في مقاربة شاملة لمواقف جعجع، يقول الكاتب الصحافي ايلي الحاج لـ القبس: لا أحد يعرف ميشال عون بقدر سمير جعجع. رغم ذلك دعم ترشيحه للرئاسة، متخطياً تجربة سابقة سيئة معه، قطعاً للطريق على المرشح الآخر سليمان فرنجية الذي دعمه في ٢٠١٦ حليفا جعجع السابقان، سعد الحريري ووليد جنبلاط.
ويبدي الحاج اعتقاده ان رئيس حزب «القوات» اعتقد أن فرنجية سوف يُنتخب رئيساً، خصوصاً بعدما اتصل به الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند. وتبيّن لاحقاً أن فرنجية لا يجرؤ حتى على الحضور إلى جلسة في البرلمان للتصويت لنفسه من دون موافقة حسن نصرالله، الذي كان أخبر اللبنانيين مراراً أن على نوابهم التوجّه إلى المجلس النيابي وانتخاب ميشال عون، لا أحد غيره، إذا كانوا يريدون رئيساً.
دام الفراغ الرئاسي نحواً من سنتين ونصف السنة. وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي ضيّق الخيارات عندما عقد اجتماعاً لقادة الأحزاب الأكبر لدى المسيحيين، عون وجعجع وأمين الجميّل وفرنجية، ودعاهم إلى الاتفاق على أن يكون أحدهم رئيساً. فصارت الترشيحات محصورة بهم. وبعد عشرات من الجلسات لم يكتمل فيها نصاب الثلثين للانتخاب، أيقن الجميع أن حظ جعجع معدوم وكذلك الجميّل. وأن اكتمال النصاب يقتضي انتخاب مرشح الحزب، أو من يرضى عنه الحزب.
ووفق الحاج، فإن الرئيس سعد الحريري، وبسبب أوضاعه غير المريحة، سواء في السعودية أو لبنان، كان مستعجلاً العودة إلى رئاسة الحكومة وإنهاء الفراغ، وعلى هذا الأساس عقد «تسوية» مع فرنجية. لكن جعجع سارع في المقابل إلى عقد «تسوية» مع عون، ضمّنها اتفاقاً سرّياً، وقّعه وجبران باسيل على تقاسم بينهما للمناصب والمواقع التي هي من حصة المسيحيين في الدولة، ولم يُعلن هذا الاتفاق إلا بعدما دبّ الخلاف بين «القوات» و«التيار العوني».
الرئيس الأقوى في طائفته
وقال الحاج إن إعلام حزب «القوات» راح ينشر فوائد نظرية «الرئيس الأقوى في طائفته» على قاعدة أن الأقوى عند المسيحيين بعد عون هو جعجع. وبالتالي سيكون خليفته في قصر بعبدا، ولم يخطر ببال جعجع وأنصاره، أن لعون تفسيره الذي سيقول إن الأقوى بين المسيحيين من بعده هو جبران باسيل، مشيراً إلى ان «التسوية» التي انضم إليها الحريري وجنبلاط لاحقا قامت على اعتبار سلاح «حزب الله» موضوعاً دولياً وإقليمياً يقتضي عدم التطرّق إليه بين اللبنانيين الذين لا يملكون له حلاً، وعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وأن يكون رئيس الجمهورية فوق الجميع، ولا يبقى مصطفاً في خط «حزب الله».
ووصف جعجع عون بأنه «تايواني»، أي تقليد في حديث له عن انتماء مرشحه إلى «قوى ٨ آذار»، في حين وصف فرنجية بأنه «أصلي» في انتمائه إلى التحالف الذي يقوده «حزب الله».
هادن الثلاثة، الحريري وجعجع، وجنبلاط، «حزب الله»، لكنهم اختلفوا على الموقف من باسيل وطموحاته الحالية والمستقبلية. إلى أن التقوا في هذه المرحلة على خصومة سياسية معه. وعلى هذا الأساس عقد جعجع مصالحة مع فرنجية.
ويرى الحاج ان جعجع قد يكون على حق في تصريحه لـ “القبس” بـ «ربما أخطأنا في انتخاب عون رئيساً»، لكن الأكيد أنه أخطأ كثيراً بتوقعه أن يصدق معه عون ـــــ وأن يلتزم باسيل توقيعه ـــــ وهو من يعرف عون جيداً وأنه وصهره الوزير السابق شخص واحد.
وأيضاً أخطأ جعجع بالتأكيد وكثيراً بعدم احتفاظه بحليف أو صديق له بعدما خوّن مباشرة وعبر إعلام حزبه من لم يوافقوه على خياره تأييد عون والتحالف معه. والأسوأ سؤاله عن أوزانهم وأحجامهم ومن يكونون. ولعلّه استند في ذلك إلى دراسة قالت إن شعبية عون و«القوات» توازي ٨٦ في المئة. لم يخطر ببال الرجل أن عون وباسيل سيحسبان هذه المعادلة على أنها ٨٠ في المئة «تيار» و٦ في المئة فقط «قوات».
ويختم الحاج انه يتوجب الانتظار لمعرفة ما الذي تغيّر خلال أقل من شهر على طاولة حسابات «الحكيم» ـــــ كما يسميه أنصاره ـــــ.
ففي 27 أبريل الماضي قال من شاشة «العربية» إنّه «غير نادم ولا لحظة على ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة» وبعد «ربما»، لا بد أن الحريري وجعجع وجنبلاط يسألون أنفسهم، وقد بلغ لبنان كدولة حافة الإفلاس: «والآن ما العمل؟».