سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
هذه الآية القرآنية الكريمة بالإضافة الى قصة الإسراء والمعراج، أعطت القدسية الخاصة لمدينة القدس لدى كل المسلمين. كما أن المسجد الأقصى كان أولى القبلتين للمسلمين لمدة ستة عشر شهرا أسوةً باليهود وذلك عندما كان محمد (ص) مهاجراً من مكة ويعيش وسط يهود المدينة. والحقيقة اني منذ صغري كنت أتساءل ما هو المسجد الأقصى والذي زاره محمد (ص) في ليلة الإسراء قبل الفتح الإسلامي بكثير، كان هناك في القدس في هذا الوقت الكنيسة ومعبد اليهود المعروف بهيكل سليمان. وكان هيكل سليمان في بيت المقدس هو قبلة اليهود ولا يزال. ولكن لم يكن هناك مسجد للمسلمين في وقت الإسراء والمعراج!
ومن الحكايات الطريفة انني كنت مرة ابحث مع صديق عزيز فلسطيني من سكان نابلس موضوع المسجد الأقصى ، وقلت له :”انه لم يكن هناك مسجد للمسلمين في بيت المقدس عند حدوث الإسراء والمعراج، ولكن كان هناك هيكل سليمان، لذلك فأنا أشك بأن المسجد الأقصى قد بني فوق جزء من هيكل سليمان بعد الفتح الإسلامي لمدينة القدس، لأنه كان المكان الوحيد الذي كانت تقام به الصلوات اليهودية في القدس قبل الفتح الإسلامي الدي حدث في عهد عمر بن الخطاب”.
فدهش صديقي الفلسطيني من شكوكي هذه وقال لي: « الله يخليك لا تجيب سيرة هذا الموضوع لأي شخص، بعدين اليهود يسمعوا بيه ويتمسكوا بالنظرية دي ويحاولوا هدم المسجد الأقصى”!
والحقيقة ان مسألة القِبلة والصلاة تجاه قِبلة معينة محسومة في القران بالآية:
“وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”
الموضوع واضح وصريح، حيثما تولي وجهك فسوف تجد وجه الله.
اعتقد ان النزاع على القدس سوف يظل نزاعا أبديا ما لم يكن لدى اتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث، الإسلام واليهودية والمسيحية، العقل والحكمة والسماحة التي تقول ان مدينة القدس من الممكن ان تسع الجميع “واينما تكونوا فثم وجه الله”.
…
نعود الان الى ذكريات زيارة القدس.
وصلنا فندق في القدس الشرقية يقع في شارع صلاح الدين، ولا اذكر اسم الفندق وكان فندقاً متواضعا. وكانت التعليمات من شركتنا بأن ننزل في فندق في القدس الشرقية حيث أن المشروع الذي نحن بصدده سوف يكون في مدينة غزة العربية. والقدس مدينة جميلة بكل معنى الكلمة وجميلة بشطريها، القدس الشرقية حيث المدينة القديمة وأغلبها فلسطينيون عرب مسلمون ومسيحيون، والقدس الغربية الحديثة وأغلبها إسرائيليون يهود. وبعض أجزاء القدس الشرقية تم الاستيلاء عليها من جانب القوات الإسرائيلية عام ١٩٦٧ وتم بناء بعض المستوطنات اليهودية عليها مثل أجزاء من منطقة جبل المكبر.
وعندما زرت المسجد الأقصى كنت اعتقد ان القبة الذهبية المشهورة هي قبة المسجد الأقصى ولكني وجدت ان المسجد الأقصى مكون من عدة أجزاء أهمها ثلاثة أجزاء:
أولا: المسجد نفسه وهو تم بناؤه في عهد الدولة الأموية، والمسجد له ساحة فسيحة بينه وبين مسجد قبة الصخرة المشرفة؛
ثانيا: مسجد قبة الصخرة المشرفة. وقد دخلت كلا من المسجدين، وفي الدور السفلي لمسجد الصخرة المشرفة وجدت صخرة كبيرة وقيل ان النبي محمد (ص) قد ركبها اثناء رحلة الاسراء والمعراج. ولذلك، فان بعض الخرافات كانت تقول بأن هذه الصخرة معلقة في الهواء، ولكني وجدت ان هذا غير صحيح. فقد وجدت فعلا الصخرة ولكنها كانت على الأرض، ولم تكن تطير في الهواء!
