اللواء جميل الحسن الذي دعا إلى التخلص من عدد إضافي من المتظاهرين خلال الاجتماعات السورية المغلقة، وعبّر علناً عن ضرورة قتل جميع خصوم نظام بشار الأسد منذ البداية، كما فعل عند سحق الثورة في حماة عام 1982، ذلك اللواء نفسه يعاني ضعفاً في القلب!
جميل الحسن هو واحد من أتباع نظام الأسد الأكثر وحشية، لكن رغم صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، تمكن من السفر إلى بيروت لمعالجة قلبه المريض، لماذا لم يوضع تحت الإقامة الجبرية إذن؟
في إحدى المراحل السابقة، بدا وكأن محاولة مقاضاة أحد أهم القادة السوريين بدأت فعلاً، علماً أنه متّهم بارتكاب عشرات آلاف جرائم القتل ضد شعبه، في يونيو 2018، أصدرت محكمة العدل الفدرالية في ألمانيا مذكرة توقيف بحق جميل الحسن، رئيس المخابرات الجوية السورية.
قد تكون كلمة «مخابرات» مُضلِّلة نظراً إلى حقيقة الأعمال التي تقوم بها وكالة الحسن، التي يعمد العملاء في السجون التابعة لها إلى تعذيب السجناء واغتصابهم وتجويعهم وقتلهم، في شهر نوفمبر الماضي أصدرت فرنسا بدورها مذكرة توقيف ضد الحسن.
كانت المذكرات الدولية في البداية مجرّد موقف سياسي، إذ لم يظن أحد أن محاكمة الحسن ممكنة على أرض الواقع، أقلّه طالما بقي بشار الأسد حاكم سورية الدكتاتوري، لكن تبيّن الآن أن رئيس المخابرات سافر إلى الخارج مرتين على الأقل منذ عام 2018، وبعبارة أخرى، كانت الفرصة مؤاتية لاعتقاله، لكن حكومات متلاحقة أوقفت محاولات احتجازه بكل بساطة.
لطالما دعا اللواء جميل الحسن إلى «التخلص» من عدد إضافي من المتظاهرين خلال الاجتماعات المغلقة، وعبّر علناً عن ضرورة قتل جميع خصوم النظام الدكتاتوري منذ البداية، كما فعل عند سحق الثورة في حماة عام 1982، ذلك اللواء نفسه يعاني ضعفاً في القلب!
سريع الانفعال
في السنوات الأخيرة، أصيب الحسن (66 عاماً) بثلاث نوبات قلبية، وتعرّض لأسوأ واحدة منها غداة إقدام الجيش السوري على إسقاط طائرة حربية روسية في شهر سبتمبر الماضي، وقد كانت تلك الحادثة كفيلة بإغضاب الحسن المعروف بسرعة انفعاله.
لم تكن فرص تعافيه واضحة لفترة، لكن وفق مصدر مطّلع، عاد ولعب دور الوسيط في بداية هذه السنة، عبر الهاتف على الأقل، حين بدأت مجموعتان من الميليشيات السورية (واحدة تحت القيادة الإيرانية، والأخرى بقيادة الروس) تتبادلان إطلاق النار في ضواحي محافظة إدلب، شمالي سورية، لكنه أصيب بنوبة قلبية أخرى في شهر يونيو، وفي أواخر ذلك الشهر، نُقِل الحسن بطريقة غير رسمية وباسم مستعار إلى بيروت، حيث دخل إلى مستشفى الجامعة الأميركية الذي يُعتبر الأفضل في المنطقة.
أكد أحد الأطباء هناك لصحيفة «شبيغل» على دخول مسؤول سوري بارز إلى المستشفى في تلك الفترة، يقول الطبيب إنه دخل عبر مدخل جانبي من دون أن تلتقطه كاميرات المراقبة، ثم سيق إلى قسم أمراض القلب في الطابق الخامس حيث خضع لحراسة مشددة، واعتبر الطبيب حالته سيئة.
أثناء محاولة زيارة اللواء في الطابق الخامس، في بداية شهر يونيو، كانت جميع مقاعد الزوار فارغة، باستثناء رجال مفتولي العضلات ببذلات ضيقة، فأوضحوا سريعاً أن أي زوار مجهولين غير مُرحّب بهم.
يقول الطبيب من مستشفى الجامعة الأميركية: «يدين كبار المسؤولين في نظام الأسد الولايات المتحدة طوال الوقت، لكن حين يتعرضون لمشاكل قلبية خطيرة، يأتون جميعاً إلى هنا، هكذا هو الوضع منذ سنوات». بحسب قوله، تلقى نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع العلاج في مستشفى الجامعة الأميركية أيضاً، وحتى زعيم حزب البعث الحاكم ورؤساء الأجهزة الأمنية السورية.
رد غير مُستعجَل!
ليس غريباً إذن أن يذهب الحسن إلى بيروت، حتى أن هذه الزيارة ليست الأولى، ففي شهر فبراير، حصل مسؤولون ألمان على معلومة مفادها أن الحسن تلقى العلاج في قسم أمراض القلب في مستشفى الجامعة الأميركية.
قدّم المدعي العام الاتحادي الألماني بيتر فرانك طلباً بتسليمه إلى الحكومة اللبنانية حينئذ، لكن بدا وكأن بيروت لم تعتبر الموضوع عاجلاً للرد سريعاً. في شهر مارس، أجرت الحكومة تحقيقاً بالتعاون مع المديرية العامة لأمن الدولة، ثم أعلنت باقتضاب أن أحداً باسم جميل الحسن لم يدخل إلى لبنان منذ بداية عام 2018، نُقِل الجواب من وزارة العدل اللبنانية إلى وزارة الخارجية التي نقلته أخيراً إلى الألمان في شهر أبريل.
فيما يخص زيارة الحسن الأخيرة، تلقى الألمان والفرنسيون، وحتى الأميركيون على الأرجح، معلومات عن تهريب المريض سراً من سورية، لكن لم يحصل شيء هذه المرة. وفق مصادر مطّلعة في ألمانيا، لن يجازف أي طرف في لبنان بتحمّل مسؤولية اعتقال جميل الحسن، إذ لا تريد أي كتلة حاكمة في الحكومة اللبنانية إثارة غضب نظام الأسد.
يرفض الجميع في وزارة الداخلية اللبنانية تقديم أي معلومات عن هذه القضية لأنها «مسألة حساسة جداً» كما يُقال، وقد صدر التعليق الرسمي الوحيد بعد أيام من التحقيق الأولي من جانب متحدث رفض الإفصاح عن اسمه، فقال: «لا تعليق»!
يقول الطبيب في مستشفى الجامعة الأميركية إن المريض السوري خرج من المستشفى وسط حراسة مشددة في 21 يوليو تقريباً، لكن لا يعرف أحد بعد وجهته أو حقيقة وضعه. سبق ونُقِل منصب الحسن كرئيس للمخابرات الجوية إلى نائبه في بداية شهر يوليو، كجزءٍ من تغيير واسع في القيادة العسكرية والأمنية.
بعبارة أخرى، نجح جميل الحسن في الهرب… مجدداً!
Assad Henchman Treated Abroad Despite Arrest Warrant