ترجمة/ شفاف:
تُعتبر إيران أول دولة قبلت الأصولية الإسلامية، وقد تكون أول دولة تتخلص منها وتطردها. إن مستقبل مؤسسة رجال الدين الشيعة (الملالي) معرّض للخطر، في ظل الاحتجاجات الحالية التي تشهدها البلاد. وإذا نجحت الاحتجاجات في الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، فمن غير المرجّح أن تظل مؤسسة رجال الدين قائمة!
بعد 43 عاما من التعاون مع نظام الجمهورية الإسلامية الإجرامي والتواطؤ معه، لم يعد بإمكان الملالي الادّعاء بأنهم يقفون إلى جانب الشعب وحقوقه ومصالحه. فأيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، ومن المستحيل أن يغفر الشعب المضطهد لهم ذلك. لذلك، ليس أمام الملالي إلا أن يلوموا أنفسهم. لقد باعوا الدين لخامنئي والخميني، بل باعوا الدين للدنيا.
إن وضع نهاية لمرحلة الملالي وإقصاء مؤسستهم بصورة قانونية، هي فرصة تاريخية لإيران والإيرانيين، ولم تتهيأ مثل هذه الفرصة خلال 500 سنة الفائتة (يقصد: منذ أن أشرك “الصفويون” رجال الدين الشيعة في السياسة لإضفاء الشرعية على دولتهم).
إن الإيمان بالمساواة بين الرجل والمرأة أو بين المسلمين واليهود والبهائيين هو أحد المبادئ الضرورية والمتكاملة لأي نظام ديمقراطي. وبما أن الملالي لا يؤمنون بذلك إطلاقا، فإنهم سيقفون ضد خطط إقامة ديمقراطية حقيقية في إيران.
حظر الحزب النازي لم يقلّل من قوة الديمقراطية الألمانية!
وبسبب جرائمهم وخياناتهم، وخاصة في 43 عاما من عمر الجمهورية الإسلامية، يحق لأي تجمع من أجل الديمقراطية إعلان عدم شرعية مؤسسة الملالي، وذلك للحفاظ على سلامة المجتمع وحماية مصالحه. ففي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تم حظر نشاط الحزب النازي بصورة قانونية، وتم كذلك منع بيانات الحزب ولباس أفراده الرسمي وموسيقى الحزب وكل شيء يشير إلى الحزب. وهذا التصرف لم يكن ليقلّل من قوة الديمقراطية الألمانية.
في عام 1978، تسبّب حادث حرق سينما “ريكس” (في مدينة عبدان) ثم حادث قتل المتظاهرين المناهضين للشاه محمد رضا بهلوي في تقاطع شارع “جاله” Jale) Square) في العاصمة طهران، تسبّب الحادثان في تغيير مسار الثورة ضد الشاه ما ساهما في إنجاحه، أي أن مسار أحداث الثورة ذهب في اتجاه مختلف لم يتوقعه أحد، انهار على إثره النظام الإمبراطوري بسرعة لا تصدق وتمّت الإطاحة به.
إن مأساة مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، هي نقطة تحول، بل تُعتبر بمثابة حادث شارع جاله جديد، سلّطت الأضواء على ما يحدث من تطورات في هذه الأيام. فمجريات الأحداث الراهنة ستسير من الآن وصاعدا في اتجاه آخر لن يتوقعه نظام الملالي.
أفضل معيار لتقييم هذا السير هو إحصاء عدد الإصلاحيين والمعتدلين والمشاهير الحكوميين الذين غيّروا جلودهم وألوانهم وتعاطفوا مع المحتجين.
إن الخصائص التي تتميز بها الإحتجاجات الراهنة تنحصر في التالي:
1. لقد تم قمع الاحتجاجات التي جرت في السنوات السابقة – بما في ذلك احتجاجات أعوام 2008 و2016 و2018 – بشدة، لكن الناس اكتسبوا المزيد من الخبرات، وهذه المرة باتوا يقاتلون مع قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم أو هروب الكثير منهم دون أن تتمكن قوات الأمن من اعتقالهم. لذلك، ليس عبثا القول إن الثورة تتقدم خطوة واحدة على الثورة المضادة.
2. إن نضال المجموعات الكبيرة من الفتيات والنساء من أجل حقوقهن، شجّع وألهم الفتيان والرجال. فقد كان دور المرأة القوي في الاحتجاجات الراهنة وتوسّعها فعالا وإيجابياً للغاية.
3. فقدت قوة الشرطة والقوات الخاصة ثقتها بنفسها أمام شجاعة وتكتيكات الشبان والشابات. على عكس ما كان يحدث في الاحتجاجات السابقة، حيث يواجهون الآن الكثير من المقاومة من قبل الناس ويتعرّضون للضرب. فلم يعد القمع يمر من دون رد. وفي الأيام والأسابيع القادمة سنشهد استسلام العديد منهم أو فرارهم.
