مقال محمد الجاسم الجديد في موقع ميزان
بالنسبة لي، قد تكون محاولة تصنيف مجلس الأمة الجديد، كمجموعة، من ناحية التوجهات السياسية للأعضاء الآن غير موضوعية أو غير واقعية. فأنا لا أعرف على وجه اليقين توجهات جميع النواب الجدد، كما لا أعرف بعد مساحة التغيير المحتمل في توجهات بعض النواب السابقين. ومع ذلك يمكن القول إن في مجلس 2023 تتوفر أغلبية لتمرير قوانين “إصلاحية” مهمة مثل القوانين المنظمة للانتخابات وقانون المحكمة الدستورية وقانون لائحة مجلس الأمة وغيرها من القوانين ذات الأهمية السياسية.
في المقابل، أظن أن مجلس 2023، وإن كانت تتوفر فيه أغلبية لإسقاط الوزراء عبر الاستجوابات، لن يتجه صوب استجواب رئيس مجلس الوزراء، إذا كان الشيخ أحمد النواف هو الرئيس، وسوف يتجنب النواب تقديم استجوابات للوزراء ما لم تتوفر أسباب قوية وتحت ضغط شعبي.
وبالبناء على ذلك، فإن العلاقة بين الحكومة، أقصد مجلس الوزراء، ومجلس الأمة قد تكون جيدة ومريحة متى ما توفرت الرغبة لدى الطرفين في توفير بيئة سياسية مستقرة.
لكننا نعرف جيدا أن القرار النهائي ليس بيد مجلس الوزراء، وأن تحقيق الاستقرار السياسي ومن بعده الإصلاح الشامل يتطلب تغيير جذري في الفكر التقليدي المهيمن على شؤون الدولة. فهل هناك بوادر تشي بإمكانية تحقق هذا التغيير؟!
من المهم إدراك أن الحالة الإيجابية السائدة الآن هي ليست نتاج التغيير المطلوب، بل هي نتاج قرار سليم تم اتخاذه من قبل الشيوخ لإنهاء العمل بالمعادلة السياسية التي كانت سائدة في عهد الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، أي إنهاء “دولة مرزوق”.
لكن هل التخلص من “دولة مرزوق” يكفي؟
بالطبع لا. فالمشاكل الراهنة في الكويت كانت قائمة قبل “دولة مرزوق”، بل وقبل “دولة جاسم الخرافي” رحمه الله… مشاكل الكويت موجودة بسبب هيمنة عقلية “المشيخة”. فهل اختفت “عقلية المشيخة” التي أنتجت مرزوق؟!
لا أظن ذلك.
إن التشخيص السليم للحالة الراهنة، في رأيي الشخصي، يتلخص في توفر رغبة عليا في إعادة صياغة التحالفات السياسية لأسرة الصباح. ومن متطلبات ذلك إبعاد مرزوق الغانم ومن معه عن القرار السياسي. وقد تلاقت تلك الرغبة العليا مع رغبة شعبية جارفة في الاتجاه ذاته، وهو الأمر الذي سهل تحقيق الرغبة المشتركة بامتياز، كما تبين من نتائج الانتخابات، وتم إقصاء مرزوق الغانم رغم فوزه هو شخصيا في الانتخابات.
والسؤال الآن: هل تعني نتائج الانتخابات وجود “تطور سياسي” إيجابي في الكويت؟
في ظني أن الكويت تمر في مرحلة انتقالية لا أكثر. ومن المبكر جدا إطلاق أحكام نهائية لوصف الحالة السياسية.
وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية سوف تتغير أمور كثيرة مثل التصنيف التقليدي للنواب بين معارضة وموالاة، ومثل الموقف الشعبي المعارض دائما للحكومة، وسوف يضعف تأثير “التجار” على القرار السياسي، لكن الأهم من ذلك كله هو التغيير المتوقع على مستوى بعض الترتيبات المستقبلية.
إن نتائج الانتخابات الأخيرة توحي بتضاؤل فرص الشيخ ناصر المحمد الصباح فيما لو احتدم التنافس بين الشيوخ وعرض موضوع “ولاية عهد” العهد القادم على مجلس 2023، وربما يأخذ الأمر اتجاهات تاريخية غير مسبوقة. فظاهر الأمور يدفع إلى استنتاج مفاده أن الشيخ أحمد الفهد “يمون” الآن على النواب أكثر من غيره من الشيوخ!
ومن أجل تحويل المرحلة الانتقالية الراهنة إلى مرحلة تأسيس لإصلاح شامل في البلاد، يتعين إحداث تغيير جذري في فكر الشيوخ والاقتناع بدولة المؤسسات ذات النظام الدستوري. ومدخل ذلك منح مجلس الوزراء استقلالية في اتخاذ القرار، ثم تشكيل حكومة سياسية من رجال دولة لا حكومة موظفين، والقبول بفكرة تغيير القوانين الأساسية والتعاون مع مجلس الأمة في هذا الاتجاه، مع تفعيل جاد لملاحقة الفساد وتطهير كافة أجهزة الدولة تحت مظلة فكرة مركزية تحدد ما نريده لدولة الكويت وما نريده للمواطن الكويتي.
لقد انتهت “دولة مرزوق” وأتمنى ألا تظهر قريبا دولة “بديل مرزوق”!