ترجمة “الشفاف”
بينما تتحدث مصادر رسمية في العديد من البلدان، بما في ذلك اليابان وسويسرا والعراق وعمان، عن توسطها لتشجيع الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة على التفاوض، يرفض الموقف الرسمي للملالي الحاكمين في إيران أي حوار مع “الشيطان الأكبر”. حتى الكلمات الدافئة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال رحلته إلى طوكيو لم تستطع أن تحول رفض طهران إلى “ربما” دائمة.
ومع ذلك، إذا تجاوزنا الموقف الكلاسيكي للطرفين، فمن الممكن أن نقول إن فرصة التفاوض اليوم باتت أكثر من أمس.
والحقيقة أن الجمهورية الإسلامية قالت منذ اليوم الأول لتأسيسها إنها لن تتفاوض أبدًا مع “الشيطان الأكبر”، لكن من الناحية العملية، لها تاريخ يصل إلى 40 عامًا من المحادثات وراء الكواليس وأحيانا أمام الستار.
تضمن العرض الأول للمشهد الذي يبلغ من العمر 40 عامًا، اجتماعًا بين مهدي بازارغان، أول رئيس وزراء في حكومة الملالي، وزبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر. كان من المقرر عقد اجتماع للحكومة الثورية الجديدة في طهران للتباحث مع المسؤولين الأمريكيين حول مغادرة أكثر من 25000 أمريكي من إيران. وبدلاً من ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بمواصلة إيصال الأسلحة إلى إيران. أعرب بريجنسكي، الذي حدد هدفه الرئيسي في سقوط الاتحاد السوفييتي، عن أمله في أن يظهر حكم الملالي في إيران كحلقة رئيسية لـ”حزام أخضر إسلامي” ضد “الدب الأحمر”.
بعد ذلك بوقت قصير، منع احتلال السفارة الأمريكية في طهران من قبل ما يسمى “طلاب خط الإمام الخميني”، تحقيق تطلعات بازرغان وبريجنسكي. وبدأ بدلاً من ذلك عهد جديد من التوتر بين حكم الملالي و”الشيطان الأكبر” والذي لا يزال مستمراً صعودًا وهبوطًا حتى اليوم.
وعلى الرغم من أن أزمة الهجوم على السفارة وخطف الرهائن أدت إلى انهيار تام للعلاقات الدبلوماسية، لم تتوقف الاتصالات السرية والمحادثات وراء الكواليس أبدًا. وكلف كارتر مسؤول البيت الأبيض هاملتون جوردان بالذهاب إلى باريس لتغيير مظهره باستخدام شعر مستعار وشارب مصطنع وعصى، والتفاوض مع مندوبين عن آية الله الخميني، الزعيم وعراب الثورة الإسلامية. وبعد عدة أشهر من المحادثات المباشرة وغير المباشرة أدت في النهاية إلى موافقة القادة الإسلاميين على إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين. وفي مقابل ذلك، وعدت الولايات المتحدة بتحرير أصول إيران الموقوفة.
هذا الإتفاق هو أول مثال لطريقة التفاوض التي تحدث عنها آية الله علي خامنئي، الزعيم الحالي للجمهورية الإسلامية، في تصريحاته الأسبوع الماضي. بالطبع، لم يتم إطلاق سراح الرهائن إلا بعد هزيمة كارتر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن واشنطن لم تقم بإعادة ممتلكات إيران، لأن الآلية التي تم تشكيلها لذلك لم تؤد عملها.
استمرت المفاوضات السرية بين نظام الخميني و”الشيطان الأكبر” خلال رئاسة رونالد ريغان. وهذه المرة، دفعت الجمهورية الإسلامية نقدا، وفي المقابل لم تستلم شيئا. توقف الهجوم الإيراني على السفن الكويتية، وقبِل الخميني أن يتجرع “كأس السم” وأنهى الحرب التي استمرت ثمانية أعوام مع العراق. وأظهرت فضيحة “إيران غيت” أن الفصائل السياسية المتنافسة في الجمهورية الإسلامية، والتي عرفت فيما بعد باسم “الأصوليين” و”الإصلاحيين”، كانت على استعداد لترقص الرقصة الدبلوماسية بموسيقى أمريكية.
لقد كان النزاع وأخذ الرهائن والعقوبات الاقتصادية و”الضغوط الشديدة”، عوامل رسمت شكل العلاقة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة على مدى الأربعين سنة الماضية في ظل محادثات مباشرة وسرية.
لذلك، هل يمكن القول أننا سنرى هذه المرة عرضا جديدا للمسرحية القديمة؟
لسببين، يمكن أن تكون الإجابة إيجابية.
السبب الأول هو أن الجمهورية الإسلامية تتعرض لضغوط هي الأشد حتى الآن. في الداخل، يواجه القادة الإسلاميون تحديات سياسية واجتماعية أوسع نطاقًا، في حين أن قاعدتهم الشعبية تصغر في كل يوم. وخارج الجمهورية الإسلامية، لا يوجد صديق حقيقي لها، بل بالعكس، فهي أزعجت جميع جيرانها تقريبًا.
السبب الثاني هو أن الرئيس ترامب مهتم بشدة، وبأي شكل من الأشكال، بترویض الجمهورية الإسلامية وبإطالة طريق “الانتصارات الدبلوماسية”.
مع ذلك، هناك سببان آخران يشكّكان في ما إذا كان سيتم إعادة عرض المسرحية البالغ عمرها 40 عامًا.
السبب الأول هو أن ترامب لا يهتم بالمفاوضات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة. إنه يريد أن ينتصر أمام كاميرات التليفزيون، ومن خلال وضع نفسه في وسط المشهد، ما كان يعتبره باراك أوباما محالا.
بعبارة أخرى، يرفض ترامب السماح للملالي الحاكمين في طهران أن يستسلموا بهدوء وأن يظهروا أمام الملأ بأنهم منتصرون.
السبب الثاني، والذي يقلل من فرص التفاوض وراء الستار التقليدي، هو الوضع الذي لا يطاق للجهاز الحاكم في طهران. أعتقد أن آلية صنع القرار في طهران لم تعد تعمل. وبالتالي، فإن حجة الإسلام حسن روحاني، الرجل الذي يلعب دور الرئيس، يتحدث عن إجراء “استفتاء” كطريقة للخروج من الطريق المسدود، بينما يصر خامنئي على أنه لن تكون هناك حرب ولا مفاوضات.
تعتقد واشنطن في الوقت الراهن بأن ما يمكن أن تقدمه طهران لم يعد كافيا. بينما ترفض طهران أي عرض أمريكي.
نقلا عن “اندبندنت فارسي”