الرغم من اعترافه بتلقي 25 مليون دولار من مسؤول في دولة خليجية، أكد البشير براءته من التهم الموجهة إليه.
ومنذ انقلاب عام 1989، لم تتم أي انتخابات رئاسة في السودان حتى عام 2010 التي فاز فيها البشير بعد أن انسحبت المعارضة منها، واصفة إياها بأنها “غير نزيهة”.
وتعرض البشير لكثير من الانتقادات من قبل المنظمات الإنسانية، إذ لاحقته المحكمة الدولية بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية في دارفور منذ عام 2009، إلا أنه واصل زياراته إلى البلدان العربية والأفريقية متحدياً قرار المحكمة.
ورأى “آدم راشد”، نائب الامين العام لهيئة محامي دارفور، إنه يجب محاكمة البشير “على جرائمه سواء كانت صغيرة أم كبيرة”، مؤكدا أن محاكمته بشأن الفساد “قضية صغيرة جداً بالنسبة للجرائم التي ارتكبها في دارفور”. وأضاف أن “ضحايا جرائمه في دارفور لا يهتمون بهذه القضية، وهي ليست في حجم التهم التي يواجهها في المحكمة الجنائية الدولية”.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قالت إن العقوبة التي وقعت على البشير بالسجن عامين، لن ترضي العديد من السودانيين. ونقلت الصحيفة عن “جوان نيانيوكي” مدير منظمة العفو الدولية لمنطقة شرق إفريقيا قوله: “في حين أن هذه المحاكمة خطوة إيجابية نحو المساءلة عن بعض جرائمه، إلا أنه لا يزال مطلوبًا بسبب الجرائم البشعة المرتكبة ضد الشعب السوداني”.
وعقب الإطاحة بالبشر، طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من السلطات الجديدة تسليمه. لكن حتى الآن ترفض السلطة الانتقالية التي شكلت في سبتمبر الماضي تسليمه.
ويقتضي تسليم البشير أن توقع الحكومة الانتقالية المشتركة التي تشكلت بموجب اتفاق تم التوصل اليه في أغسطس المصادقة على ميثاق روما الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية. لكن السودان ملزم قانونيا بتوقيفه لأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية جرى بتفويض من الأمم المتحدة والسودان عضو فيها.
وأكد “تحالف الحرية والتغيير” الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أنه لا اعتراض لديه على تسليم البشير الى الجنائية الدولية.
إن استبداد البشير وسلوكه القمعي في مواجهة معارضيه وفساده، ينعكس في كونه الرئيس الأطول حكما في الشرق الأوسط، ومن الذين حكموا بانقلاب، حيث تسلم الحكم في عام 1989 عبر انقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء المنتخب في تلك الفترة الصادق المهدي، كذلك يعتبر البشير الأطول حكما من ضمن قائمة الرؤساء السودانيين إذ بلغت فترة حكمه 30 عاما.
لذا ينظر المراقبون إلى محاكمة البشير، وكذلك القضايا الأخرى المرفوعة ضده، على أنها اختبار لما إذا كان بإمكان السودان وضع حد للانتهاكات التي تعرض لها العديد من المواطنين تحت حكمه، وأيضا اختبار لما إذا كان الانتقال السياسي في البلاد يمكنه المضي قدما.