حينما كانت الحكومة الكويتية قبل ٢٠١٠ قادرة وبشكل كبير، على إخفاء الأرقام والمعلومات والوثائق المتعلقة بالفساد، كانت قادرة أيضا أن تسيطر وبصورة واسعة على الأوضاع العامة من سياسية واقتصادية واجتماعية، كذلك كانت قادرة على تحويل ظروف الفساد، إلى ما يمكن أن يسمّى “بالهدوء السياسي”. ولم يكن للعامل الخارجي دور للتأثير في هذه الظروف، إضافة إلى ضعف تأثير العوامل الداخلية المتاحة، خاصة دور القانون والأعراف السياسية.
وكان الحراك السياسي الذي سيطر على المنطقة العربية منذ ٢٠١٠ وما بعد، من أبرز العوامل الخارجية المؤثرة في كشف ظروف الفساد بالكويت، حيث ساهم في رفع صوت المعارضة عاليا وساعد في تنظيم عملها بشكل سياسي وحركي. أما العامل الآخر المؤثر في تغيير مسار مواجهة الفساد فهو وسائل التواصل الاجتماعي وعولمة المعلومات وما يرتبط بذلك من لغة أرقام، حيث من الصعوبة بمكان منع نشرها رغم كونها معلومات غير مؤكدة.
فإذا كانت الحكومة قادرة قبل عصر العولمة والمعلومات الرقمية ووسائل التواصل، وكذلك قبل مرحلة الحراك العربي، أن تسيطر على الوضع العام من خلال صنع واقع يسمى “بالهدوء السياسي”، والذي استطاعت من خلاله أن تسيطر على محفزات السخط الشعبي، فهي باتت لا تستطيع اليوم أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه قبل ٢٠١٠. فجلّ ما كانت تفعله قبل هذا التاريخ، أنها كانت تؤجل السخط مع عدم معالجة المشكلات. أما اليوم، فهي لا تستطيع أن تخفي السخط، ولا المعلومات والأرقام المتعلقة بالمشكلات، وأصبحت أمام تحد واقعي لحلّها.
لذلك، نجد الحكومة تتعامل اليوم بواقعية وجدية مع بعض ملفات الفساد، فأعلنت أن من ضمن أولويات برنامجها محاربة الفساد، وهذا لا يعني أن تلك الجدية ستشمل كل ملفات الفساد، أو أنها نابعة من رؤية متعلقة بثقافة الديمقراطية وآلياتها والحاثة على المحاسبة والنقد والتغيير وسيادة القانون، بل يعني أن المسألة برمتها ترتبط بضغوط عاملي الحراك ووسائل التواصل الاجتماعي.
فهناك حراك سياسي حاليا في لبنان والعراق ودول أخرى بالمنطقة، وهذا بدوره كان له تأثير جدّي على الواقع المحلي الكويتي في علاقة ذلك بمعالجة بعض أوجه الفساد البارزة. كما أن هناك ارتفاعا في وتيرة كشف الفساد والتضييق عليه من خلال استخدام وسائل التواصل، ولم نشهد من قبل في الكويت أن تم نشر وثائق ومعلومات تتعلق بالفساد (قضية”صندوق الجيش”) عن طريق وسائل التواصل.
فقبل حضور هذين العاملين في الساحة السياسية والاجتماعية، كانت أرقام ومعلومات الفساد تخضع إلى حد كبير لسيطرة حكومية، وإذا ما سعت الصحافة، على سبيل المثال، إلى الكشف عن هذه الأرقام والمعلومات كانت تتعرض لمعاقبة حكومية. أما اليوم، فلم يبق أمام الحكومة إلا الإستسلام والخضوع للواقع الجديد، والسعي للوقوف أمام الأرقام المعلنة في وسائل التواصل ثم في الصحافة المحلية، وتحمّل المسؤولية السياسية والاجتماعية لمعالجة ذلك، أو أن تتوقّع حصول تحرك شعبي ضد سكوتها ولا مبالاتها.