لا اوافق ابدا على هذا المثل العنصري، لأني اعتقد بأن “القرد في عين امه قرد”، وان “الغزال في عين امه غزال”، والمثل القائل بأن “القرد في عين امه غزال” مثل يوحي بأن القرد حيوان قبيح وإن الغزال حيوان جميل. والسؤال هو من وضع هذا الافتراض بأن الغزال أجمل من القرد، وما هي مواصفات الجمال عند الحيوانات؟ فمثلا هل الفيل أجمل من الزرافة، وهل القط أجمل من الكلب؟
والشيء بالشيء يذكر، ما هي مقاييس الجمال عند الإنسان، وهل هي مقاييس ثابتة، ام أنها مقاييس نسبية تتغير مع الزمان والمكان. فاذكر اني كنت اعمل في شركة أمريكية وكان ٩٥٪ من موظفيها من أصول بيضاء أوروبية، ومرة قالت لي إحدى الموظفات بأنها معجبة جدا بلون بشرتي الاسمر البرونزي، وأنها تود أن يكون جلدها مثل هذا اللون بدلا من لون جلدها الأبيض الباهت. وسألتها : لماذا لا تذهبي الى الشاطئ القريب وتأخذي حمام شمس فيصبح لون جلدك برونزي؟ فقالت: انها تفعل ذلك أحيانا ولكنها تخشى من أن تصاب بسرطان الجلد إذا تعرضت كثيرا لأشعة الشمس. وفي الوقت نفسه تجد ملايين السمر والسود يتمنون أن تكون بشرتهم بيضاء، بل وأن البعض يشتري مستحضرات تجميل وأدوية لتفتيح لون البشرة، وقد نجح المطرب العالمي الراحل مايكل جاسون في تغيير شكله فغير شكل أنفه وقام بتفتيح بشرته، وحتى عمل غمازة في ذقنه!! بحيث لو رأيت مايكل الطفل فلن تصدق أنه مايكل الشاب.
مايكل جاكسون الأصلي مايكل جاكسون بعد التعديل
وعندما كانت ابنتي طفلة صغيرة كان شعرها ملفوف وليس “كالشعر الحرير ع الخدود يهفهف ويرجع يطير” وذات مرة اوقفتنا إحدى السيدات أثناء سيرنا في “المول” ونظرت بإعجاب شديد إلى شعر ابنتي قائلة: “انا ادفع نقودا كثيرة لكي اجعل شعري ملفوفا مثل شعر ابنتكما”
وفي بلدان الشرق الأوسط تبذل النساء أوقاتا وأموالا كثيرة لكي يحصلن على الشعر الناعم “ع الخدود يهفهف”.
…
وقديما كانت السمنة “والربربة” عند النساء دليل الجمال والثروة ايضا، حيث كان الناس الأثرياء فقط هم من يحصلون أكثر كثيرا من حاجتهم الغذائية الطبيعية،
…
ودائما أتساءل عن مقاييس الجمال عبر الزمان وعبر المكان، فمثلا قديما في الصين كانت تعتبر القدم الصغيرة عند الفتيات إحدى علامات الجمال، لدرجة أن بعض الأسر كانت تجبر الاطفال من الفتيات على ارتداء أحذية صغيرة مصنوعة من الحديد للاحتفاظ بالقدم الصغيرة مما كان يؤدي إلى مشاكل في عظام قدم الفتيات
وفي بعض القبائل الأفريقية كانت الرقبة الطويلة من علامات الجمال عند الفتيات، لذلك كن يرتدين حلقات معدنية حول الرقبة وبزيادة عدد الحلقات يتم مط وزيادة طول الرقبة.
وكان الوشم بأشكاله مطلوبا لاكتمال الجمال، وحاليا عادت عادة الوشم بقوة كبيرة بين الفتيات والشبان وتشاهد الآن بعض الفتيات والشبان يغطون معظم أجزاء الجسم بألوان واشكال جميلة ملونة ومتنوعة، ويصرفون أموالا طائلة لوضع هذا الوشم على أجسادهم وأجسادهن ولا يعملون حساب الزمن الغادر عندما يبدأ الجسم في الترهل ويبدأ الجلد في فقد رونقه ولا يصبح مشدودا كما كان من قبل، فيصبح الوشم مشوها بعد أن كان جميلا.
