حملت هذه القافلة معها دائما المال، الأدوية التي يتبرع بها أبناء الطائفة المارونية القاطنين في إسرائيل للمحتاجين في لبنان. لكن الطائفة المارونية ليست الوحيدة التي تتبرع بمالها، حيث تستعين الطائفة الدرزية والفلسطينيين أيضا بخدمات الأسقف لارسال المال والأدوية لأفراد عائلاتهم في لبنان. لكن، تم هذه المرة توقيف المطران والتحقيق معه من قِبل الجهاز الأمني اللبناني لمدة 12 ساعة متتالية. ليصادر جهاز الأمن اللبناني ممتلكاته، هاتفه النقال ومبلغا ماليا قدره 460 الف دولار كان بحوزته.
أثار توقيف الحاج والتحقيق معه ضجة إعلامية غير مسبوقة. فقد خرق تحقيق جهاز الأمن اللبناني معه، القوانين المتبعة في لبنان والتي يتم بحسبها التحقيق مع رجال الدين من قبل ممثلين عن الفاتيكان. رفض الأسقُف بالبداية التعاون مع محققيه، لكن ولأن أمر التحقيق صدر عن قاض مدني يدعي فادي عقيقي، الذي يشغلُ منصب ممثل الجهاز القضائي المدني في المحاكم العسكرية- وافق الأسقُف على التعاون. انتهى التحقيق مع الحاج منتصف الليل، ليتوجه إلى بيت سيده ولتتحولَ هذه القضية بعدها لأزمة سياسية تهز لبنان بل وتؤدي الى تَدخلِ الرئيس اللبناني ميشيل عون.
أقامت القيادة المسيحية والدرزية الدُنيا ولم تُقعدها بل ووجهت أصابع الاتهام لحزب الله ولجهات أخرى داخلية وخارجية تنوي جَرَّ لبنان لحرب أهلية. وعليه قامت فورا قيادة الطائفة المارونية برئاسة البطريرك الراعي بنشر تصريح يشجبُ ما حدث، بل وطالبت بإنهاء المسرحية الأمنية-القضائية والسياسية، وإعادة المال والأدوية التي تمت مصادرتها للمحتاجين الذين ينتظرونها بفارغ الصبر، وإغلاق ملف التحقيق، والتحقيق مع القاضي عقيقي بل وفصلهِ من السلك القضائي.
كانت إجابة القاضي عقيقي قاطعة. حيث ادعى الآتي: “أن المال الذي كان بحوزة الأسقُف ليس مال الكنيسة، بل هو مال أرسله بعض المتعاونين اللبنانيين الذين هربوا لإسرائيل ويعملون اليوم لحساب العدو الإسرائيلي. وعليه ورغم أن مصدره الأراضي المحتلة فهو خاضع للقانون اللبناني ولاجراءاته. حيث يقضي القانون اللبناني بمقاطعة إسرائيل وعليه فمن واجبي تطبيق هذا القانون”.
لم تنتهِ قضية الأسقُف بعد. فقد تم استدعاؤه للمثول أمام القاضي من أجل استكمال التحقيق معه، لكنه نوهَ أنه لن يقوم بتنفيذ الأمر دون الرجوع إلى المسؤولين عنه. لكن يبدو أن الضغوطات السياسية قد جاءت بنتيجة بالفعل، فهناك بوادر تشير أن إغلاق الملف وشيك الحدوث. قد يتم إغلاق الملف قريبا، لكن التوتر الطائفي الذي خلقتهُ هذه القضية والتربح السياسي الذي نتج عمها، لن يختفي بسهولة. تثقل هذه القضية المخجلة كاهل القيادة المارونية التي تدير البلاد بالذات على ضوء مواجهة رئيس الحكومة السُني الحالي نجيب ميقاتي صعوبات بتشكيل حكومة.
دعم عَون الأسقُف، لكن ادعى معارضو حزب الله- يشمل ذلك القيادة الدرزية وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع- أن حزب الله مسؤول عن التحقيق مع الحاج لتنتقل القضية للساحة السياسية. بل وها هي تشتبكُ بقضية الحدود اللبنانية الإسرائيلية التي يشكل فيها حزب الله اللاعب المركزي ويحدد قوانين اللعبة. ففي واقع يشهد إرسال دعم إسرائيلي للبنان، مفاوضات على حقول الغاز، تشكيل حكومة أو الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، فإن يد حزب الله هي العليا.
لقد صرح عَون أن لبنان قد توصل إلى تفاهمات حول اتفاق الغاز، بل وصرح وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أن توقيع اتفاق الغاز سيتم في شهر أيلول.
لا عِلم لدينا بمصدر تكهنات وزير الخارجية المتفائلة، بالذات في ظل غياب الرد الإسرائيلي حول قضية نطاق وحدود حقول الغاز. من جهته وضحَ حزب الله أن لبنان لن يوقع أي اتفاقية على لا تضمن حقوق لبنان الكاملة بالذات في منطقة “قانا” الواقعة في قلب الحدود التي تدعي إسرائيل ملكيتها.
ورغم تصريح حزب الله بدعمه لكل خطوة تتخذها حكومة لبنان، إلا أنه أوضح أنها لن تتخذ قرارات تتعارض مع مواقفه. لكن ما يقض مضجع الحزب ليس حقول الغاز، بل نوعية وتركيبة حكومة لبنان، وهوية الرئيس القادم وحفاظه على تأثيره على الحكومة.
وعليه، خدمت قضية حقول الغاز وقضية المطران أهدافه. فقد صرح وزير الخارجية قبل عامين لموقع “الساسة-ميديا” قائلا:” دعونا نعترف أن حزب الله هو حاكم لبنان الوحيد”. لم يكن تصريح وزير الخارجية مفاجئا،
لكن، كان التحقيق مع المطران تجاوزا لكل الخطوط الحمراء في دولة كل خطوطها الحمراء مَرنة.