في الهند الجريحة التي تسابق الزمن من أجل مكافحة الموجة الرابعة من وباء كوفيد 19، بعد أن تسببت لها هذه الموجة في أكبر كارثة إنسانية في تاريخها المعاصر لجهة عدد الإصابات والوفيات اليومية، يلقي بعض الهنود اللوم على حكومة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” لتساهلها في تطبيق الإجراءات الاحترازية خلال الأعياد الدينية الهندوسية، قائلين أنه ضحى بصحة وسلامة الشعب كي لا يـُغضب أنصاره من الجماعات القومية الهندوسية المنتمية لحزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، فيما يلقي بعضهم الآخر اللوم عليه لأنه تحمس لإجراء الانتخابات التشريعية المحلية في موعدها.
بل حث أنصاره على المشاركة الكثيفة فيها وركز على استطلاعات الرأي وصناديق الاقتراع، بدلا من تركيز جهوده على التعامل مع أزمة تفشي الوباء، خصوصا وأن كل التقارير كانت تشير إلى أن إجراء الانتخابات في ظل اكتساح الوباء للولايات الهندية ستكون له تبعات خطيرة ومؤسفة.
والمعروف أن الهند ظلت، في الأشهر الأولى من انتشار الوباء عالميا، محصنة ضده، إلى درجة تساءل معها المراقبون باستغراب عن الأسباب، لكن الوباء سرعان ما غزاها تدريجيا إلى أن وصلت الأحوال إلى الوضع الحزين الراهن الذي سقطت فيه المنظومة الصحية الهندية بالكامل وسط إصابات يومية تجاوزت الأربعمائة ألف ووفيات بعشرات الآلاف في الساعة ونقص خطير في الأوكسجين والمعدات والأدوية والأسرة، دعك من المقابر.
أما الانتخابات التشريعية، وما رافقها من حملات وتصويت وتزاحم أمام مراكز الإقتراع فقد ساهمت، بلا شك، في زيادة الإصابات، خصوصا وأنها جرت في ولايات معروفة بالإكتظاظ السكاني، وبالتالي استدعى الأمر إجراءها على مراحل.
ما يهمنا هنا هو تسليط الضوء على نتائج هذه الانتخابات، وعما إذا كان مودي وحزبه الحاكم قد عوقب من قبل الناخب الهندي على استخفافه بالمحاذير الصحية، وعدم لجوء حكومته إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى ما بعد السيطرة على الوباء.
جرت الانتخابات في شهر أبريل المنصرم لإختيار نواب المجالس التشريعية المحلية لولايات البنغال الغربية وتاميل نادو وكيرالا وآسام، علاوة على إقليم بودوتشيري الاتحادي. وفي الأول من مايو الجاري أعلنت النتائج التي جاءت إلى حد ما مخيبة لآمال مودي وحزبه الحاكم.
فمودي، الذي راهن على تحقيق إنتصار في ولاية البنغال الغربية المهمة (90 مليون نسمة) مشابه لما حققه تحالفه في ولاية بيهار (99 مليون نسمة) في آخر انتخابات تشريعية ما بين أكتوبر ونوفمبر 2020، أي في وقت كانت فيه السيطرة على الوباء قائمة نسبيا رغم ارتفاع أعداد الإصابات، أصيب بخيبة أمل لأنه فشل في انتزاعها من يد حزب “مؤتمر ترينامول” بزعامة رئيسة وزراء الولاية الحالية، “ماماتا بانيرجي”، المعروفة بانتقاداتها الشرسة له ولسياساته الداخلية. وبالتالي لم يحقق حلم حزبه في حكم الولاية لأول مرة (تعد الولاية من الولايات الهندية القليلة التي لم يحكمها حزبه قط)، على الرغم من كل محاولاته للتقرب من الناخب (بما في ذلك إطالة لحيته كي يبدو قريب الشبه من الشاعر رابندرانات طاغور، أيقونة الولاية الأشهر، والقيام بحملات دعائية لإنجازاته، وتوجيه أنصاره لإستقطاب الناخبين عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والوسيط الرقمي). غير أن النتائج النهائية تقول أن مودي تعرض لخسارة بطعم الفوز، لأن تحالف الأحزاب اليمينية الذي يقوده تمكن من انتزاع نحو 80 مقعدا من مقاعد الولاية البالغ عددها 294، بعد أن كان يسيطر في المجلس التشريعي السابق على 3 مقاعد فقط. وجاء ذلك على حساب مقاعد حزب المؤتمر الهندي بقيادة سونيا غاندي الذي تعرض لهزيمة ساحقة. ولعل ما قد يُحسب فوزا لصالح مودي، عدا المقاعد الثمانين، هو أن السيدة بانيرجي الشهيرة بإسم “ديدي” أي الأخت الكبرى فشلت في الفوز بمقعد معقلها في دائرة “نانديغرام”، الأمر الذي يقلل من فرصة بقائها على رأس الحكومة المحلية لولاية البنغال الغربية إلا إذا قبلت المحاكم طعنا تقدمت به ضد فوز مساعد سابق لها في تلك الدائرة.
وكانت ولاية آسام في شمال شرق الهند (25 مليون نسمة) هي الولاية الوحيدة التي لم يتعرض فيها حزب مودي للخسارة، وبقيت تحت سيطرته من خلال تحالفه مع أحزاب محلية، أما في ولاية تاميل نادو في أقصى الجنوب (75 مليون نسمة) فقد خسر مودي لصالح الحزب المعارض الرئيسي الاقليمي (حزب درافيدا مونيترا كازاغام) الذي احتفظ بالسلطة فيها بقيادة زعيمه الجديد “إم. كي. ستالين”، إبن رئيس وزراء الولاية الأسبق كارونانيدي. وكذا كان الحال في ولاية كيرالا (35 مليون نسمة) التي خسرها تحالفه القومي لصالح تحالف يساري بقيادة الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، بل لم يفز فيها بأي مقعد على الإطلاق. وتكرر الأمر نفسه في انتخابات إقليم بودوتشيري الاتحادي (مليونا نسمة).
نخالة الحديث هي، أنه في المحصلة النهائية، سقطت رهانات مودي، في مؤشر خطير لما قد ينتظره في الانتخابات الفيدرالية القادمة. غير أن الخاسر الأكبر هو حزب المؤتمر الذي حقق الإستقلال للبلاد وكان يوما ما حزبا قائدا عظيما للأمة. فالاخير يشكو من الإنشقاق وضعف القيادة، وليس له في البرلمان الاتحادي سوى 44 من أصل أصل 542 مقعدا، ولا يسيطر إلا على 5 ولايات في مقابل سيطرة خصمه اللدود على 16 ولاية.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين