بعد انطلاقة بطولة كأس العالم لكرة القدم على أرض الشقيقة قطر، التي بدا من استعداداتها المبهرة أنها شقت طريقها وبقوة للجلوس بزهو بين الدول الكبرى رياضياً، يتعين محلياً فتح الحديث حكومياً عن هوية الكويت للمستقبل.
فعملياً يعد معلوماً في علوم الدول أنه لتجديد الهوية لاسيما الاقتصادية دور مهم في تحديد توجه المجتمعات وتحديد خياراتها لمناحي الأنشطة المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كونها تشكل الخطوط العريضة التي تمشي عليها مؤسسات الدولة وتعتمدها في خططها الإستراتيجية الخاصة بالنمو والتنمية والتي تؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الأهداف المنشودة للدولة والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.
مع قطر يبرز توجه المملكة العربية السعودية التي دخلت مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمشاريع عملاقة شملت قفزة استثمارية في توجيه المال والبشر، ما يجعلها صاحبة هوية اقتصادية تضعها على رأس الدول الناشئة بمرتكزات واضحة للنمو والتنمية.
وبالطبع لا يمكن اغفال هوية الإمارات اقتصادياً والتي أفلحت معها في الابتكار تنموياً وفتح خطوط تستقطب من خلالها تدفقات مالية ضخمة بعد أن تحولت لنقطة تجمع عالمياً للمال وللمستثمرين، ما مكنها من تجاوز عقدة الاعتماد على النفط في ميزانيتها إلى إيجاد مصادر متعددة للدخل.
وسط هذا التحديد الواضح للهويات خليجياً يكون السؤال مشروعاً وبرسم الحكومة، ماذا عن هوية الكويت الاقتصادية وأين سيجد المواطن دولته تصنيفاً في السنوات القليلة المقبلة؟
من حيث المبدأ يمكن للكويت استعادة هويتها المفقودة اقتصادياً بصناعة أخرى تحمل الاصالة دون جمود والحداثة دون جنوح، وهذا يتطلب تبني الإصلاح الاقتصادي على أنه عملية متطورة ومستمرة، على أن نتعلم من دروس الماضي التي علمتنا أن خطى التنمية تتعثر كلما تراكمت مستحقاتها وتزداد تكلفتها كلما ترددت قراراتها.
ولذلك يتعين أن تخرج الحكومة بإستراتيجية محددة ومستهدفات واضحة معلنة لخططها الاقتصادية، وبرسالة موظفة جيداً لخدمة هويتها الاقتصادية، وإلا ستقع في فخ الحراك العبثي الذي جعل الكويت تدور في المكان نفسه آخر 20 سنة.
وما يزيد من أهمية هذا التوجه الحكومي تنافس دول المنطقة المتصاعد يومياً وسباقها نحو إحداث تنمية اقتصادية مستدامة لشعوبها بإستراتيجيات تضمن لها بناء مصدات وقدرات فائقة على مواجهة المخاطر المختلفة برصيد هائل من الامكانات الاستثمارية والبشرية، القادرة على القفز فوق التحديات الجيوسياسية التي تطرأ كل فترة على العالم وتهدد استقرار أسواقه.
ولا يخفى على أحد أن الكويت تأخرت كثيراً في صناعة هويتها الاقتصادية رغم مقدراتها العالية مالياً واقتصادياً وجغرافياً وبشرياً، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو صدأ عزيمة الحكومات السابقة وإضاعتها الوقت في سجالات ومعارك سياسية انتقلت بالكويت من رحلة صعودها تاريخياً إلى الهبوط اقتصادياً، ومن باب الانصاف هذه الحكومات ليست المسؤولة الوحيدة عن هذه الحالة ولا استثني من ذلك أحداً من مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية.
والنتيجة الواضحة تعرض الكويت لأزمات معقدة هددت حسب تصريحات المسؤولين في وقت سابق إلى أزمة دفع الرواتب، وهي الحالة التي لا تليق بتاريخ الكويت وموجوداتها مدفوعة بكلام مكرر عن التنمية وقرار مؤجل للتنفيذ.
الخلاصة:
الكويت باتت في أمس الحاجة إلى توجيه الاقتصاد الوطني بمستهدفات تصمم خصيصاً بما يستقيم مع تحديات المرحلة ومتطلباتها على أن يشمل ذلك تسخير جميع الإمكانات والتي يتعين أن تشمل حتى تصميم مقررات تعليمية تخدم الهوية الجديدة، بما يصنع أجيالاً متتالية تحمل راية التنمية دون توقف، وبعزيمة متجددة مشتعلة دائماً بتحدي النجاح.