…
وعندما كان الأتراك يحكمون معظم بلدان الشرق الأوسط، كان الجمال التركي هو أهم مقاييس الجمال لدينا، وحتى اليوم تتفاخر بعض الأسر العربية بأن بنات الأسرة حلوين لأن جدودهن اتراك!
وبلا شك أننا منذ بداية عصر النهضة الأوروبية والأمريكية الحديثة تأثرنا كثيرا بمقاييس الجمال الأوروبية، فمع بداية عصر السينما ومن بعده التليفزيون، أصبحت مقاييس الجمال هي مقاييس هوليوود، فكل البنات يتشبهن بأنجريد برجمان وريتا هيوارث وجوليا روبرتس ومادونا وجينيفر لوبيز وجينيفر لورانس، والشباب يتشبهون بكاري جرانت وجيمس دين وجاري كوبر وروبرت ريدفورد وبراد بيت وجورج كلوني وتوم كروز وغيرهم.
ومع انتشار الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت أصبحنا نرى أنواعا أخرى من الجمال الأسيوي في اليابان والهند والصين، ولم يصبح الجمال الأوروبي الأبيض هو مقياس الجمال الوحيد، بل وأصبحنا نرى عارضات أزياء من أفريقيا يعرضن أزياء في ميلانو وباريس ونيويورك ولندن.
ولقد تأثرت سيدات العالم أجمع بما تنتجه شركات مستحضرات التجميل لتجميلهن وتتغير الموضات كثيرا بتغيير نوعية وشكل مستحضرات التجميل، ولم تسلم من هذا أي سيدة ابتداء من أم حنفي بياعة الفجل عندنا في مصر القديمة وحتى الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا!
…
ولم تقتصر مقاييس الجمال على ما تنتجه شركات مستحضرات التجميل، ولكن أصبحت مهنة أطباء التجميل مهنة مربحة جدا، فهذه السيدة ترغب في صدر أكبر وتلك ترغب في تقليل مقاس صدرها وأخرى ترغب في الحصول على أنف يشبه أنف الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان وأخرى ترغب في عمل عملية تجميل للحصول على شفايف تشبه شفايف الممثلة الامريكية انجيلينا جولي.
…
ومع انتشار عمليات التجميل أصبحت أرى أن العديد من مذيعات قنوات التليفزيون الأمريكية البيض يشبهن أكثر وأكثر الدمية الشهيرة (باربي)!
وهناك سؤال يتبادر إلى الذهن، هل يتأثر حكمنا على الجمال والوسامة على الوضع الاجتماعي أو الوضع السياسي، أو مقدار ثروة الشخص؟
هل لو شاهدنا فتاة من أسرة ثرية ذات وضع اجتماعي متميز نراها أجمل من فتاة فقيرة لها نفس الشكل؟
ولكن من المؤكد أن الجمال الداخلي للشخصية ممكن أن ينعكس ويؤثر على حكمنا على جمال الشخص، فأنا أعرف سيدة فائقة الجمال حسب المقاييس المتعارف عليها (حيث أن أصولها تركية)، ولكنها كانت تتمتع بشخصية غير محببة أبدا، لذلك لا أذكر أني تأثرت أبدا بجمالها الظاهري، والعكس صحيح أيضا فقد ترى شابا متوسط الوسامة ولكنه خلوق وحبوب فينعكس هذا على حكمنا على وسامته.
وهل حقا المثل القائل:”يا واخدة القرد على ماله… بكره بروح المال ويفضل القرد على حاله” ولا أفهم لماذا القرد دائما في أمثالنا الشعبية يضرب به المثل في القبح، مثل عندما نصف شخصا قبيحا: ” اصل امه كانت بتتوحم على قرد” مع أن كلنا حسب نظرية داروين أصلنا “قرد”!