أحد أسباب الاحتجاج الواسع على استعانة الكويت بخبراء مصريين للمساعدة في مكافحة الفساد، هو أن مصر تقبع في مراكز متأخرة في مؤشر مدركات الفساد، وهو المركز 105، بينما مركز الكويت هو 78. لذا، تساءل المحتجون: كيف لدولة مركزها متأخر جدا أن تساهم في مكافحة فساد دولة في مركز متقدم عليها، من خلال توقيع اتفاقية تبادل خبرات وتجارب معها؟
حينما نُظم اعتصام في ساحة الإرادة مقابل مجلس الأمة في شهر نوفمبر الماضي احتجاجا على تفشي الفساد، كان الهدف هو الضغط على الحكومة لاتخاذ اجراءات للحد من ذلك. ورغم أن استقالة الحكومة وتغيّر رئيسها له علاقة بملف الفساد، وبالرسائل الواردة من الإعتصام، وخطوات وزير الدفاع السابق الشيخ ناصر الصباح تجاه “صندوق الجيش”، إلا أن استعانة الكويت من خلال “هيئة النزاهة” بخبرات وتجارب المصريين، قد تكون نوعا من الاستخفاف بالاعتصام وبالأصوات المرتفعة فيه وبالشعارات التي تم إطلاقها، خاصة وأن الاعتصام جرى فيما الإحتجاجات ضد الفساد مستعرة في العراق وفي لبنان. لذا يمكن القول إن أكبر تحد تواجهه حكومة الشيخ صباح الخالد يكمن، في ظل الوقائع المحلية والتطورات الإقليمية، في معالجة ملف الفساد بشكل جدي وليس من خلال الحلول الترقيعية أو عن طريق المحاباة السياسية. وإذا ما أوصلت السياسات الحكومية الشعب إلى مرحلة فقدان الأمل في المعالجة، فإن ذلك سيكون بمثابة جرس إنذار سياسي واجتماعي.
فالاحتجاج الواسع على استعانة الكويت بالمصريين، قد لا يختلف عن استعانة أي دولة بالكويتيين في مجال الفساد. فالبلدان يئنّان من فساد كبير، ويحتلان مواقع متأخرة في المدركات، وترتفع شعارات المكافحة فيهما أكثر من وضع الحلول العملية، بل المثير أن العديد من السياسيين هنا وهناك هم روّاد رفع هذه الشعارات من دون أي شعور بالخجل، حتى أصبح شعار المكافحة يدرّ أرباحا سياسية واسعة. ونظرة سريعة على كلمات ومداخلات بعض نواب مجلس الأمة في الكويت أو على سلوكهم السياسي والاجتماعي، ستوضح عمق الأزمة التي نعاني منها.
أما السلوك الحكومي أو النهج الحكومي في موضوع الفساد فحدّث ولا حرج. وهو ما يجب أن يحيلنا إلى طرق العلاج. فإذا كانت الحكومة جادة في معالجة هذا الملف، كان عليها التعاون مع الدول التي تحتل المراكز الأولى في مؤشر مدركات الفساد، كالدنمارك ونيوزيلندا وفنلندا، أو مع قطر التي تحتل المركز 33 عالميا. أما التعاون مع مصر فيشير ومن دون أي تردد إلى انتفاء الجدّية الحكومية، وإلى ارتفاع مؤشر المحاباة السياسية.
إن فسادنا يحتاج إلى معالجة سياسية، أي إلى إصلاح سياسي. فالمنظومة السياسية التي تدير شؤوننا، والتي اعتدنا نهجها وتصرفاتها وتلمسنا سلوكها، لا تستطيع أن تستمر من دون الاستعانة بنهج الفساد، وكأنها مبنية على ذلك، بدءا من المحاصصة في التشكيل الحكومي، ومرورا بسياسة التنفيع للسيطرة على التوازنات اللازمة في العمل السياسي، وانتهاء بالإصرار على عدم تغيير صورة الحياة الديمقراطية التي تعاني من نواقص كثيرة حين مقارنتها بالديمقراطيات الأخرى حول العالم. وهذه المعالجة قد تكون أسلم الحلول قبيل استفحال الأمور إلى ما هو أسوأ..