ذهبت مؤخرا للعلاج في أقدم مستشفيات البحرين وهو مستشفى الإرسالية الأمريكية بالمنامة فشاءت الصدف أن يكون الطبيب المعالج هنديا من كشمير. وبدلا من أن يعالجني طلب هو مني علاجا لقضية بلده بعد أن قرأ في ملفي تخصصي الأكاديمي في العلاقات الدولية والشؤون الآسيوية.
وقضية كشمير، كما هو معروف، تتشابه مع القضية الفلسطينية في جزئية محددة فقط تتمثل في التاريخ الزمني تقريبا وفي كونهما من القضايا ذات الفرص الضائعة التي لم تـُستغل لإيجاد حلول منطقية لهما، وبالتالي تركتا للزمن مما أدخلهما في جمود وتعقيدات مع مرور الوقت.
لكن لئن كانت هذه هي الحقيقة، فإن بعض القوى الإسلاموية المؤدلجة تصر على تشابه القضيتين الكشميرية والفلسطينية وتطابقهما رغم فارق واضح يتمثل في أن الشعب الكشميري يعيش على أرضه ولم يتم تهجيره لإحلال شعب غريب مكانه كما في حالة فلسطين.
ظلت قضية كشمير غائبة عن أنظار العالم لسنوات طويلة ولا تظهر اخبارها إلا في وسائل الإعلام الباكستانية وأحيانا في وسائل الإعلام العالمية، خصوصا عند إندلاع إشتباكات بين الجيشين الهندي والباكستاني عبر خط وقف إطلاق النار الذي يقسم المقاطعة المتنازع عليها إلى قسمين منذ عام 1947 (قسم هندي بمساحة 43% من المساحة الكلية، وقسم باكستاني بمساحة 37%) إضافة إلى جزء يسمى “أكساي” إحتلته الصين الماوية في حربها الخاطفة ضد الهند صيف سنة 1962، وجزء آخر تنازلت عنه باكستان للصين عند ترسيم حدودها البينية في الستينات، بهندسة من وزير خارجيتها آنذاك (رئيسها فيما بعد) ذوالفقار علي بوتو، وذلك طمعا في الحصول على دعم دبلوماسي وعسكري من بكين.
في أواخر العام المنصرم عادت القضية إلى الأضواء وتصدرت وسائل الإعلام على إثر قرار رئيس الحكومة الهندية “رانيدرا مودي” إنهاء الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير وإدارتها مباشرة من نيودلهي مع جملة من إلاجراءات الأمنية المشددة مثل قطع الهواتف والانترنت عن السكان وفرض حظر التجول ومنع التظاهر والتجمعات. وكان التبرير هو تقارير مخابراتية عن إحتمال دعم باكستان والجماعات الإسلامية المتشددة في المنطقة، لكشميريي الهند لإحداث حالة من الفوضى المؤدية إلى الضغط على نيودلهي للقبول بحل ما للقضية. خصوصا بعد إجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الزعيم الباكستاني عمران خان في البيت الأبيض في يوليو 2019 وما تردد في حينه حول قبول ترامب القيام بدور الوسيط بين طرفي القضية الكشميرية، وهو ما رفضته حكومة مودي فورا من خلال بيان رسمي أعادت فيه التأكيد على أن حل القضية يجب أن يكون في إطار التفاوض الثنائي. وهذا موقف هندي قديم متجدد، فيما تسعى إسلام آباد إلى تدويل القضية قائلة إن الهنود أنفسهم هم أول من قام بتدويلها يوم أن رفعها زعيمهم الأسبق جواهر لال نهرو سنة 1948 إلى مجلس الأمن على أمل أن يصدر المجتمع الدولي قرارا بإدانة باكستان كونها هي التي بدأت الحرب الهندية الباكستانية الأولى عام 1947، لكن مجلس الأمن في حينه خيب آمال نهرو.
وكنتيجة لهذه التطورات قامت حكومة عمران خان الباكستانية مؤخرا بالضغط على منظمة التعاون الإسلامي لعقد مؤتمر عاجل على مستوى القمة أو وزراء الخارجية لبحث مستجدات القضية الكشميرية املا في استصدار قرار إسلامي يدين الهند وينتصر لباكستان، دونما التفات إلى حقيقة أن الكثير من الدول العربية والإسلامية لها من المصالح المتشابكة مع العملاق الهندي أكثر من تلك التي تربطها بباكستان، وبالتالي تتجنب أن تقحم في نزاع ثنائي يثير غضب نيودلهي.
مبدئيا، أرى أن من حق الهند أن تقوم بأي إجراءات يحفظ أمنها ووحدتها وسيادتها الوطنية مثلها مثل أي دولة تخشى من إحتمالات الفوضى والتهديد، لاسيما وأنها محاطة بدولتين تضمران لها الشر من الغرب والشمال، دعك من التنظيمات الجهادية المنفلتة والتي لها ثارت مع نيودلهي من منطلقات أيديولوجية.
غير أن ما قامت به حكومة مودي هذه المرة من إجراءات فاق كل توقع، وخالف ما وعد به خلال الانتخابات العامة الأخيرة التي فاز فيها لفترة ثانية. حيث أن مودي كان قد وعد بإعطاء المزيد من الحكم الذاتي لمقاطعة جامو وكشمير في محاولة ذكية منه لاحتواء حركة استقلالية آخذة في النمو بقيادة سكان المقاطعة من الشباب الذين لم يعاصروا أهوال وظروف عملية تقسيم الهند البريطانية إلى كيانين على أساس ديني، علما بأن هذه الحركة الاستقلالية تسعى إلى إعادة توحيد قسمي كشمير في كيان جديد بعيدا عن النفوذين الهندي والباكستاني.
لكن هل يا ترى ستـُكتب لمثل هذا الكيان الحياة لو افترضنا جدلا إمكانية قيامه؟ الوقائع الجيوسياسية وحالة العداء المستحكمة بين الجارتين اللدودتين الباكستانية والهندية تقول لا!
فالكيان الكشميري الموحد والمستقل سيكون دولة مغلقة لا تطل على بحار كما في حالة أفغانستان، وبالتالي ستبحث لها عن موانيء في الهند أو باكستان اللتين لن تمدان له يد العون بسبب إختياره الانفصال عنهما معا، هذا إذا لم تستخدما نفوذهما السياسي وقوتهما العسكرية للإضرار بمصالحه، ومضايقته، وتهديده كي يندم الكشميريون على قرار الاستقلال.
ثم أن وحدة الكيان المفترض لن تكتمل إلا بسيادته على الجزء الكشميري الذي تحتله الصين. ويتوهم كثيرا من يعتقد أن النظام الصيني الحالي بقيادة الرئيس شي جينبينغ سوف يتخلى عن أي اراض لكائن من كان وهو الذي يعمل من أجل بناء إمبراطورية صينية كبرى. وتكفينا الإشارة هنا إلى ما قاله جينبينغ خلال زيارته إلى نيبال العام الماضي من أنه سيسحق عظام كل من يحاول فصل أي جزء من بلاده.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي