بقيام رئيس الحكومة الجديد في الكويت، الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، أداء اليمين، ثم دعوة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد له بمحاربة الفساد، يبدو السؤال المطروح أمام المراقبين سيرتبط بهوية الظرف السياسي القادم في علاقته بالمهمة الرئيسية للرئيس الجديد، وهل ستتركز على مواجهة ملف الفساد، أم هناك ملف آخر يسبقه في الأهمية ما ساهم في ظهور ملف الفساد وأدى إلى تغوله، ألا وهو ملف النهج الحكومي في إدارة البلد؟
بعبارة أخرى، هل النهج الحكومي مسؤول عن انتشار الفساد، والذي كانت آخر صوره الظاهرة ما قام به نجل حاكم الكويت ووزير الدفاع السابق الشيخ ناصر صباح الأحمد بتقديم بلاغ إلى النائب العام بشأن مخالفات في تعاملات ما يسمى “بصندوق الجيش” والحسابات ذات الصلة به، وذلك بعد توصل لجنة التحقيق التي شكلها إلى وجود أطراف مسؤولة عن هذه المخالفات، في مقدمتها وزير الداخلية السابق الشيخ خالد الجراح؟
وكان الشيخ ناصر صباح الأحمد كشف عن الاستيلاء على نحو 800 مليون دولار من صندوق الجيش، مؤكدا أن هذه القضية سرعت الاستقالة الأخيرة للحكومة. وقال في بيان إن الاستيلاء على 240 مليون دينار كويتي (789 مليون دولار) تم قبل تعيينه وزيرا للدفاع في 2017. وأضاف أنه أحال على القضاء قبيل اعلان استقالة الحكومة، نتائج تحقيق داخلي بشأن هذا الأمر. وتابع أنه طلب بلا جدوى تفسيرات بشأن ذلك من رئيس الحكومة (السابق) الشيخ جابر المبارك الصباح ووزير الداخلية. وقال إنه قرر “مقاطعة اجتماعات الحكومة” احتجاجا على عدم الرد على أسئلته. وأكد “هذا هو السبب الرئيسي لاستقالة الحكومة”.
وكان المتحدث باسم الحكومة الكويتية طارق المزرم أوضح في بيان أن استقالة الحكومة كانت بسبب انتقادات في البرلمان طاولت وزراء عديدين لسوء إدارتهم. في حين قال الشيخ جابر المبارك إنه تنحى عن رئاسة الحكومة حتى تنجلي الاتهامات الموجهة لشخصه، خاصة بعد أن تم تحويل قضية فساد “صندوق الجيش” إلى القضاء، وحمل على الشيخ ناصر صباح الأحمد، معتبراً أن تصرفه ينطوي على “تداعيات بالغة الخطورة”.
ولا يخفى على المراقب أن انفجار أزمة فساد “صندوق الجيش” جاء بعد تطورين أثنين حدثا في الساحة على علاقة بنفس العنوان، الأول هو تظاهر مئات الكويتيين الأسبوع الماضي أمام مجلس الأمة احتجاجا على الفساد داخل المؤسسات. والثاني الاستجواب الذي جرى لوزيرة الأشغال جنان بوشهري وارتبط أيضا بالفساد. ويشير التطوران إلى تنامي ملف الفساد باعتباره مؤشرا على وجود خلل في النهج الحكومي في إدارة البلد.
وما زاد من ارتفاع وتيرة الاحتجاج الشعبي، التصريحات التي أطلقها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بافتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، حيث انتقد ما وصفه بالمبالغة في طرح قضايا الفساد في الكويت. وقال إن هناك محاولات لتصوير الكويت على أنّها “عاصمة الفساد العالمي وأن كل الكويتيين ضالعون في الفساد”. فيما اعتبر بعض المحللين أن هذه التصريحات “استفزّت المواطنين ودفعتهم إلى التظاهر”.
