(مستشفى هداسا في القدس)
في منتصف عام 1995 أصابني ألم شديد في كتفي الأيسر أثناء وجودي في غزة، وكان ألما لا يطاق حتى أني كنت لا أستطيع النوم في بعض الليالي. وأخيرا قررت الذهاب إلى مستشفى الشفاء، وكانت قريبة من محل سكني في غزة. وفي ذلك الوقت كانت الإمكانيات محدودة بالمستشفى، فلم يستطع الأطباء اكتشاف سبب الألم وأعطوني مسكنا للألم. ورفضت أحذ مسكن الألم بدون معرفة سبب الألم، واستمر الألم حتى علقت ذراعي بمحاذاة الصدر بعلاقة خاصة على أمل أن يخف الضغط على كتفي، ولكن لم يحدث أي تحسن.
ونصحني بعض أهل غزة وهم يهمسون في إذني (« أحسن لك أن تذهب إلى مستشفى هداسا الإسرائيلي في القدس »)، وقد سمعت من قبل عن تلك المستشفى وأنها أفضل مستشفى في إسرائيل وأن بعض أثرياء العرب يذهبون للعلاج سرا إلى تلك المستشفى وفي نفس الوقت يرفضون علانية التطبيع مع إسرائيل. وطبعا عند المرض لا يهم من يعالجك، المهم أن تحصل على أفضل علاج تقدر عليه.
وبالفعل ذهبت مع زميلي المهندس “محمد بدر” الذي قاد السيارة لأنني لم أكن بقادر على قيادة السيارة. وبعد بحث طويل في القدس الغربية وجدنا مستشفى هداسا وهي مستشفى ضخم جدا يذكرك بمستشفى القصر العيني في القاهرة، وترى على حوائط المستشفى أسماء المتبرعين لبناء تلك المستشفى ومعظمهم من أثرياء يهود أمريكا وأوروبا، وهي مستشفى جامعي أيضا حيث أن بها كلية الطب. وعند الاستقبال، طلبت مقابلة طبيب متخصص في العظام أو معالجة الألم، فذهبت إلى طبيب متخصص في العظام، وكشف علي الكشف الخارجي العادي، وعندما أكتشف أني من مصر أهتم كثيرا ودعا بعض طلبة كلية الطب للفرجة على هذا المريض المصري الذي جاء للعلاج في مستشفى إسرائيلي بالقدس (قمة تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل)!! وجاء بجهاز الرنين المغناطيسي وأخذ الرنين والإشارات على كتفي الأيسر، ولكنه لم يستطع التوصل إلى سبب الألم، وكتب لي أيضا مخففا للألم، ورفضت أن آخذه أيضا أسوة برفضي لمخفف الألم من مستشفى الشفاء في غزة وذلك لتحقيق المساواة بين الأطباء الفلسطينيين والإسرائيليين!! ورجعنا من القدس ليس فقط بـ »خفي حنين” ولكن رجعنا بـ »حنين” نفسه!!
وفي طريق العودة من القدس إلى غزة قررت السفر إلى أمريكا لمعرفة سبب ألم كتفي المستمر بدون انقطاع.
وبالفعل، سافرت اليوم التالي إلى القاهرة لكي أتوجه من هناك إلى أمريكا. وفي مصر قررت الذهاب إلى مستشفى النيل بدراوي بالمعادي بالقاهرة حيث وصف لي بعض الأصدقاء طبيب عظام متميزاً. ولما قابلت الطبيب المصري، وقلت له عن ألم كتفي فوجئت به يكشف على رقبتي، وكنت على وشك أن أقول له (مثلما قالت الممثلة راقية إبراهيم لمحمد عبد الوهاب في أغنية حكيم عيون): “إنت بتدور على إيه عندك الألم هنا في كتفي“! وفوجئت أكثر عندما طلب مني عمل أشعة إكس على الرقبة وليس على الكتف. وبالفعل عملت الأشعة وذهبت له بالأشعة، وأخيرا اكتشفنا سبب الألم، وهو أن بعض فقرات الرقبة تضغط على العصب الموصل للكتف وهذا العصب ملتهب فيبدو وكأن الألم صادر من الكتف وليس من الرقبة، وأعطاني أدوية تخفف الالتهاب، وارتحت كثيرا عندما عرفت سبب الألم، ولكني في نفس الوقت قررت الذهاب إلى أمريكا،
وفي هذا التوقيت بالذات كانت قد تمت ترقية مستر بيتر هيجادوس رئيسي المباشر لكي يصبح مدير الشركة في المجر ويصبح مندوب الشركة المتعددة الجنسيات التي كنا نعمل بها. وحل محله مدير آخر أمريكي من أصول إيطالية أو أسبانية أسمه “توني مارابيلا” وكان بينه وبين بيتر ما صنع الحداد (بالمناسبة ما الذي صنعه الحداد لكي يفرق بين الناس بهذا الشكل، وما هو دخل صناعة الحداد في إفساد العلاقة بين الناس؟). وبدا أن “توني مارابيلا” كان يعتبرني من “رجالة بيتر” لذلك رأى أن يضع همه في “العبد الفقير“، وعندما ذكرت له أني يجب أن أذهب لأمريكا في أجازه مرضية للعلاج، رفض وقال لي: « يكفيك العلاج هنا في مصر ». وعندما أصررت على الذهاب إلى أمريكا، قال لي: « لو ذهبت إلى أمريكا فمن الأفضل ألا تعود ». وهذا بالفعل ما حدث، فقد قمت بتسليم مفاتيح السيارة ألى الشركة وسافرت إلى أمريكا، ولم أرجع مرة أخرى للشركة بعد أن أتضح لي أن التعامل مع الرئيس الجديد سوف يكون غاية في الصعوبة، والحياة قصيرة جدا للتعامل مع رئيس “يستقصدك“! وحزنت كثيرا لأني لم أتمكن من استكمال مشروع إسكان غزة، الذي تركته مضطرا، ولكن البركة في المهندس محمد بدر ورفاقه الذين استطاعوا استكمال المشروع.
