لا يوجد في سجل الخطوط الجوية الباكستانية ما يلمع.
فتاريخها الموثق منذ ظهورها عام 1955 كنتيجة لإتحاد خطوط طيران أورينت (تأسست في كلكتا سنة 1946) مع الحكومة الباكستانية، مليء بالحوادث الجوية مما جعلها واحدة من شركات الطيران الآسيوية الأكثر تسببا في الكوارث الجوية و أعداد الضحايا البشرية، على الرغم من حقيقة إمتلاكها لطائرات حديثة تطير إلى العديد من الوجهات الداخلية والخارجية حاملة كل عام عشرات الآلاف من المسافرين.
آخر هذه الكوارث كان تحطم إحدى طائراتها من نوع إيرباص “A320” فوق منطقة سكنية بمدينة كراتشي في اواخر مايو المنصرم، مما أسفر عن مقتل 97 شخصا كان من بينهم طفل على الارض وتدمير 29 منزلا. في الاسباب قيل إن الطائرة كانت على ارتفاع أعلى من المطلوب في مناسبتين قبيل الهبوط، ونصح برج المراقبة قائدها بالطيران لجولة أخرى من أجل هبوط أكثر سلاسة وهو ما رفضه قبطانها، أي أن السبب هو خطأ بشري قيل أنه نجم عن إلتهاء الطيار ومساعده بالحديث عن جائحة كورونا المستجد.
هذه الواقعة كانت بمثابة القنبلة التي فجرت سلسلة من الحرائق تجاوزت نيرانها الداخل. إذ كشفت عن أمور ذات صلة بسوء الإدارة والفساد وانعدام الكفاءة والتزوير والخداع، وهو ما أضاف أحمالا ثقيلة إضافية على الشركة ومسؤوليها في وقت تشكو فيه البلاد وحركة السفر عموما من ركود إقتصادي موجع (تقول الأرقام الرسمية المعلنة أن الطيران الباكستاني يخسر يوميا ما مقداره 6.3 بلايين روبية)
قبل هذه الحادثة، وتحديدا في ديسمبر 2016 سقطت طائرة أخرى للشركة خلال رحلة داخلية شمال إسلام آباد مما اسفر عن مصرع 47 شخصا. وقبلها في عام 1992 تحطمت طائرة للشركة من نوع إيرباص 300 خلال هبوطها في كاتمندو النيبالية مؤدية بحياة 167 شخصا. وقتها أرجع المحققون الأسباب إلى خطأ بشري أيضا بسبب مشاجرة داخل قمرة القيادة. أما عام 1979 فقد شهد أكبر كوارث الشركة على الإطلاق حينما شب حريق داخل طائرة من طائراتها من نوع بوينغ 707 بعيد إقلاعها من محطة التوقف في جدة وهي في طريقها من كانو بنيجيريا إلى كراتشي، ولم يتمكن الطيار بسبب الارتباك السيطرة على الحريق بالعودة سريعا إلى جدة، فلقي 156 راكبا حتفهم.
هذه فقط نماذج بسيطة من إخفاقات الناقل الرسمي لباكستان، علما بوجود حوادث أخرى كثيرة مثل حوادث انزلاق الطائرات خارج المدرج، وتوقيف طياريها بسبب تناولهم الكحول على غرار ما حدث في مطار هيثرو سنة 2013.
حادثة مايو 2020 الآنف ذكرها كانت كفيلة بفتح ملفات الشركة، فتبين أن 30% من طياريها يحملون رخص طيران مزيفة أو أنهم لم يكملوا دراستهم أو أنهم حصلوا على وظائفهم عن طريق وساطة شخصيات مدنية وعسكرية متنفذة، أو أنهم رتبوا لأشخاص آخرين كي يخوضوا إختبارات التأهيل بدلا عنهم مقابل مبالغ مالية، وهو ما جعل السلطات المسؤولة توقف 262 طيارا عن العمل وتفصل 28 منهم وتجمد عمل خمسة مسؤولين في هيئة الطيران المدني بحسب التصريح الصادم لوزير الطيران غلام ساروار خان أمام مجلس النواب يوم 24 يونيو 2020 المنصرم.