4. حجم الاحتجاجات وتوسّع والتظاهرات، والتي باتت تشمل عشرات المدن، قلّل من قدرة النظام على القمع، فلم تعد قواته قادرة على مواجهة مئات بؤر الاحتجاج في وقت واحد. لذلم، من المهم جدا، كما ذكر رضا بهلوي (ابن الشاه) في رسالته الأخيرة، ألّا يغادر المحتجون الشوارع، وألّا يعطوا النظام فرصة لتجديد قوته أمام موج المتظاهرين.
5. الأخبار المتعلقة بالحالة الصحية السيئة لمرشد الثورة علي خامنئي، أعطت مزيدا من الشجاعة والقوة للمتظاهرين. ويردّد قادة النظام الإسلامي باستمرار بأنهم يجب أن لا يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبه الشاه مع المتظاهرين عام 1979 حينما كان ليّنا معهم. هذه الاستراتيجية واضحة في كل سلوك خامنئي وخطابه في السنوات الأخيرة. ويعتقد قادة النظام بصورة راسخة بأنهم إذا أرخوا الحبل مع المتظاهرين، فسيكون سقوطهم قويا. غير أن الحسابات الاستراتيجية تغيّرت هذه المرّة، وبتنا نرى تخبطا من قبل مسؤولي النظام تجاه التعاطي مع المتظاهرين، خاصة مع الشابات والشباب.
6. بمرور كل يوم، سيغيّر الكثير من الناس العاديين، وكذلك الرياضيين والممثلين، وحتى العسكريين، مواقفهم وسينضمّون إلى المحتجّين. هذا أمر لا مفر منه.
على الصعيد العالمي، دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن احتجاجات الشعب الإيراني بعد عدة أيام من الصمت. وعلى الرغم من لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في نيويورك، لكن الدول الغربية ستسحب البساط من تحت أقدام الجمهورية الإسلامية بمجرد التأكد من إمكانية نجاح الاحتجاجات.
إن المسؤولين الغربيين يقيّمون حاليا فرص أن تؤتي الاحتجاجات ثمارها. فلا توجد دولة مهمة وديمقراطية في العالم راضية عن نظام الملالي الإرهابي، وإذا كانت هذه الدول قد تنازلت للنظام في كل تلك الفترة، فذلك بسبب المصالح الاقتصادية ولعدم وجود بديل جدي للنظام لدى المعارضة.
لا ينبغي أن ننسى أن نظام خامنئي لا يزال يتمتّع بقدرات عديدة. الأقلية الذائبة في ولاية الفقيه ليس لديها مكان لتهرب إليه. كثير من أعضاء “الباسيج” ومسؤولي الحرس الثوري (الباسداران) ومسؤولي الاستخبارات والمجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء الناس، ليس لديهم خيار سوى مقاومة حركة الشعب الإيراني ومواجهة النهضة الوطنية. وللأسف، يجب أن نتوقع المزيد من الجرائم وإراقة الدماء من هذه الأقلية الأصولية المنحرفة.
بالطبع، احتمال ظهور خلافات حول طريقة قمع الناس بين قادة ورؤساء الحرس الثوري و”الباسيج” أمر مرجّح للغاية.
المثير للاهتمام أن غالبية شعارات المحتجين موجّهة هذه المرة ضد خامنئي. وهناك احتمال كبير أن يتوصل قادة الحرس الثوري إلى نتيجة مفادها أنه لم يعد بالإمكان إدراج خامنئي ضمن معادلة المستقبل، وفي هذه الحالة سيتخلّى الحرس الثوري عنه من أجل إنقاذ النظام، وفي المقابل فإن احتمال قبول المجتمع الإيراني لإبنه مجتبى مرشدا يكاد يكون صفرا.
في الختام، لا يسعني إلا أن أؤكد بأنه إذا أثمرت الاحتجاجات، التي روتها مهسا أميني بدمها، فإننا سنتجاوز مرحلة الجمهورية الإسلامية، لا بل الأهم من ذلك أننا سنتخطى المؤسسة الدينية بأكملها (مؤسسة الملالي). فهذه المشكلة التي يبلغ عمرها 500 عام، والتي لم تجلب للإيرانيين سوى الجهل والبؤس والفقر والشذوذ الفكري والعنف، سيتم حلها عن طريق القضاء بصورة قانونية. وسيتم إنشاء طريق جديد يهيّئ الظروف لبناء مجتمع ذو فكر غير منحرف، مجتمع واقعي وسعيد.
للأمريكيين قول مأثور بعد سنوات من العبث مع الاتحاد السوفييتي وشيوعييه: الشيوعي الصالح الوحيد، هو الشيوعي الميت. وبعد 43 عاما من البكاء والمعاناة والخرافات والجهل، توصل الشعب الإيراني إلى نفس النتيجة بشأن الملالي!..
عرفان قانعي فرد، باحث ومؤرخ إيراني، تخصص في دراسات الشرق الأوسط، والتقى بشخصيات سياسية بارزة، مثل فؤاد معصوم، ونوري المالكي، وكينيث بولاك، ونعوم تشومسكي، وجيمس بيكر وروبرت أرماو، وبرهم صالح. معظم مقابلاته ومباحثاته كانت حول قضايا مثل الأكراد والشرق الأوسط والإرهاب.