في خطابات أمين عام حزب الله وتصريحات قياديي الحزب وتعليقات جيْشه الالكتروني، الكثير من التركيز على مواقف إعلاميين وكتّاب ووضْعهم في مقام “المُعادي للأمة” لمجرّد معاداتهم للحزب واتهامه بالوقوف وراء اغتيالاتٍ أو وراء سياسةِ انهيارِ الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
“معاداةُ الأمة” شعارٌ كبيرٌ لهدفٍ حقيرٍ اخترعه حزبا البعث في سورية والعراق للقضاء على أي مساحةٍ حرةٍ للتفكير خارج إطار مدْح السلطة وتمجيد القائد وتبرير التجاوزات.
فقد وضع مشرّعو ذاك الزمن مئات القوانين المتعلقة بالهيمنة على مقدّرات البلدين وتوقفوا عند أسئلةٍ من نوع ماذا لو انتقد إعلاميّ أو مفكّر قراراً خاطئاً أو تحدّث عن فسادٍ سياسي أو كَشَفَ اغتيالاً أو حتى لامَ « أيام زمانه » وتَحَسَّرَ على ما سبق.
هنا لم يهاجم أحدٌ الرئيسَ أو القائدَ ولم يتعاون مع اسرائيل ولم يمدّ يداً إلى أعداء الحزب الحاكم، فكيف سيتم تكييفُ ذنْبه أو عقوبته؟
تَفَتَّقَ ذهن المشرّعين (أو المشرّحين كون عملهم في مشرحة يليق بهم أكثر) عن واحدةٍ من أغرب الاتهامات في العالم وهي “وهن نفسية الأمة” ولدى البعث الآخَر “وهن عزيمة الأمة”! أي أن الإعلامي أو الكاتب أو المفكّر إن تحدّث عن خطأ أو خلل، فإنما يخلق حالةً من الاحباط وانعدام الثقة والسخط تؤدي تالياً إلى وهنٍ في نفسية الأمة يُضْعِفُ صمودَها، وعندما صار الزعيم لاحقاً هو الأمة تَجاوَزَ “الإيهان” الخطوطَ الحمر واستحقّت المحاسبة.
حزبٌ حاكِمٌ وجبهةٌ وطنية صُوَرية، انهيارُ العملة وتَعَدُّد سعر الدولار، إشغالُ الناس بلقمة الخبز وترْكُ السياسة والقرار للحاكم، إضعافٌ مُمَنْهَجٌ
تركيزاً على الإعلام، فمَن يوهنون نفسية الأمة بالنسبة إلى الحزب إنما هم أذناب السفارات الأجنبية يتلقّون منها الأوامر، وبعضهم عميل، إدانتُه واجبة حتى ولو لم تكن هناك أدلة، إذ يكفي أنه يساهم في بناء جوٍّ معادٍ لمَن يعتبرون أنفسهم حراسَ الأمة.
قبل اغتيال المفكر والكاتب لقمان سليم، كانت الأرضيةُ ممهَّدة ومزروعة بكل ما في الأدبيات من تخوينٍ واتهاماتٍ بالعمالة. وعندما أتى الحصادُ الأسود كانت معركة حزب الله الفعلية مع الجمهور العريض من مفكّرين وإعلاميين. إذ توالت تصريحاتُ مسؤولي الحزب من أعلى الهرم إلى أدناه مُهاجِمَةً هؤلاء مع دسٍّ للتهديد في معرض التنظير والتقويم. وربما كان نائب الحزب حسين الحاج حسن الأكثر هدوءاً إنما الأسطع تعبيراً بكلامه عن أن حرية الإعلام لا تعني بثّ ما من شأنه “تهديد الاستقرار والأمن الوطني وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والاجتماعية أو التجريح أو الشتيمة أو القدح والذم أو الافتراء، وخصوصاً الجنائي غير المستند إلى تحقيق أو معلومات أو معطيات”، مشيراً إلى أن “هناك جمهور يتفاعل مع الموضوع، وهذا ما نحاول أن نتفاداه، أن يكون هناك ردّ فعل من الجمهور تجاه أي محتوى في أي محطةٍ تلفزيونية”.
نظرياً، بالنسبة إلى حزب الله، فإن بث موجاتٍ هائلة قبل أي عمليةِ إغتيالٍ تخوّن وتعرّي المرءَ من دينه ووطنيته وتهدّد وتتوعّد بمحاسبته، “وجهة نظر”. عملياً، على كل مَن قاسَ الاغتيال بما قبْله وخلاله وبعده أن ينتبه إلى أنه “يهدد الاستقرار والأمن ويثير النعرات الطائفية والمذهبية (ولو كان القاتل والضحية من الطائفة نفسها)”، وعليه أكثر أن يشكر الحزبَ لأنه مسك جمهوره عن أخذ حقه بيده عبر ردِّ فعلٍ قد يكون قاسياً جداً.
بما أن حزب الله يملك السلطة في لبنان مع “جبهة وطنية” مُسانِدة، فربما وجب أن يدفع لإقرار قانون “وهن نفسية الأمة” في البرلمان كي يريح نفسه من عناء “الإنتصار للأمة في مواجهة الإعلاميين المارقين”، ولتكن عقوبة مَن يخرق القانون خمس سنوات سجناً أو خمس مليارات ليرة أو … خمس رصاصات، المهمّ أن يتم ذلك كله تحت “قدسية” القانون.