في المقابل، يصرِّح القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن صواريخ “حزب الله” اللبناني صارت تغطي جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وينتقد حلم الصهاينة باحتلال المنطقة من الفرات إلى النيل، ناسياً ان الحلم الإيراني لا يختلف البتة عن غايات الشيطان الأصغر الاستعمارية والتوسعية، كما تدل الوقائع من العراق الى اليمن وسوريا فلبنان.
وفي حين يحتدم السباق بين الاميركيين والإيرانيين على الرقعة اللبنانية المتهالكة مع أزمات تتحكم بكل الملفات، وفيض من شعارات، ونبش ملفات فساد معروفة في الأصل، تحكي عن حالها، سواء في الإدارات او النفايات او السلك القضائي، مطلوب من المواطن اللبناني ان لا يستغرب او يسخر عندما يكاشفه مسؤول بمدى معاناته لأنه التزم صوت الضمير الذي ارغمه على القبول بحقيبة وزارية لا تناسب تعففه عن السلطة وكل وجع الرأس المرافق لها، بينما تصل تطلعاته الى أعلى السلم.
حينها أيضاً سيعاني لأنه سيضحي ويرضخ لصوت الضمير إياه. هذا هو قدره، وهو العبد المسكين الله تعالى المنصاع لنداء الواجب ولو كان مرغما.
الاهم ان يبتعد هذا المواطن عن التفكير والتحليل والاعتراض، فيغمض عينيه بعصبة، تماماً كما هي حال ساندرا بولوك وأطفالها في فيلم الرعب، “بيرد بوكس”، حيث تسيطر على الكرة الأرضية وحوش ومسوخ تجبر أي شخص يراها على الانتحار سريعاً. وتغري المرضى العقليين بقتل من تمكن من البقاء على قيد الحياة بعد حجب نظره عن المسوخ التي تهدده، ليقتصر الخلاص على العميان الذين لم يشاهدوا ما شاهده المبصرون، لذا استطاعوا انشاء عالم مسوّر ومعلّب لحماية انفسهم وحماية من يلجأ اليهم.
ليعصب هذا المواطن عينيه عندما يغرق في النفايات او يتسمم اطفاله ويموتوا بطعام ملوث.
الأهم، وحرصاً على صحته النفسية، يجب على هذا المواطن ان يعصب عقله عندما يسمع صوت المسؤول الذي ينقلب على مواقفه في كل لحظة ليربكه. فلا يعرف الحليف من الخصم لأن الطاحش على الزعامة يعتمد سياسة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”.
ليس شغله ان يفهم.
وظيفة هذا المواطن ان يبقى في القطيع. ولا يسأل عن دراسات وأرقام وعلم ومنطق لمعالجة أي أزمة، وفتح أي ملف. وظيفته أن يبتلع عنصريته او يتقيأها على إيقاع ضربات الزعيم. وان يبرر له شراهته وجوعه الوقح الى المكتسبات، وعرقلته الأداء الطبيعي للحكومة عندما يتعلق الأمر بالتعيينات. فهو القادر على احتكار الجبنة واللعب على حبال السياسة والاقتصاد وتحصيل أدسم الصفقات والمكاسب له ولمن يرضى عليه.
في هذه النقطة تحديداً، لا يحق لهذا المواطن ان يعترض، فهو يحصد ما زرع، وزرعه فاسد. فهو صَنَعَ المسوخ والوحوش التي تتحكم به، وهو سمسار حاضر ليبيع بيته بسعر أعلى وينام بين القبور وتجتاحه الكوابيس.
لذا ليس غريباً ان يرى المسؤول الزاهد والمنهك من الوزارة والنيابة والزعامة ان هذا اللبناني السمسار ناكر للجميل، لا يقدِّر تضحيات زعيمه لتحسين حياته. ولا يستوعب ان عليه ان يسدد فاتورة فساده الصغير بالصمت والاذعان للفساد الأكبر. عيب عليه ان يطالب بالكهرباء 24 على 24 ساعة غير مكترث بالخسائر التي سيتكبدها الاتقياء جراء خسارتهم في صفقات الفيول والبواخر التركية والغاز وتسييله وتغويزه، ومعامل دير عمار وسلعاتا والزهراني والتنقيب عن النفط. وقس على ذلك يا قصير البصر والبصيرة.
فليصمت هذا الفاشل في امتحان المواطنة، وليكتف بالمراهنة على السباق بين الأميركي بومبيو والايراني محمد علي جعفري، وليتقصّ خيوط المؤامرات الانعزالية التي تتقاطع مع أحلام الأمبراطورية الفارسية مهما كبرت الخلافات الظاهرة، وليمعن في خضوعه للتدجين مع زعماء بارعين في الضرب على الحافر ومن ثم على المسمار حتى يصل الطموح الى منسوبه المطلوب.
sanaa.aljack@gmail.com