في كل مرحلة سياسية، أنت تكتشف وتتعلم!
أنا اكتشف في هذه الإنتخابات إلى أي حد وضع المسيحيين متراجع! ولا أعني فقط بالموضوع المعيشي، وموضوع قدرات العائلات المسيحية على تجاوز الأزمة المالية والإقتصادية! إنما أيضاً على المستوى السياسي.
كان من المفترض من بعد 2005، ومن بعد إسترجاع الأحزاب حيويتها وشرعيتها الإدارية والسياسية والشعبية، أن تكون النخب السياسية المسيحية موجودة أكثر لمتابعة الأحداث وإعادة تكوين سبب وجودي حقيقي سياسي في لحظة سياسية شديدة الخطورة في المنطقة، وفي العالم.
نحن نواجه مرحلة تشبه مرحلة ما بعد مرحلة حرب 1914-18 وانهيار الإمبراطورية العثمانية. وبداية الانتداب الفرنسي والبريطاني.
في حينه، أخذ المسيحيون خياراً، وانشاوا « لبنان الكبير ».
اليوم، لا أشعر أننا نقدّر خطورة هذه المرحلة التي يمكن أن تُشطب فيها شعوب، وأن تُشطب فيها طوائف ومجموعات إذا لم تدرك ولم تحسن قراءة الأوضاع وتجاوزها.
لسوء الحظ، الأحزاب السياسية اختزلت العمل السياسي بالسلطة، والسلطة بالنفوذ، والنفوذ بالإنتخابات ، والإنتخابات بالحزب، والحزب بالشخص!
الكنيسة مواكبة طبعاً، ولكن لا نشعر أنها تشكل اليوم قيادة معنوية قادرة على مواكبة الأحداث. لكن، بصدق، وليس من أجل الدفاع عنها، أعتقد أنها لا تزال هي الحجر الأساس ولكن بحاجة إلى إحاطة نخبوية، بحاجة إلى إحاطة سياسية، إلى معلومات، إلى مراكز دراسات غير موجودة. الجامعات غارقة في هموم كيف يمكن أن تتجاوز السنين الدراسية وفي تأمين حاجاتها.
النخبة صارت خارج البلاد. الإنهيار طال الجميع، وطال خاصة خاصة رغبة المسيحيين بالبقاء في هذه المنطقة مرفوعي الرأس قادرين على العيش ليس في ظل هذا الفريق إذا رضي عليهم، أو في ظل ذلك الفريق، بل أن يعيشوا فعلا من خلال تفاعلهم مع الآخرين، تفاعلهم مع المحيط، ومن خلال حاجة الآخرين لهم.
من 100 سنة، كنا حاجة إستشفائية، تربوية، تعليمية، إقتصادية، مصرفية. كانت بيروت مدينة وعاصمة ليس لبنان وحده بل العاصمة الاقتصادية المالية المصرفية للعالم العربي كله.
هذا الإنهيار الكبير لا يواكبه أحد. اختزال السياسة فقط بالإنتخابات لإيصال فلان أو فلان لا يوصل، ولا يُخرجنا من هذا النفق.
بكل تواضع، وبعيداً عن أي إدعاء، أعتقد ما نحاول أن نقوم به في « لقاء سيدة الجبل » وما عملناه في « المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني عن لبنان »، هو إعادة تكوين لهذا الوسط الذي يجب أن يفكر في مستقبل هذه المنطقة، وفي مستقبل اللبنانيين، جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين. وأيضاً بمستقبل المسيحيين حتى يبقوا في هذه المنطقة ليس كأهل ذمة بل كمواطنين مثلهم مثل الآخرين.