ثالثا: حائط المبكى، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى، ويبلغ ارتفاعه ٢٠ مترا (او ما يطلق عليه المسلمون « حائط البراق »). وقد أطلق عليه عرب القدس لفظ « حائط المبكى » لان اليهود كانوا يبكون عنده حزنا على تدمير هيكل سليمان، ويطلق عليه اليهود « الحائط الغربي ». وأمنية معظم اليهود حول العالم هو زيارة هذا الحائط ووضع الدعوات في الفواصل بين حجارة الحائط.
ومن أهم معالم القدس « جبل الزيتون ». وحسب الديانة المسيحية، فعند جبل الزيتون خطب السيد المسيح وعظته الشهيرة التي أطلق عليها “وعظة الجبل”، وهي في تقديري حجر الأساس للديانة المسيحية، ومما جاء فيها:
“طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السموات، طوبى للحزانى لانهم يتعزّون، طوبى للودعاء لانهم يرثون الأرض، طوبى للجياع والعِطاش الى البر لانهم يشبعون، طوبى للرحماء لانهم يرحمون، طوبى لأنقياء القلب لانهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يُدعون، طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السموات، طوبى لكم اذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السموات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم“
وقال أيضا في وعظة الجبل:
“سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخر أيضا، ومن اراد ان يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخّرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين، من سألك فاعطه، ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده“.
“سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، واما انا فأقول لكم احبوا اعداءكم، باركوا لاعنيكم، احسنوا الى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم، لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات، فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين“.
ولقد كتبت مقالا منذ عدة سنوات عن “وعظة الجبل” للسيد المسيح وتعجّبت كيف لم ندرسها في المدارس مسلمين ومسيحيين ويهوداً، ربما نتعلم كيف نسامح من أساء إلينا، وكيف نمد أيدي السلام ليس فقط للأصدقاء، بل للأعداء أيضا.
…
وقد زرت القدس مرات عديدة ووقعت في حب تلك المدينة، وخاصة عندما تسير في البلدة القديمة في طريق الآلام والأزقة الضيقة والمحلات العتيقة وكأنك تسير للوراء في التاريخ. ومن الأشياء المفرحة أني قد لاحظت نظافة وتنظيم المدينة بالفعل بالمقارنة بالأحياء العتيقة العربية في مدن مثل القاهرة وطنجة وجدة ومراكش. وقد قال لي بعض الفلسطينيين من أهل القدس بأن المدينة أصبحت أكثر نظاما ونظافة عندما أصبحت في أيدي الإسرائيليين، وهي فعلا “زهرة المدائن” حسب أغنية فيروز. ولقد فكرت مرة في شراء بيت في مدينة القدس، فقيل لي أنه من رابع المستحيلات أن تسمح بلدية المدينة بتسجيل منزل باسم مواطن عربي مسلم!! وتعجبت كثيرا ولكني لم أتأكد من تلك صحة المعلومة.
وفي أثناء وجودي في القدس قمت بالصلاة أكثر من مرة في المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرفة وزرت كنيسة القيامة بكل أركانها وأوقدت الشموع للسيدة مريم العذراء، وكذلك زرت حائط المبكى. وكان في صحبتي وقتها المهندس محمد بدر وكان يعمل معي في المشروع وقال لي في نهاية جولتنا الدينية : والله يا باشمهندس سامي أنا شاكك فيك، أنت كدة خلتنا نزور كل الأماكن المقدسة للديانات الثلاث؟ فقلت له: أنا كده يا محمد ضامن الديانات الثلاث لأني كمسلم حقيقي أعترف بالديانات الثلاث.
!