أصدر رئيس الادعاء العام في ألمانيا، مذكرة اعتقال دولية ضد رئيس المخابرات الجوية السورية، الذي يعد أحد أهم مستشاري الأسد ويعتقد أنه مسؤول عن تعذيب ومقتل معتقلين. وهذا أول تحرك على مستوى العالم لمحاسبة النظام السوري.
الفرحة لا تزال تغمر المحامي السوري أنور البني (الصورة أعلاه) المتأثر جدا بهذا النجاح الذي له نصيب فيه، ويقول “منذ سبع سنوات يأمل الضحايا في أن يهتم أحد بقضيتهم، ولم يفعل أحد ذلك، والآن يتجدد أملهم. لا تستطيع تخيل عظمة هذا الخبر بالنسبة للضحايا ولجميع السوريين”. الضحايا ـ هم آلاف السوريين الذين كانوا في سجون التعذيب التابعة للأسد. الذين فقدوا أزواجهم وآباءهم وأصدقاءهم بسبب شبيحة الأسد.
وأحد كبار الشبيحة هو اللواء جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية السورية، وأحد المستشارين المقربين من الأسد. منذ سنوات اسمه مدرج على قائمة العقوبات الصادرة من الاتحاد الأوروبي ووزارة التجارة الأمريكية. ورئيس المخابرات القوي يبدو أنه مسؤول عن تعرض مئات الناس منذ عام 2011 للتعذيب في السجون السورية، بعضهم قتل في تلك السجون تحت التعذيب.
وإن إصدار المدعي العام الألماني مذكرة بحث دولية ضده، يدل على أن العدالة الألمانية لديها أدلة على العنف الممنهج في سوريا، أكثر مما يتوقع نظام الأسد وويروق له. المحامي أنور البني، المقيم حاليا في برلين، سبق له وأن قابل جميل حسن مرتين وحصل فورا على الانطباع بأنه “من الناس الذين يعتقدون أنه فقط بالقوة والسلاح والتدمير يمكن الانتصار”. وبعد تردد قصير يتابع البني في حواره مع DW “لا يمكن لي وصفه بالإنسان، حقا لا”. لفهو يعرف ضحايا حسن. وكمحام سوري مرموق دافع البني عن ضحايا النظام السوري وشجب التعذيب ودافع عن حقوق الإنسان، وبسبب ذلك أمضى خمس سنوات في المعتقل.
المجتمع الدولي يظل مكتوف الأيدي
عندما جاء البني إلى المانيا، التقى مجددا الناجين من التعذيب وسجون النظام السوري. وفعل هنا أيضا ما يمكن أن يفعله محام لحقوق الإنسان. جمع إفادات الشهود والأدلة، وتشجيع الضحايا ورعايتهم، حتى يتمكن أحد ما في يوم من الأيام إجراء تحقيقات ناجحة.
البني لم يعول على محكمة الجنايات الدولية، لأن سوريا لم توقع على نظام روما الأساسي للمحكمة، وبالتالي فإن هذه المحكمة غير مختصة لمحاكمة مسؤولين سوريين. والأمل الآخر قد يكون مجلس الأمن الدولي الذي كان في إمكانه إطلاع المحكمة على فظائع النظام السوري، لو لم يكن هناك حق الفيتو الروسي.
وهو ما اشتكت منه المدعية العامة السابقة لمحكمة الجنايات الدولية، كارلا ديل بونتي هذا الأسبوع في حديث مع إذاعة ألمانيا، وقالت “لم يفعلوا شيئا البتة. لدينا حتى تقارير لجنة خاصة كانت في الحقيقة مذكرة اتهام. الإيزيديون، لقد كان ذلك إبادة جماعية. ولدينا ما يسمى تقرير سيزار حول التعذيب في السجون. كل هذه الأشياء فعلناها، ولكن لم يحصل شيء. لماذا؟ الإرادة السياسة غير موجودة”.
لذا كان على محامي حقوق الإنسان البحث عن طريق قانوني آخر، وإقامة دعاوى حسب مبادئ القانون العالمي. الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، يمكن ملاحقتها في كل مكان حول العالم، سيان أينما ارتُكبت الجرائم أو من ارتكبها. وفي ألمانيا تم إدراج هذا المبدأ عام 2002 في القانون الجنائي الدولي. ومحامو حقوق الإنسان لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، يستخدمون هذا المبدأ مع أنور البني، إذ أن ألمانيا هي البلد الوحيد الذي يقبل الشكاوى على هذا الأساس.
العدالة الألمانية في المقدمة
المركز الأوروبي يقيم علاقات ويتواصل منذ عشر سنوات على مع محامين وحقوقيين مختصين بالقانون الدولي وضحايا العنف في مختلف دول العالم. وحتى مع ما يُسمى بمجموعة سيزار، وهو اسم مستعار لمصور عسكري سوري سابق هرب أكثر من 50 ألف صورة إلى الخارج. إذ كانت مهمته منذ 2011 تصوير الجثث داخل السجون السورية. هذه الصور الفظيعة هي الآن أدلة هامة على التعذيب المنهجي في سجون الأسد.
وحتى المحامي باتريك كروكر الذي شارك في إعداد الدعاوى الجنائية المرتبطة بسوريا، لا يخفي سروه الكبير بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحق اللواء جميل حسن، ويقول “بهذا أوضح المدعي العام أنه تحقق بنفسه من النظام وجمع أدلة كافية ضد نظام التعذيب، ليصدر مذكرة الاعتقال”. ومنذ عام 2011 يحقق رئيس الادعاء العام في خرقات حقوق الانسان في سوريا، وألمانيا تلعب بهذا دورا رياديا. وهذا يعود أيضا للعمل الدؤوب الذي قام به المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان. ففي السنة الماضية أقام أربع دعاوى جنائية، ثلاث منها بالاشتراك مع الناشط الحقوق السوري مازن درويش والامحامي أنور البني، ودعوى مع مجموعة سيزار، لدى المدعي العام.
وعندما كتبت مجلة “دير شبيغل” الألمانية على موقعها الإلكتروني عن مذكرة الاعتقال ضد جميل حسن، فوجئ المحامون لدى المركز الأوروبي. وتساءلوا لماذا تم تسريب مذكرة الاعتقال. ولماذا ذُكر اسم جميل حسن؟ لأنه عادة يقال “شخصية مهمة أو مسؤول كبير”. وباتريك كروكر ليس بوسعه إلا التخمين والاعتقاد بأن “الكثير من الناس التقطوا الآن الإشارة، على أنه لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه إلى ما لا نهاية، بل إن هناك مساع جدية مثل مذكرة الاعتقال هذه”. ويأمل كروكر والبني في أن تحرك هذه الإشارة البلدان الأوروبية الأخرى أيضا. ولذلك يطالب البني بإجراء تحقيقات في جميع البلدان الأوروبية، ويقول “من المهم البرهنة على أنه لا يمكن السيطرة على القانون من قبل السياسة. هذا مهم لنا وللعالم”. ويعتقد أن الرسالة وصلت لسوريا أيضا، بأن العالم يهتم بما يجري في أقبية التعذيب السورية.