ترجمة فاخر السلطان
أريد هنا أن أتحدث عن إله الجيل الجديد في إيران. فهو ليس فقط إلها مختلفا عن إله الأجيال السابقة، ولكنه إله غير مفهوم بالنسبة لنا. إن إله الجيل الجديد هو في حقيقة الأمر “ليس كمثله شيء”. إله ليس مثل إله آبائنا وأمهاتنا الذي يجلس على العرش وينشغل في إصدار الأحكام، ولا مثل إله الفقهاء الذي يوعد مؤمنيه بالحور العين ويهدّدهم بالنار، أو يعدّ لهم الثواب والعقاب. إله الجيل الجديد ليس مثل إله الفقراء لفرانسيس بيكون، الذي كلما زاد احتياجهم إليه زادوا من جرعة العبودية نحوه، كما أنه ليس مثل إله نيتشه الميت.
إن إله الجيل الجديد هو في حال تشكُّلٍ وتغيُّرٍ مستمرّين. يتحوّل إلى شكل مختلف في كل لحظة. ليست له ذات ثابتة، بحيث أن المؤمن به لا يفضّل الاستقرار. إن ذهن الجيل الجديد، الذي يقضي كل يوم مع مئات المتغيّرات، الصوتية والصورية، لا يمكن أن يكتفي بفكرة واحدة عن الإله. يبحث، بوعي أو من دون وعي، عن إله لا يهدأ، إله له ذات جديدة. وهذه الفكرة شبيهة بعالَم هذا الجيل، حيث يتجدّد بسرعة قصوى.
من جانب آخر، أليس صحيحا أن الإنسان خلق الله على صورته، وأن كلَّ إنسان يُظهر وجها ووصفا من أوصاف الله؟! إذا كانت الإجابة على السؤال هي نعم، فإن الجيل الجديد من الإيرانيين يمثّل أيضا مظهرا جديدا من أوصاف الله، وأن الناس الذين يستكشفون الحق يرون الله بوضوح في مرآة هذا الجيل.
إذا أصبح الله في شأن جديد في كل يوم “كل يوم هو في شأن”، فإن الجيل الجديد هو مظهر جلي لهذه الصفة الإلهية. لنَحذَر من رؤية هذا الجيل بعيدا عن الله، أو أن نغمض أعيننا عن لاهوته. من ناحية أخرى، فإن عقول وضمائر الجيل الجديد غير راضية عن المعرفة الراكدة والقديمة. إن أبناء وبنات هذا الجيل يبحثون في كل يوم عن معرفة جديدة. يتغيّرون مع تغيّر المعلومات وتجدّدها، فيعبّرون عن واقع جديد ويظهَرون بشخصيات جديدة. نشأوا في هذه الأرض في ظل وجود آلاف القيود، لكنهم مزّقوا حجب القيود بمعرفتهم وفهمهم وذكائهم. إنهم يستفيدون من كل فرصة لفهم جديد، ويخلقون مستقبلا لا يستطيع إلا قلة من الناس فهمه والتنبؤ به.
إن الإشارة إلى هذين الجانبين قد تجعلنا ندرك العلاقة اللاهوتية ذات الاتجاهين بين عقل المؤمن وإلهه. إذ أن الله في مخيال الفلاسفة يختلف عن الله في مخيال الفقهاء، كما أن الله في ذهن أي مؤمن قد يكون فكرة مختلفة عن الله في ذهن مؤمن آخر. هذا الاختلاف قد أراده الله. فكل شيء داخل العالَم هو الذي يتحكم في نَظْم هذا العالم، وقد خلق الإنسان (ذلك) بيديه. لذا، فإن مختلف الأفكار التي، وفقا للفلاسفة والصوفيين، هي صور متنوعة تُسقط على جوهر فكرة الإله المجهول، أو على الإله الذي لا صورة له، هي أيضا لوحة رسمها نفس الرسام في أذهان الناس.