وفي أمريكا، ذهبت إلى طبيب متخصص في إصابة اللاعبين المحترفين ولا زلت أذكر أسمه “وليام روجرز” (لأنه هو نفس أسم وزير الخارجية الأمريكي في أواخر أيام عبد الناصر والذي جاء بـ « مبادرة روجرز” لحل النزاع العربي الإسرائيلي). واتفق الدكتور الأمريكي مع الدكتور المصري في التشخيص، وقال لي ان فقرات عظام الرقبة تضغط على العصَب مثلما لو قفل الباب على أصبعك، فلن يخف الألم إلا إذا فتحنا الباب! وذكر أيضا أنه يمكن عمل جراحة، ولكنه لا يحبذ الجراحة في هذه المنطقة من الجسم لأنه لا يوجد داعي للمجازفة. و طلب مني عمل علاج طبيعي في المستشفى حيث وضعوني في جهاز لمدة 20 دقيقة كل مرة حيث يتم شد الرقبة بعيدا عن الجسم في محاولة لتحرير العصب من ضغط فقرات الرقبة عليه. وبالفعل أفادني كثيرا العلاج الطبيعي، وأيضا نصحني بالسباحة باستمرار، وأفادتني السباحة أكثر من أي علا ج آخر.
ذكرت عاليه بأن بعض العرب يذهبون للعلاج سرا في إسرائيل، واتضح لي فيما بعد بأن هذا الموضوع منتشر أكثر مما كنت أعتقد. ففي ١٩ أكتوبر عام ٢٠١٤، نشرت محطة إذاعة « بي بي سي » البريطانية عبر موقعها على الانترنت خبرا بعنوان: “ابنة إسماعيل هنية زعيم حماس تعالج بمستشفى في إسرائيل” وفيه تقول: “ونقلت تقارير إخبارية إسرائيلية عن آفي شوشان المتحدث باسم مستشفى “إخيلوف” في تل أبيب إن ابنة هنية تعالج في المستشفى منذ أيام.
ونقلت وكالة “معا” الإخبارية الفلسطينية عن مصادر في إدارة المستشفى قولها “الحديث عن واحدة من بين ألف حالة مرضية من قطاع غزة ومنطقة السلطة الفلسطينية، من البالغين والأطفال، الذين يتم علاجهم لدينا كل عام“.
وقالت مصادر في قطاع غزة للوكالة إن ابنة هنية، الذي يعتقد أن له 12 ابنا وابنة، كانت قد “خضعت لعمليات جراحية في قطاع غزة وفي مصر، إلا أن العمليات فشلت، ما أدى إلى نقلها إلى إسرائيل“.
وهي ليست المرة الأولى التي يذهب فيها أبناء مسؤولين من حماس لتلقي العلاج في إسرائيل؛ بمن في ذلك شقيقة هنية وحفيدته وتوسطه أيضا لنقل ابنة وزير الداخلية السابق (والمطلوب لإسرائيل فتحي حماد) من الأردن إلى عسقلان.
وكانت زوجة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد عولجت في مستشفى إسرائيلي من قبل، فهاجمه عدد من رجالات حماس على ذلك.
وفي عز أيام فيروس كورونا، أعلن مستشفى “هداسا” الإسرائيلي في القدس تدهور صحة أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات الذي أصيب بفيروس كورونا المستجد، واصفا حالته بأنها “حرجة“. وقال المستشفى في بيان “قضى السيد عريقات ليلة هادئة ولكن طرأ هذا الصباح تدهور في حالته يصنف بأنه « حرج »، سبب ضيق تنفس“. وأضاف البيان أنه “تم إنعاشه وتنويمه“. وقد مات صائب عريقات متأثرا بإصابته بفيروس الكورونا فيما بعد.
وما أريد أن أقوله أني لا ألوم إسماعيل هنية أو أي من زعماء فلسطين على تلقي علاجهم في أفضل مكان في العالم بما فيه إسرائيل. ولكني ألومهم على « التطبيع مع إسرائيل صحياً سراً » وعلى أطلاق صواريخ « الرفض علنا »!!
“ذكرياتي في فلسطين وإسرائيل”: الحلقة الحادية والعشرون، البحر الميت وأشدود ورام الله