في مسألة التطبيع أو عدم التطبيع الكويتي مع دولة إسرائيل، كثُر الحديث. وبعد الخطوة الإماراتية للتمهيد للتطبيع، والتي قد تقلب الموقف الخليجي رأسا على عقب وتجعل المسألة مجرد فترة زمنية، تم التأكيد الرسمي على أن الكويت لن تطبع، أو بعبارة أخرى كثُر استخدامها رسميا وشعبيا أن « الكويت ستكون آخر المطبعين »! لكن لا نعلم هل ستكون آخر المطبعين العرب أم الخليجيين، خاصة وأن نصف دول الخليج لديها علاقات بصورة أو بأخرى مع إسرائيل، وهناك أنباء غير رسمية عن أن البحرين سائرة في هذا الطريق، وأن السعودية بانتظار خطوة سلام جريئة من طرف إسرائيل، وبعدها سيأتي الدور على الكويت.
جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد قبل أيام أنه لا توجد ضغوطات أمريكية على الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي لإقامة علاقات مع اسرائيل. لكنه أوضح أن موقف الكويت المساند للفلسطينيين “غير بنّاء”، موضحا أن بلاده لا تريد للشرق الأوسط ان يكون متجمدا في صراع الماضي “وندفع الى مزيد من التقدم فيه”.
وردّت الكويت على تصريحات كوشنر، من خلال مصادر حكومية عبر صحيفة “القبس”، بالقول بأنها ملتزمة موقفها من التطبيع مع إسرائيل، ولم يتغيّر، موضحة أن هذا الموقف ينطلق من “مصالحها الوطنية” الثابتة منذ سنين، وبما يحقّق مصالح الشعب الفلسطيني. وأضافت أن موقف الكويت منذ البداية كان، وما زال، داعماً للقضية الفلسطينية على كل الأصعدة والمستويات.
إذا كانت مواقف الكويت من القضية الفلسطينية تنطلق من مصالحها الوطنية، فذلك يعني أن هذه المصالح قد تسير مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو مع عدم التطبيع، سواء في راهنا أو في المستقبل.
وفي السياسة لا توجد مواقف وطنية ثابتة غير متغيرة. وإنما لا بد للمواقف أن تكون مرنة ومرتبطة بالمصالح، وأن تنطلق قدر الإمكان من أسس أخلاقية.
بمعنى أنه لو انطلق عدم التطبيع من أسس أخلاقية بغية تحقيق أهداف شعوب تعرضت للقتل والسجن والتهجير وفقدان أراض وفق آليات معينة، فإن التطبيع قد ينطلق أيضا من أسس أخلاقية بغية تحقيق هدف العيش بحرية وتحقيق قدر معين من الكرامة. وهذا ما نشاهده في سياسات الكثير من الدول المطبّعة مع إسرائيل وفي مواقف الكثير من الحركات والتنظيمات والشخصيات التي لها علاقة مع المجتمع الإسرائيلي.
لا التطبيع ولا عدم التطبيع يمكن لأحدهما أن يشكّل موقفا “نهائيا” و”ثابتا” في سبيل تحقيق أهداف الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم. بل يخضع الموقفان لظروف الواقع، ولقدرة الشعوب الحرة على رفض أو قبول أي حل من الحلول يساهم في معالجة مشاكل الفلسطينيين.
فاللاتطبيع هو محاولة أو مسعى أو آلية سياسية لاستعادة الحقوق، كذلك التطبيع هو محاولة أو مسعى أو آلية سياسية لتنفيذ نفس الهدف. فإذا لم تحقق آلية من الآليتين أهدافها وفشلت في فرض حلولها وبات الواقع يعارض وجودها وأصبحت المصالح تفرض تغييرها، فلا مناص إلا قبول ذلك. فالهدف ليس التطبيع أو اللاتطبيع بل هما آليتان للوصول إلى الهدف، والمتمثّل في تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وفقا للحقوق التي يرتضيها هو.
لذلك، فإن موقف الكويت من القضية الفلسطينية، لا يجب أن ينطلق من اعتبار التطبيع أو اللاتطبيع هو موقف ثابت غير قابل للتغيير أو صورة من صور الخيانة واللاأخلاق، وإنما – وكأي دولة – يجب أن ينبني على مرونة تحرّكها المصالح.
نعم، هناك قضية ومآسي وحقوق فلسطينية، ويجب العمل على دعمها. لكن ذلك لا يعني أن هناك آلية واحدة ثابتة تحقق ذلك، ولا يعني أن التخلي عن آلية وانتخاب ثانية هو بمعنى أن أصحاب الآلية الثانية باتوا يعادون الفلسطينيين ويتجاهلون مآسيهم وحقوقهم.
أما تصريحات المصادر الحكومية الكويتية التي جاءت عبر “القبس” ردا على كوشنر، فإنها تعكس “المرونة” التي أشرنا إليها، وعلاقة ذلك بالتطبيع أو بعدم التطبيع، وكيف أن المصالح الوطنية الكويتية هي التي يجب أن تقرر اختيار أحد الاثنين، وهذا ما قالته الإمارات والسودان بأن مصالحهما الوطنية هي من تحدد اختيار التطبيع أو عدم التطبيع مع إسرائيل. لذا، قد تكون مصالح الكويت الوطنية اليوم ضد التطبيع، لكن ذلك لا يمنع أن تتوافق المصالح الوطنية مع التطبيع في المستقبل.
وهذا النهج يعكس الأساس المنطقي للجهود السياسية الساعية إلى تحقيق المصالح الوطنية الكويتية بما لا يتعارض مع مسعى الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني. غير أن بعض السياسيين الكويتيين فضلوا أن يطرحوا رأيهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن اللاتطبيع بصورة “انفعالية” بعيدة عن أي منطق سياسي، فوصفوا تصريحات كوشنر بأنها تمثّل “معيار” الخطأ بالنسبة لموقف الكويت تجاه القضية الفلسطينية وتجاه التطبيع، وكأنهم يقولون بأن كل ما يردّده كوشنر وينطق به هو خاطئ ويجب العمل عكس ذلك. بينما في آليات العمل السياسي المنطقي، لابد أن نعي كيفية تحقيق مصالحنا، لذا قد تكون تصريحات كوشنر متطابقة مع هذه المصالح اليوم أو في المستقبل، وقد لا تكون متطابقة.
- كاتب كويتي