إنّ التجربة الثورية العراقية التي يقدم الشعب العراقي قرابين يومياً من أجل نجاحها والتخلص التام من الهيمنة والنفوذ الإيرانيين على المؤسسة الحكومية العراقية، بدأت تأخذ أبعاداً أخرى في ظل تداخلها مع ملفات إقليمية، وعلى رأسها الأوضاع الفجيعة التي أوجدتها إيران في العراق تظهر المقاربة المعكوسة مع تجارب الشعبين السوري في عام ٢٠٠١ ليومنا هذا واللبناني الذي يخوض نفس الصراع للتخلص من الهيمنة الإيرانية منذ أمد بعيد.
إنّ ثورة الشعوب العربية التي تنوي الحفاظ على مكتسباتها السيادية البعيدة عن تدخل الآخرين بشؤنهما، أفرزت مكاسب ومطبات عديدة، منها نبذ الطائفية بعد تجربة مريرة، واستخدام شبكة التواصل الاجتماعي التي يصعب فرض الرقابة عليها في عالمنا العربي المسجون في سجن الرقابة الحكومية. في كلا الحالتين – اللبنانية و العراقية – يظهر رعب إيراني غير مسبوق من نجاح تلك التجارب خوفاً من انتقالها للداخل الإيراني و تحولهما إلى أيقونة من قبل الشعب الإيراني، و السبب يعود الى أن قيادة الثورتين بيد جيل الشباب الذي يتشكل من مختلف مكونات الشعب وعلى رأسه الشباب الشيعي الذي بثورته يعري القبح لولاية الفقيه بين الشيعة العرب أكثر مما يعريه سواهم.
التدخل الإيراني لقمع الاحتجاجات في البلدان الثائرة وخاصة العراق، كشفته وثائق تظهر مدى عمق نفوذ وسيطرة طهران في هذا البلد، حيث تروي وثائق موقع “ذي انترسبت” والتي يقارب عددها الـ ٧٠٠ صفحة من تقارير كتبت في عامي 2014 و2015 من قبل وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، وأرسلت إلى “ذي إنترسبت” من قبل شخص لم تكشف هويته، تكشف الوثائق هدف إيران المعلن في تثبيت حكومة عادل عبد المهدي، ووضع خطط لقمع الانتفاضة الشعبية التي تهدد النفوذ الإيراني برمته في العراق. وتكشف التقارير إلى أنّ إيران تقوم بشراء الذمم وتعمل على الاجتماعات التي يتم تنسيقها داخل أزقة مظلمة أو مراكز تجارية أو خلال رحلات صيد وحتى خلال حفلات عيد ميلاد وغيرها.
تستخدم إيران كل السبل في إعاقة الثورة العراقية ضد الكيان المعاق الذي تأسس على أسس طائفية مريضة في عراق ما بعد ٢٠٠٣. منها الحرب الإعلامية المضادة عبر التسميم بأخبار صفراء ومزيفة وشراء ذمم الصحفيين و”أدمن” المنتديات لكي تكسر من عزيمة الشباب المنتفض ضدها. واستمرت إيران في موازاة ذلك بإدخال عناصر من بيادقها الإعلامية للعراق مستغلة المناسبات الدينية وضمت عددا كبيرا منهم لميليشياتها تحت ذرائع زيارة عاشوراء ليستقروا في العراق تحت غطاء الميليشيات الموالية لها. فنشر شباب الثورة العراقية العديد من وثائق سفر وبطاقات شخصية إيرانية لفيلق القدس. وباشر هؤلاء العملاء الإيرانيون بقتل الشباب العراقي بدم بارد وأطلقوا فوهات بنادقهم مستخدمين الرصاص الحي ليتم توجيهها إلى الشباب العارية صدورهم في ساحات التحرير. لكن رغم ذلك لم ينجح النظام الإيراني بردع الشباب المصرّ على الإطاحة بنظام مشلول لا يمكن تأسيس دولة متقدمة عبره.
يحدث كل ذلك في العراق أمام مرأى ومسمع العالم وخاصة الولايات المتحدة التي تعد الدولة الراعية لعراق ما بعد الاحتلال. والغريب في الأمر أنّ حكومة الولايات المتحدة أعلنت مرارا وتكرارا أنها ضد الهيمنة الإيرانية في المنطقة، وفرضت عليها عقوبات بسبب تدخلها في دول الجوار. لكن يبدو أن هنالك اتفاق غير معلن بين البلدين لتقاسم السلطة والنفوذ في العراق. والأدهى من ذلك أنّ قاسم سليماني المطلوب أمريكيا يتجول بكل حرية في العراق ويصدر أوامره لقمع المظاهرات ويستخدم المليشيات و يرتكب جرائم حرب وضد الإنسانية أمام أكبر سفارة في العالم و هي تنادي بمبادئ حقوق الإنسان، في حين لم تحرك أمامه ساكناً. ألا يثير هذا الأمر التساؤلات ويطرح علامات الاستفهام لدى الكثير من المراقبين؟
إنّ إيران أصغر حجماً من أن تتجرأ في القيام بكل هذه الانتهاكات المسجلة من قبل منظمات حقوقية ومدنية في العراق لو لم يكن هناك إشارة خضراء من الدول الغربية. ولأنّ جدران إيران من زجاج – الثورة والغليان الشعبي في الداخل – فليس مستعصياً إيقافها. لكن على أية حال فإنّ دولة الولي الفقيه سوف لن تقف مكتوفة الأيدي في المرحلة القادمة أمام عدوى الثورة العراقية، وسوف لن تسمح بدخول هذه العدوى داخل حدودها. وبما أنها دولة راعية للإرهاب والقتل والدمار لعلها ستلجأ للقتل والتفجير في العراق لكي تئد نجاح الثورة العراقية، و في هذا اختبار للدول التي تتشدق بحقوق الإنسان و على راسها الولايات المتحدة.