إن تديّن الجيل الجديد، على عكس تديّن جيلنا الذي ينظر إلى كل شيء، بما في ذلك نظرته إلى الدين، بصورة انتقائية وتفسيرية، هو تديّن جديد ويسير وفق رتم سريع. إن فضول الجيل الجديد بات يرفض شكل التفكير القديم، وأصبح يعتبر الأفكار الدينية المعلّبة وكأنها “لا شيء”. فهو يفتح الرزم الدينية ويختار من محتوياتها ما يراه مفيدا لتسهيل حياته، ليس إلى الأبد، ولكن لفترة قصيرة من الوقت بحيث لم يتلق فيه أي معلومات جديدة. بينما كل معلومة جديدة ستحوله إلى شخصية جديدة، وهذا في نظره هو ما يريده الله. إن دين وتديّن هذا الجيل هو دين جديد ومتغيّر.
ربما حين تدخل في نقاش مع أحد شباب هذا الجيل، قد تعتقد بأنه ليس لديك أي قاسم مشترك معه. إنه يتحدث معك باستمرار عن الألعاب الجديدة في عالم الألعاب الواسع، أو يطلعك على التطورات التي حدثت في عالم تكنولوجيا المعلومات. يجلس خلف جدران ألعاب الكمبيوتر الخاصة به ويتحدث إليك أحيانا عن أفلام الرسوم المتحركة والخيال العلمي والأبطال الخارقين وال Marvel. هذه المسائل قد لا يفهمها الجيل السابق كثيرا. لكن في ظل كل هذه المسائل يمكن للمرء أن يفهم سرعة البيانات التي تدخل إلى ذهن الشباب والمعلومات الجديدة التي تحل محل المعلومات السابقة. كل هذا يتسبّب في أن تكون قوة الشباب الإبداعية في جميع جوانب الحياة أكبر عشرات أو ربما مئات المرات من الأجيال السابقة.
وحتى لو كان لدى شباب هذا الجيل اهتمامات دينية، فهي منصبة على الشؤون الحياتية ومرتكزة في قوة المخيال وتبحث في كيفية الإبداع. فبقدر ما الشاب غائص في عالم الخيال، هو غير مهتم في البحث عن حجج للوصول إلى يقين حول فكرة ما. في حياته المراهقة، رأى كيف أعطت التكنولوجيا الواقع لخياله. لذلك، كما يقول لنفسه، يتمنى أن يعيش في هذا العالم الخيالي، ويراه أكثر واقعية من أي واقع آخر. لذا، لا يجب أن نسعى لإلزامه بقبول المعتقدات الدينية ووجود الله من خلال الحجج والبراهين اللاهوتية.
إله هذا الجيل هو إله من هذا النوع. لا يجب أن تقطعوا أيدي وأقدام الجيل الجديد من الشباب الإيراني لكي تضمنوا دخولهم في أطركم الأنثروبولوجية وفي عالمكم المعرفي. فَهْمُ الشاب يتطلّب ساعات من المحاورة. ولفهم أفكاره الدينية أو الروحية أو اللاهوتية، دعونا نساعده في أن يتحدث عن عالمه، وفي أن ينشر أفكاره في عالمنا البارد والممل. لنصدقه ونصدق أفكاره. لنعشق عزمه الجازم وفكره الصائب وقراراته الجريئة. لنكن معه لا أن نهاجمه. فليرسم المجتمع الإيراني بلون جديد وينشر العاطفة والأمل والحب في عروق وجذور هذه الأرض. بالتأكيد، إذا تحدث عن إلهه، الإله الحاضر في أفكاره، فهو إله رجاء وفرح وتغيُّر.
أليس الإله الموجود في كتاب نهج البلاغة للإمام علي (ع) إلهاً لا يشبه أي شيء آخر؟ أليس الإله الذي ذكره الإمام الصادق (ع) عظيم بحيث لا يمكن وصفه؟! كل هذه الأدلة مأخوذة من النصوص اللاهوتية التقليدية. وفكرة الجيل الجديد عن الله، أو التي يمكن أن تتوافق مع عقولهم وضمائرهم، هي فكرة تتوافق أيضا مع مثل هذه الروايات والأحاديث الموجودة في اللاهوت التقليدي. نحتاج إلى القليل من سعة الصدر لفهم الإله المخفي في أذهان الجيل الإيراني الجديد والإيمان به.
*علي مهجور.. كاتب وأكاديمي ايراني