أرجع الأمر إلى خلل في المنظومة الغذائية التي يعيش عليها الصينيون
“رعب في الصين“، “خطر يهدد حياة مئات الملايين من الصينيين“،“الرئيس الصيني يعقد اجتماعا طارئا لقيادة الحزب الشيوعي“،“أوصال الصين مقطوعة“، “العالم يتجنب السفر إلى الصين“، “الإقتصاد الصيني يخسر بلايين الدولارات“. هذه مجرد نماذج مختصرة لمانشيتات الصفحات الاولى في الصحافة الآسيوية والعالمية خلال الأسبوع الفائت.
لأول وهلة يعتقد من يقرأ هذه العناوين أن حربا عالمية ثالثة تستهدف الصين قد اندلعت، أو أن كارثة نووية قد حلت بها على غرار تشيرنوبل السوفياتي. لكن الحقيقة كما بات معروفا للجميع في أقاصي الدنيا، بفضل ثورة الإعلام الجديد العابر للقارات في لحيظات، هي أن ثاني أقوى إقتصاد في العالم لم تتعلم الدروس مما أصابها في عام 2000 حينما انطلق منها وباء سارس المميت (وقبله وباء إنفلونزا الطيور)، ولم تتخذ ما يكفي من إجراءات لمنع تكراره، فكان أن انتشر فيها ومنها اليوم فيروس مرض كورونا الجديد القاتل الذي لم يحل كاللعنة على الصينيين فحسب وإنما تجاوز الحدود لينتقل إلى دول قريبة وبعيدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وسنغافورة وماليزيا وفيتنام ونيبال والولايات المتحدة وفرنسا واستراليا وكندا واسكتلندا وغيرها.
الملاحظ هنا أن القيادة الصينية كانت شجاعة في اطلاع العالم على الحقيقة رغم علمها المسبق بالتداعيات السلبية لنشر الحقائق على إقتصادها والتي تمثلت في وقف الرحلات الجوية العالمية إلى مطاراتها كإجراء احترازي مؤقت، وخروج الأجانب من أراضيها، وتجنب السواح زيارة مدنها ومعالمها، دعك من أمور أخرى وصلت حد تجنب استيراد الملابس والأطعمة منها خوفا من إحتمالات تلوثها بالفيروس القاتل. ولو أن هذا الحدث وقع أيام المعلم “ماو تسي تونغ” لتكتمت القيادة عليه ولما سمع به العالم من باب الحفاظ على سمعة البلاد واقتصادها، خصوصا وأن في تلك الحقبة لم يكن هناك إعلام جماهيري يتمتع بالسطوة والقوة التي هو عليه اليوم.
لهذا قلنا أن إعلان الرئيس الصيني “شي جينبينغ” عن أن بلاده في خطر وأن الأزمة في تفاقم أمر يحسب له. كما أن قراره بإغلاق مدينتين من مدن الصين الكبرى (ووهان وهوانغانغ) البالغ تعداد سكانهما معا نحو 19 مليون نسمة، واللتين ثبت لدى السلطات الصينية أنهما مصدرا الفيروس القاتل، ومنع الدخول والخروج منهما واليهما قرار صائب غير مسبوق للحد من انتشار الوباء، على الرغم مما قالته منظمة الصحة العالمية من أن إغلاق مدن بأكملها أمر لم يُجرب من قبل لجهة الحد من إنتشار الاوبئة وأن له نتائج إجتماعية واقتصادية خطيرة، خصوصا مع احتفال الصينيين بموسم السنة القمرية الجديدة، وهو موسم يتنقل فيه مئات الملايين من الصينيثين بين المدن والمقاطعات الشاسعة جوا وبواسطة القطارات المكتظة.
في تغريدة لي حول الموضوع قلت “هل تساءل أحد لماذا الصين وليس غيرها من الدول الأقل قدرات وإمكانيات والاضعف اقتصادا هي مصدر الاوبئة المميتة في السنوات الماضية؟ فجاءت الردود متباينة بين من زعم أن الأمر متعلق بمؤامرة خارجية ضد الصين من قبل خصومها ومنافسيها العالميين، ومن إدعى أن السبب يكمن في تجارب تجريها الصين لإختراع أسلحة جرثومية متطورة، ناهيك عمن تبنى نظرية العقاب الإلهي بمعنى أن الصين حلّ بها ما حلّ عقابا لها على سياسات إغراق البلاد الأقل نموا بالديون.
غير أن الإجابة الواقعية ــ من وجهة نظري ــ جاءت من زميلنا الكاتب السعودي حسين شبكشي في مقال له بجريدة الشرق الأوسط (26/1/2020) تحت عنوان “عولمة الفيروسات” حيث أرجع الأمر إلى خلل في المنظومة الغذائية التي يعيش عليها السواد الأعظم من الشعب الصيني، معطوفا على عوامل أخرى مثل عدم الاكتراث بالحفاظ على البيئة في ظل حمى عمليات التصنيع الجارفة للطبيعة، وضعف جودة المراقبة في المختبرات الصحية، مضيفا أن حركة السفر والتنقل التي باتت أكثر يسرا اليوم من أي وقت مضى، وانفتاح الصين على العالم بما فيه خروج الصينيين في أفواج سياحية إلى العالم من بعد عزلة قسرية طويلة ساهم في تنقل فيروسات الأوبئة جغرافيا وعدم بقائها معزولة في نطاق البلد الأم.
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh