صدر رسمياً المرسوم الرقم 6940 والذي يحدد دقائق تطبيق القانون الرقم 28 الصادر في تاريخ 10/2/2017 (الحق في الوصول الى المعلومات).الّا أنّ ما صدر في المرسوم يثبت تخوفاتنا السابقة من خطورة قانون الحق في الوصول الى المعلومات، والذي يوهِم المواطن انّ السلطة تعمل وتنفذ الشفافية من خلال هذا القانون، في حين أنها عمدت الى اغتيال الشفافية عبر هذا القانون تحديداً. فالشفافية إمّا تكون مطلقة بلا قيود أو لا تكون.
أقرّ أنني كنت من الداعمين والمتحمّسين لقانون الحق في الوصول الى المعلومات، غير أنني اصطدمت بواقع أن القانون لا يصلح لتعزيز روحية الشفافية بل هو يعطي وهم بالشفافية، والأفضل ألاّ يكون هناك قانون من أن يكون هناك قانون مشوّه، ووصلت الى قناعة أن مفهوم طلب المعلومة هو خاطىء في العمق ، فيجب ألاّ يضطر المواطن الى طلب أي شيء، لأن هذه المعلومات والبيانات هي حقه المقدس وهو المعني بها، لأن المسؤولين في هذه الحالة هم مؤتمنون عليها أمامه ولا يملكون حق حجب أي معلومة تتعلق بالعمل الذي يؤدونه.
هذا القانون يُدخل المواطن في متاهة إدارية عبر التقدّم بطلب رسمي للحصول على معلومة وتخصيص موظف للردّ على الطلبات، وكلنا نعرف تجربة المعاملات الرسمية، فالمواطن يعاني حين يتقدم بمعاملة أساسية تخصّ حياته، فمن سيقوم بمغامرة التقدّم بمعاملة رسمية للبحث عن معلومات هي بالأساس حق له، أي بمعنى آخر عندما تريد ألاّ تمنح شيئاً، قم بتعقيد المعاملات.
بعد إقرار المرسوم التنفيذي ، نكتشف أن السلطة تصرّ على أن تتصرف من خلال ذهنية أنّها تملك ترف المعلومة وإخفائها، وأنّ مجرّد كشفها يحتاج الى طلب، وكأن الحكومة تمُّن على المواطن بإعطائه المعلومة، وهذا ينافي أصول الشفافية وروحيتها.
والأخطر هي القناعة الثابتة بأن طالب المعلومة يجب أن تكون له مصلحة أو صفة ليتقدّم إلى الإدارات العامّة بطلبات للوصول إلى المعلومات (تمّ رفض العديد من الطلبات التي تقدمت بسبب انتفاء الصفة والمصلحة للجهة المتقدمة)، هذه مهزلة بحد ذاتها، كيف أن السلطة لا ترى مصلحة أو صفة لكل مواطن يدفع ضرائب بأن يطلّع على كل قرش يُصرف من المال العام.
كيف لا يزال المسؤولون يُصرّون على تأكيد الصفة وحجب المعلومات عن المواطنين الذين نُهبت أموالهم وودائعهم وتقاعدهم في ظلام عدم الشفافية، وانهار الإقتصاد، فيما المسؤولون يتقاذفون المسؤوليات ويتهمون بعضهم البعض، والمواطن اللبناني لا يعرف من قام بالنهب وما هي المبالغ المنهوبة.
كل لبناني اليوم، مقيم أو مغترب، هو صاحب مصلحة أو صفة للإطلاع على كل قرش يُصرف ويدخل الى الدولة.
هذا القانون ومرسومه التطبيقي مرفوض جملة وتفصيلاً، وتعيين موظف للردّ على طلبات مواطنين هو مهزلة في عصر التكنولوجيا الرقمية، وسيغتال الشفافية ولن يعزّزها .
المطلوب اليوم الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة عبر المنصات الرقمية، وأن تكون كل أعمال السلطة موجودة تلقائياً على الإنترنت والمواقع الإلكترونية التابعة للإدارات، ليتمكن أي مواطن يرغب بالإطلاع عليها.
المطلوب إقرار وتنفيذ «قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، غير ذلك هو اعتراف واضح من السلطة بكل مكوناتها بأنها ترفض الشفافية وتصرّ على استمرار النهج القديم الذي أدى الى إغراق و»تفليس» لبنان.