لم يسمح زمن كورونا بتهدئة الأمور بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأن تفاقم التوتر منذ عملية اغتيال قاسم سليماني، طليعة هذا العام، أعقبه فشل طهران في مسعاها لدفع واشنطن إلى تعليق العقوبات الأميركية أو إلغائها من أجل مكافحة جائحة ” كوفيد – 19″.
لكن على الرغم من تحوّل إيران أواسط شباط/فبراير الماضي إلى ثاني بؤرة لتفشي فيروس كورونا، رفض المسؤولون الإيرانيون المساعدة الأميركية لا بل إنهم اعتبروها “شيطانية” تحت ذريعة أن أميركا هي وراء نشر الوباء. بيد أنهم عادوا وطلبوا مساعدة صندوق النقد الدولي، الواقع تحت النفوذ الأميركي، وذلك للمرة الأولى منذ العام 1962 لتغطية كلفة مكافحة الوباء، إلا أن التدهور أصبح سيد الموقف مع استمرار التوتر في العراق بين الجانبين، وقيام إيران بتجربة إطلاق قمر صناعي نحو الفضاء في نيسان/إبريل الماضي والحملة الدبلوماسية الأميركية من أجل التجديد لحظر تصدير السلاح إلى إيران في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
قبل تطورات العام 2020 وعلى الرغم من تداعيات الانسحاب الأميركي من اتفاق العام 2015 وآثار استراتيجية أقصى العقوبات والمشاكسات في مياه الخليج والهجمات الإيرانية أو المدعومة من إيران، برز رهان السعي إلى صفقة أو ترتيب بين الطرفين وذلك نظراً إلى عدم رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باللجوء إلى خيار الحرب عشية الانتخابات الرئاسية وبعد الردّ الإيراني “المسرحي” إثر اغتيال قاسم سليماني. وفي هذا الصدد، ترددت تكهنات أو شائعات عن ” لقاءات غير رسمية تجري بين أميركيين وإيرانيين تحضيراً ربما إلى عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران”، وقيل إن سلطنة عمان تلعب دور الوسيط وأن اللوبي الأميركي الموالي لإيران يحرك الخيوط من وراء الستار، لكن تبين من التدقيق أن لا حوار سرياً بين الجانبين ويندرج الأمر في خانة تمنيات البعض. وكانت خيبة الأمل للعاملين على خط واشنطن – طهران الذين حاولوا دفع فريق روحاني – طريف في هذا الاتجاه بناء على اضطرار طهران التمهيد إلى عودة التفاوض بسبب أوضاعها الصعبة، والعقوبات القوية ضدها. لكن المرشد علي خامنئي حسم الأمر وقرر أن “إيران لن تفاوض واشنطن قبل انتهاء ولاية ترامب وهي بالطبع تفضل التفاوض مع جو بايدن الديمقراطي”.
لكن في حال بقي الوضع يراوح مكانه وفي حال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية ستجد طهران نفسها مضطرة إلى التفاوض معه ومن يروج لذلك يقول إن واشنطن لا بدّ وأن تعترف بأن ” إيران قوة إقليمية كبيرة لها دور في المنطقة مستقبلاً بالتعاون مع أميركا” وبرأيهم يشكل ذلك “السيناريو الوحيد لإبعاد إيران عن الصين وروسيا، وحرمان الدول الأوروبية من دور وسيط واقتصادي مع طهران”، وفي المقابل، تُمكنُ هكذا صفقة برأي هؤلاء حماية أمن إسرائيل التي تخشى قبل كل شيء محيطها العربي.
إلا أن الشهور التي تفصلنا عن تشرين الثاني/نوفمبر المقبل يمكن أن تحمل بين طياتها الكثير من المفاجآت ما يغلب احتمالات المواجهة المباشرة أو بالوكالة في مسرح المشروع الإمبراطوري الإيراني في الإقليم: استمرار طهران في استخدام الورقة الحوثية في اليمن، والتجاذب الكبير في العراق، والاستهداف الإسرائيلي المتواصل للوجود الإيراني في سورية (بتفهم روسي)، والانغماس في الوضع اللبناني تبعاً لنفوذ حزب الله. وفي موازاة استمرار واشنطن في تصعيد عقوباتها ونشر بحريتها في مواجهة الحرس الثوري الإيراني حول مضيق هرمز وخليج عمان وبحر العرب، قامت طهران بتجربتها الفضائية لتحسين قدرات صواريخها الباليستية وتلوح بمفاجأة في أيلول/سبتمبر – تشرين الأول/أكتوبر تتمثل إما باختبار نووي أو بتنصل كامل من الاتفاق النووي وهذا سيحرج ترامب ويقيده على أبواب الانتخابات الرئاسية ويشوش على جهود مايك بومبيو لاستصدار قرار يمدد حظر تصدير الأسلحة إلى إيران في مجلس الأمن الدولي.
ولكل هذه الأسباب، يمكن لأي خطأ مقصود أو غير مقصود (مثل العمليات في سورية والعراق أو في مياه الخليج) أن يؤدي إلى مواجهة. ومن العناصر الأخرى التي يمكن أن تحبذ ذلك استمرار التدهور الاجتماعي – الاقتصادي في إيران والمرشح للتصاعد في زمن بعد كورونا ما سيدفع بالمتشددين لمغامرات خارجية غير محسوبة. وينطبق الأمر بصورة أو بأخرى على ترامب الذي يعمل على إعادة انتخابه، ولن يكون متساهلاً حيال أي استفزاز أو يمكن أن يندفع إلى صدامات خارجية من أجل صرف الانتباه عن فشل داخلي أو لتسجيل نقاط في مرمى خصومه، ومما لا شك فيه أن إيران توجد في قلب التنازع الأميركي – الروسي – الصيني لدوافع استراتيجية واقتصادية، وسيزيد تفاقم السجال الأميركي – الصيني من المخاطر في غرب آسيا وليس فقط حول بحر الصين وشبه الجزيرة الكورية. ومن آخر الأدلة على غلبة التوتر قيام ترامب ليل السادس من أيار/مايو الحالي بممارسة حق الفيتو على قرار للكونغرس يطالبه بكبح أي عمل عسكري ضد إيران.
khattarwahid@yahoo.fr