وتحتل الكويت المرتبة 78 عالميا والأخيرة خليجيا على مؤشر الفساد العالمي لعام 2018 الذي تعدّه منظمة الشفافية الدولية. والعام الماضي، أعلنت هيئة مكافحة الفساد تلقي 196 بلاغا بخصوص قضايا فساد وإحالة 34 منها للتحقيق.
وفي إشارة إلى تردي النهج الحكومي في إدارة البلاد، اعتبرت القوى السياسية المدنية في الكويت، في بيان لها، أن سبب استمرار الأزمات يعود إلى “عدم إلتزام الحكومة بالتطبيق السليم لدستور 1962 الذي يمثل الحد الأدنى من تطلعات المجتمع الكويتي في التطور الديمقراطي، وكذلك في تفشي الفساد وتمادي النهب المنظم للمقدرات الاقتصادية، وازدياد مظاهر تحكّم المصالح الضيقة للقوى المتنفذة في عملية اتخاذ القرار، ناهيك عن سوء الإدارة السياسية للدولة والفشل الحكومي الذريع في حل المشكلات العامة وارتهان القرارين التشريعي والرقابي في مجلس الأمة، ما أدى إلى تردي الأوضاع في البلاد”.
وطالبت القوى السياسية الحكومة “العمل على تصحيح المسار المنحرف للوضعين الحكومي والبرلماني على نحو جدي وإعادة الاعتبار إلى إرادة الأمة وفق ما قرره الدستور، وتحقيق الإصلاح السياسي الديمقراطي الذي يشكّل المدخل الأول لكل خطوات الإصلاح المستحقة والأساس الأهم في تلبية المطالب الشعبية وحل المشكلات التي تعاني منها الغالبية الساحقة من المواطنين”. كما طالبت بتشكيل حكومة جديدة ذات نهج إصلاحي، وبإقرار قانون انتخابات ديمقراطي بديل يعالج الاختلالات الخطيرة التي نشأت عن مرسوم قانون الصوت الواحد.
وفي هذا الإطار تجاوز ناشطون مطالبة الحكومة ورئيسها الجديد “بنهج جديد” إلى المطالبة بتعديل دستور البلاد. وقال خالد الفضالة، أحد الناشطين البارزين، في تغريدة: ”حكومة جديدة رئيس جديد نهج جديد” شعارات كنّا نعتقد صحتها في عام 2011 أما تكرارها الان فيعني دخولنا (دون قصد) بـ”حلقة مفرغة ” vicious cycle ولو كررنا ذات الشعارات فلن نجني سوى ذات الأوضاع بل أسوء، يجب ان يكون نطاق تفكيرنا ضمن إطار الدستور ولكن خارج حدود ما حددته السلطة. وطالب الفضالة بتعديل الدستور بما يواكب تطور العمل السياسي، ولتحقيق مزيد من الديمقراطية والحريات، وتغيير النظام السياسي الى نظام برلماني شامل تكون فيه الأمة صاحبة السيادة ومصدر جميع السلطات، وإشهار الأحزاب وفق منطلقات وطنية، والنأي بالأسرة الحاكمة عن السياسة.
ويبدو أن السلطة في الكويت أمام اختبار حقيقي لمواجهة مرحلة حساسة من الحياة في ظل تطورات سياسية جديدة وحساسة وملف اقتصادي ملئ بالسلبية وتغيرات اجتماعية تفرض شروطها الرقابية الصارمة على مجمل الحياة بما فيها حياة الرؤساء والحكام والمسؤولين، فالمرحلة الراهنة فيها من المنغصات ما لا يمكن مواجهتها بعقلية الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي ولا بوسائل الصراع القديمة، لذا هي أمام استحقاق تعديل النهج الحكومي بما لا يمكن تحقيقه خارج إطار تعديل الدستور وصولا إلى قطف نتائج تساهم في بسط الاستقرار في البلاد. فهل تنجح في ذلك مع رئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح؟..
*فاخر السلطان كاتب كويتي