النسبة المنخفضة لمشاركة المواطنين العرب في انتخابات الكنيست ليست جديدة. لكنها برزت خلال الانتخابات الأخيرة على خلفية احتمال تكوين كتلة مانعة مقابل اليمين. لم يكن الانشقاق في صفوف القائمة المشتركة سبب نسبة التصويت المنخفضة. وإنّما كان أمرا آخرا أكثر عمقًا، ألا وهو مدى تأثير الصوت العربي على مجريات حياته اليومية في الدولة.
قبيل الانتخابات الأخيرة، وبطلب من موقع «سيحاه مكوميت» أُجري استطلاع لآراء جمهور المواطنين من العرب واليهود. القت نتائج الاستطلاع الضوء على تحوّلات جذرية يمرّ بها الجمهور العربي بالبلاد. لكن على الرغم من أهميتها فقد مرّت هذه النتائج تحت الرادار، دون أن يلتفت إليها أحد مما اثار الاستغراب.
من أجل فهم الوضع على حقيقته، لِزام علينا إمعان النظر بذلك الفارق الكبير بين سلوك الناخب العربي خلال الانتخابات المحلية وبين سلوكه خلال انتخابات الكنيست. المقارنة بين نسبة التصويت للسلطات المحلية ونسبتها في انتخابات الكنيست تشي بشيء يجدر التمعّن به. في الانتخابات المحلية الأخيرة بلغت نسبة التصويت العامّة في البلاد %60. غير أنّ 44 من البلدات التي كانت فيها نسبة التصويت الأعلى في البلاد، كانت هذه بلدات عربية تخطّت فيها نسبة التصويت الـ %80، بل وفي بعضها تخطّت الـ %90.
كيف يمكن تفسير هذا الفارق الكبير بين المحلّي والقطري؟ الإجابة على ذلك تكمن كما ذكرنا آنفًا بمدى تأثير صوت الناخب العربي على السلطة. ثمّة تأثير كبير، وأحيانًا حاسم، للصوت العربي، القبليّ والطائفي، في انتخابات السلطات المحلية. إذ إنّ الأمر مرتبط بالحصول على مناصب، بالفوز بمناقصات وبالكثير من الامتيازات الأخرى التي بوسع السلطة المحلية تقديمها. بكلمات أخرى، ثمّة تأثير للصوت على السلطة في البلدة.
بالمقابل، لا يوجد أيّ تأثير للصوت العربي في انتخابات الكنيست والسلطة المركزية. إذ، حين تُعلن قيادات الأحزاب العربية مسبقًا أنّها لن تكون جزءًا من أيّ ائتلاف حكومي مستقبلي فإنّها تقوم ببتر ذراع برلماني- سياسي قد يدعم استراتيجيا عملها البرلماني. في حال انعدام وجود أي احتمال لتأثير صوت الناخب العربي على سلوك السلطة المركزية، لا يجد الناخب العربي أيّ فائدة من المشاركة بانتخابات الكنيست. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأحزاب الصهيونية في المعارضة تقوم بدورها بعملية تحييد مسبقة لممثّلي الأحزاب العربية ولا تفكّر بإشراكهم في أي ائتلاف مستقبلي. هكذا يجد الناخب العربي نفسه عرضة لخيانة مضاعفة من طرف المنظومة السياسية، من جانب ممثّليه العرب ومن جانب أحزاب المعارضة التي تتشدّق برغبتها في تغيير السلطة.
على الرغم من وجوب الحذر في التعامل مع نتائج الاستطلاعات، لا يمكن تجاهل الروح العامّة التي تتبدّى من الاستطلاع المذكور أعلاه. تطرق الاستطلاع أيضا، الى مواقف الجمهور العربي في إسرائيل حول قضايا مثل: العلاقات العربية-اليهودية، الشراكة المواطنية والسياسية والاعتراف المتبادل. كشف الاستطلاع عن فجوة هائلة بين مواقف الجمهور العربي وبين المواقف التي يعرضها نوّاب الكنيست العرب.
يُظهر الاستطلاع أنّ ما يقارب نصف الجمهور العربي، أي ما يعادل ال %47 من المُستطلعين، يفكّرون بالتصويت لحزب يهودي إذا كان هذا الحزب يمثّل مواقفهم. غير أنّ المُعطى الأكثر إثارة يتعلق بكيفية تعريف المواطنين العرب في إسرائيل لذاتهم.
يتّضح أنّه، بخلاف المواقف التي يعرضها أعضاء الكنيست العرب، ثمّة عمليّة أسرلة عميقة في صفوف الجمهور العربي. إذ إنّ %46 يُعرّفون أنفسهم عربًا إسرائيليّين، %22 يُعرّفون أنفسهم عربًا، %19 يُعرّفون أنفسهم فلسطينيّين إسرائيليّين، وفقط %14 يُعرّفون أنفسهم فلسطينيّين فقط بلا إضافات.
بكلمات أخرى، %65 من المستطلعين يُضيفون التعبير إسرائيلي لدى تعريفهم لأنفسهم.
ليس هذا فحسب بل بخلاف مواقف قيادات الأحزاب العربية، فإنّ الغالبية العظمى في صفوف الجمهور العربي، %87، معنيّة بأن تكون شريكة بالمنظومة السياسية وفي السلطة التنفيذية كما وتدعم انضمام الممثّلين العرب للحكومة. من هنا، يتّضح أنّه بخلاف التصوّر الشائع فإنّ الجمهور العربي يصبو لأن يكون شريكًا في تحديد جدول الأعمال السياسي والاجتماعي في الدولة. إنّ العقبات التي تعترض طريقه هي انعدام وجود قيادات وأحزاب تُلبّي طموحاته، وتكون على استعداد لقبول هذا التحدّي.
למאמר בעברית: המכשולים בפני הבוחר הערבי