أما المتحدث باسم الخطوط الباكستانية عبدالله حفيظ خان فقد قال أن شركته تقر بأن التراخيص المزيفة ليست مجرد قضية خاصة بشركته فقط وإنما تنتشر عبر صناعة الطيران الباكستانية بأكملها، مضيفا بأن بعض الطيارين المزيفين يعملون أيضا لصالح شركات طيران أجنبية، ولهذا “ارسلنا إلى البعثات الأجنبية وهيئات التنظيم والسلامة العالمية لتوقيف جميع الطيارين المشتبه في حصولهم على تراخيص عمل بالاحتيال”. وبالفعل قامت بعض الدول مثل فيتنام وماليزيا ودولة الإمارات بتوقيف الطيارين الباكستانيين العاملين لديها أو فتحت تحقيقا في ملفاتهم.
هذه الفضيحة المدوية دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الانضمام لدول الإتحاد الأوروبي لجهة حظر طيران الخطوط الباكستانية إلى أراضيها أو المرور في مجالها الجوي. وبهذا وجدت الشركة الباكستانية نفسها في وضع لا تحسد عليه، فما كان أمامها سوى اللجوء إلى الخطوط الجوية التركية لعقد صفقة تتيح للطيران الباكستاني نقل المسافرين من مدنها ومن المحطات المسموح لها بالتحليق فيها إلى إسطنبول على أن تتولى الشركة التركية نقلهم إلى العواصم الأوروبية وذلك في عمل يحمل أيضا طابع الإحتيال لإختراق الفضاء الأوروبي بطريقة غير مباشرة. كما تضمنت الصفقة تأجير الخطوط الباكستانية طائرات للخطوط التركية لإستخدامها في الرحلات الخاصة (تشارتر فلاي) إلى مدن مثل برشلونة وبرمنغهام وكوبنهاغن ولندن وأوسلو وميلان.
وفي دليل آخر على اعتمادها على تركيا لتجاوز وجودها على القائمة الأوروبية والأمريكية السوداء، تحاول الخطوط الباكستانية عقد صفقة مماثلة مع شركة بيغاسوس الجوية، وهي شركة طيران تركية منخفضة التكلفة تأسست عام 1990 وتطير إلى العديد من المدن التركية والروسية والأوروبية والشرق أوسطية إضافة إلى مدن في جمهوريات آسيا الوسطى، علما بأنها خلال العقدين الماضيين تعرضت طائراتها لأربعة حوادث جوية وحادثة إختطاف واحدة.
يـُعزي الصحفي الباكستاني “كونوار شاهد” ما حدث للخطوط الباكستانية، التي كانت يوما ما شركة طيران جيدة، إلى هيمنة المؤسسة العسكرية عليها بحيث أصبحت ملاذا وظيفيا ومغنما لكل المتقاعدين من طياري وضباط القوات الجوية، كما غدت الجهة التي يفضل الساسة المتنفذون تعيين أنصارهم فيها. ويضيف أن هذه العوامل أدت إلى تضخم عدد موظفيها، وبالتالي تحقيقها لخسائر متتالية عاما بعد عام. ويوضح، بالنسبة والتناسب، أن الشركة لديها أكثر من 14 ألف موظف لخدمة أسطول مكون من 30 طائرة فقط، بينما الخطوط الإماراتية مثلا لديها 60 ألف موظف لخدمة أسطول مكون من 300 طائرة، وهذا يعني أن الخطوط الباكستانية تخصص 500 شخص لتشغيل طائرة واحدة في الوقت الذي لا تحتاج فيه العملية إلا لخمسين شخصا.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين