صدّيقة وَسْمَقي (Sedigheh Vasmaghi) (مواليد 1961 في طهران) شاعرة إيرانية وكاتبة ومترجمة وباحثة في الشأن الإسلامي ومحللة للقضايا السياسية والاجتماعية. قريبة من تيار المثقفين الدينيين. حصلت على درجة الدكتوراه في الفقه وأصول الدين من جامعة طهران. عملت أستاذة في نفس الجامعة انتُخبت لمجلس مدينة طهران في انتخابات مجالس المدن والقرى. لها آراء جريئة ومثيرة حول المرأة والحجاب وبعض المسائل الفقهية. وقد صدر لها مؤخرا كتاب بعنوان “مسير پیامبري” (الطريق النبوي) كان محل إثارة وجدل كبيرين في الأوساط الثقافية والدينية داخل إيران وخارجها.
وهنا ترجمة « فاخر السلطان » لمقدمة الكتاب.
هذا حكم الله. هذه وصية الله. هذه مشيئة الله. أمر الشريعة هو هكذا.
كلما صادفت مثل هذه العبارات، أسير بهذا الحكم أو الوصية نحو الله. أبحث عن آثار أقدام، أحاول الوصول إلى الله خطوة بخطوة. أين أجد الله، ومتى، وكيف، ولِمَن أوصل الله أمره، وكيف وصلني حكمه؟
كل ما سرت في هذا الطريق ورجعت، ومهما تصفحت وبحثت، لم أصل إلى الله.
إذا لم يكن الله هو الموجود في نهاية هذا الطريق، فمن سيكون؟
كل مجموعة من الناس لها دين، لديهم إله أو آلهة. وكل جماعة تعتبر دينها وإلهها هو الأسمى.
أين يكمن أصل هذه الديانات والآلهة؟
الهندوسية، الطاوية، المزدية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، البهائية، ووو.. هل اتخذوا الله مصدرا لهم؟
إذا كانت الإجابة نعم، فلماذا يختلف الله في كل دين من هذه الأديان؟
لماذا لا يستطيع أحد هذه الأديان أن يقنع الجميع بشرعيته وألوهيته؟
وإذا كانت الإجابة لا، فلماذا يعتبر أتباع كل دين، أن دينهم هو الدين الإلهي وهو الذي يؤدي إلى الخلاص؟
ما هذه القصة التي فتنت البشر منذ آلاف السنين، وباتوا لا يستطيعون أن يرفعوا أعينهم عن السماء، يبحثون فيها عن قوة مؤثرة في حياتهم؟
منذ آلاف السنين كان يعتقد الإنسان أن القوة السماوية تسعى لإيجاد علاقة معه، علاقة مباشرة، كالعلاقة بين إنسان وآخر.
منذ آلاف السنين كان يعتقد الإنسان أن إله السماوات أرسل رسلا إلى البشر لإيصال الرسالة السماوية إليهم وإقامة علاقة معهم لهدايتهم إلى طريق الخلاص.
ولكن أين الخلاص؟ ما هي الرسالة التي أنقذت البشرية؟ وفي حياة أتباع أي دين يمكن الشعور بحضور الله والحصول على الإطمئنان؟
إذا كنت ملتزما بتعاليم دين من الأديان، وغير ملتزم بتعاليم التفكير الحر، هنا ستسمي دينك دين الخلاص. ولكن إذا اعتبرت إنك غير ملتزم بتعاليم الأديان، والتزمت بتعاليم التفكير الحر، حينها ستكون رؤيتك المفاهيمية حول الله والدين والنبوة مختلفة.
أجدادنا، أيا كان الدين الذي آمنوا به، طوّروا معتقدات أديانهم، ثم تطورت المعتقدات جيلا بعد جيل حتى تم إضافة الكثير عليها، فتوسعت وسمنت.
هذه المعتقدات هي نتاج عقول وأفكار عدد قليل من البشر، غير أن أجيالا كثيرة قبلتها وآمنت بها من دون تفكير.
انظروا إلى المسيحية، فقد تورّطت لعشرين قرنا بثلاثي الأب، والإبن، والروح القدس. عشرون قرنا وهي في أسر تجسيد الـ « يسوع ».
الإسلام، إنْ لم نقل أربعة عشر قرنا، فإنه مبتلى لثلاثة عشر قرنا بالأحاديث وبقوانين الشريعة.
على الرغم من أن مفكرين وعلماء لاهوت أديان مختلفة، لديهم رؤى جديدة ويسعون لبث الروح في أديانهم، وأحيانا يحاولون عقلنة تعاليمهم الدينية، إلا أن محاولاتهم تلك عادة ما تنتهي إلى جر الأبحاث والنقاشات الدينية إلى مزيد من التعقيد.
في نظري، عند مراجعة المسائل الدينية، ينبغي السعي لجعلها بشرية، وواقعية، وملموسة. أعني بأنه يجب مواجهة هذه المسائل انطلاقا من رؤى الإنسان. ولا ينبغي لمن يُطلق رأيا في تلك المسائل أن يعتبر نفسه خليفة الله أو ممثله، أو يعلن بأنه الناطق باسم السماء والمتكلم باسم الله.
على سبيل المثال، كان الـ« يسوع » إنسانا. اسم والدته مريم. وسعى لسنوات لإنقاذ الناس من متاعب كثيرة. طرح عليهم رسائل جديدة. لماذا، وفق هذه المواصفات، لا نعتبره إنسانا طبيعيا؟ لماذا لا ننظر إليه كما كان؟
أتباع الـ« يسوع » الأوائل اعتبروه تجسيدا للإله.
هذا الاعتقاد غير المبرّر وغير الواقعي، لا يزال مستمرا. أما الحقيقة الملموسة فهي أن الـ« يسوع » كان إنسانا طبيعيا. وتبديله إلى إله متجسّد على شكل بشر هو خروج من عالم الواقع ودخول في عالم الخيال، والذي هو عالم لا نهاية له، والمعتقدات المتعلقة به لا يمكن إثباتها.
كان محمد نبي الإسلام إنسانا مثل أي إنسان آخر. هو بنفسه أكد هذه الحقيقة. في حين اعتبره بعض أتباعه الأوائل معصوما من الذنوب بل وحتى معصوما عن الخطأ. هذه المعتقدات التي أوردها بعض أتباعه لا تتوافق حتى مع الآيات القرآنية.
إن الذين يفسرون آيات القرآن المختلفة بناء على المعتقدات سالفة الذكر، وهي آيات تشير صراحة إلى إثم النبي وخطأه، يرمون أنفسهم في مثل هذه الدوامة الصعبة التي لا يمكنهم الخروج منها.
لماذا لا ننظر إلى محمد كإنسان واقعي كما هو؟
مثال آخر، أن الفقه الإسلامي يدّعي، منذ ثلاثة عشر قرنا، أنه استطاع أن يشرح قوانين الشريعة، وهي بحسب الفقه قوانين ذات أصل إلهي ويجب أن يضمن تنفيذُها السعادةَ والخلاصَ للإنسان. لكن الحقيقة هي أن تطبيق الشريعة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية (الإيرانية) وفي أجزاء أخرى من العالم الإسلامي لم يسفر عن مثل هذه النتائج.
أين تكمن المشكلة؟
هل أن قوانين الشريعة لا تؤدي إلى النجاة؟
هل أخطأ الفقهاء في استنباط أحكام الشريعة؟
أم أنه ليس لدينا قوانين تسمى بالشريعة أو تسمى بالقوانين الإلهية؟
الإجابة الأسهل والأوضح والأكثر فائدة في رأيي هي الإجابة الثالثة، لأن أول إجابتين، واللتين أدتا بنا إلى مواجهة الكثير من التعقيد والارتباك، تقوداننا إلى الإجابة الثالثة. إلا إذا تغافلنا وأجبرنا أنفسنا على اختيار الإجابة الخاطئة بسبب هيمنة المصلحة على ذلك.
عند تقييم المعتقدات والفرضيات الدينية، يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار الانقسامات الفكرية المختلفة واختيار أوضحها وأكثرها واقعية. وغالبا ما كانت ممارسة اللاهوتيين وعلماء الكلام تتعارض مع هذه الطريقة. فعند فحص الفرضيات المختلفة حول موضوع ما، كانوا في الغالب يعتمدون الفرضية الأكثر محافظة.
لقد تم تبني الفرضيات المحافظة من قبل جهاز الدين الرسمي، وأصبحت هذه الفرضيات من المحرمات الدينية، وأي معارضة لها كانت بمثابة معارضة لضرورات الدين، لذا كان المعترض عليها يواجه عقوبات شديدة.
إن تبني جهاز الدين الرسمي لهذه الطريقة، ضيّق على حرية الرأي والتعبير والتفكير، فأدى ذلك إلى انتشار العديد من الخرافات في الأديان، وإلى طرد العقلانية من التعاليم الدينية.
إن تحوّل المعتقدات الدينية إلى محرّمات، هو وسيلة للهروب من النقد والمساءلة.
ووفقا لـ« كانط »، يسعى الدين من خلال التقديس إلى إبعاد نفسه عن النقد، لكنه بهذه الطريقة يزيد من الشكّ الموجّه ضده. وفي ظل رفضه للنقد لا يستطيع أن يكون محترما.
في الواقع، حينما تصمد الأفكار والمعتقدات أمام النقد القاسي وغير المصلحي للعقل، تستطيع أن تتفاخر بأنها تمكنت من الصمود في وجه النقد، وأنها في مقابل ذلك تستطيع أن تكسب احترامنا.
حينما لم أجد الله في نهاية أسطر التعاليم الدينية والوصايا الإلهية، خطرت ببالي فكرة وهي أن طريق النبوة قد لا يكون كما كان الإنسان يعتقد منذ آلاف السنين.
لآلاف السنين، كان الإنسان يعتقد أن الله هو الذي اختار شخص النبي. لكن قد يكون الإنسان (أو النبي) هو الذي اختار الله.
يعتقد الإنسان منذ آلاف السنين أن طريق النبوة يبدأ من الله نحو الإنسان. لكن ربما يبدأ طريق النبوة من الإنسان نحو الله.
لقد خطر لي رأي آخر في موضوع النبوة يختلف عن القول الرائج. فوفقا للاعتقاد السائد فإن النبوة هي مؤسسة أسسها الله. لكن ربما تكون مؤسسة النبوة من صنع الإنسان.
إن البحث العلمي يقتضي دراسة المنظور الجديد بحيادية. لذا السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: كيف يمكن تأكيد ودحض أي من هذين الرأيين؟
باعتقادي، إذا كان الرأي السائد هو الرأي الصحيح، واعتبرنا أن الله قد اختار النبي، وأن الله مسؤول عن هداية الناس نحو السعادة، وبالتالي أرسل الأنبياء لإيصال رسائل الهداية إليهم، يجب حينها أن نكون قادرين على تتبع مسير الأنبياء والأديان السماوية عبر تاريخ الحياة البشرية، أي من خلال الأديان والأنبياء الذين يحملون تعاليم واضحة ومشتركة، تعاليم تقنعنا تميّزها وروعتها ونعيمها بأنها إلهية.
لسنا نحن من يجب أن نثبت إلهية الوصايا والتعاليم، وإنما إذا كان الدين أو الأوامر الدينية إلهية، فيجب عليها هي إثبات هذه الحقيقة للجميع. بعبارة أخرى، يجب أن تحمل معها أسباب مشروعيتها.
ومن أجل العثور على نتائج بشأن الأديان التوحيدية، بحثت في تاريخ الأديان وفي علم الآثار. وكلما بحثت أكثر، وجدت المزيد من الأدلة التي تدحض وجهة النظر السائدة وتؤكد وجهة نظري.
(فعلى سبيل المثال) لا تؤكد الأدلة وجود الأديان التوحيدية في جميع فترات حياة الإنسان. ولا يوجد تسلسل في إرسال الأنبياء الموحّدين لإرشاد جميع البشر.
إن الادعاء بوجود الأنبياء منذ بداية خلق الإنسان، هو مجرد ادعاء يتعارض مع الافتراضات التاريخية والنتائج العلمية. وأي محاولة لتبرير هذا الادعاء ستستند إلى فرضيات مجرّدة وغير مثبتة.
عالم التديّن مليء بالمحرّمات القائمة على المصلحة. لقد جلب علماء الدين المصلحة إلى عالم التديّن، ومن خلالها لوثوا التعاليم الدينية. لقد تغلغلت هذه النفعية في قلوب العديد من المتديّنين لدرجة أنهم يخشون سماع الرأي المختلف، ويرفضون المعرفة، ويخافون من أي إمكانية لتغيير معتقداتهم.
إذا كان الهدف هو تنوير القلوب والعقول بنور المعرفة، فيجب توسيع ساحة البحث عن الفكر. فعند التحقق من أي معتقد ديني، يجب النظر في الاحتمالات المختلفة وتقييمها بدقة من خلال نظرة نقدية حيادية، ولا تخافوا من النتائج.
لقد انتهك العديد من علماء الدين الأحكام والنتائج العقلية أثناء النقاشات الكلامية اللاهوتية خوفا من بعض العواقب، واعتبروا هذا الانتهاك بمثابة تعاطف مع الدين، وأن مصلحة التدين تحتّم ذلك. في حين لا علاقة للبحث العلمي بالعاطفة والمصلحة والخوف من انتهاك المحرّمات.
أن يكون الباحث خادما للمعرفة، هو بمعنى أن يقدّم نتيجة بحثه بصورة صادقة مهما كانت تلك النتيجة.
إن القارئ (للكتاب) قد لا يقبل نتيجة هذه الدراسة، أو قد لا تكون المؤلفة قادرة على أن تدلّل وجهة نظرها بصورة صحيحة، لكن من المفيد على الأقل التعرّف على وجهة نظر المؤلفة حول النبوة وما إذا كانت هناك وجهة نظر أخرى حولها.
أرجو من القارئ العزيز قبل قراءة هذا الكتاب أن يحرّر فكره من القيود، عندها فقط يمكنه فهم مقاصد المؤلفة وإصدار حكم عادل بشأن ما يقرأه.