الممثلة الرائعة « سلمى حايك » مكسيكية أمريكية من أصول لبنانية، في مقابلة تليفزيونية سألوها: “هل يزعجك أن تتحدثي الإنكليزية بلكنة مكسيكية؟” فقال ردها الخرافي: “أنا أتحدث الإنجليزية بلكنة مكسيكية، هذا صحيح ولا يزعجني على الإطلاق، ولكنه ربما يزعج بعض من يسمعونني!!”
فإذا كانت لهجتك مختلفة، أو إذا كان لون جلدك بني أو أسود أو أصفر أو أبيض أو حتى “بمبى مسخسخ“، فلا يجب أن يزعجك هذا على الإطلاق، حتى لو أزعج البعض ممن لا يتفق لون جلدهم مع لون جلدك. وإذا أنزعج الآخرون من لون جلدك فدعهم ينزعجون بشرط ألا يتسببوا في أذيتك.
ومؤخرا ظهرت العنصرية الكريهة على لسان بعض المعلقين وعناصر من الميديا الغربية (بنوعيها الميديا العامة أو على مواقع التواصل الاجتماعي)، عندما كانوا يعلقون على منظر وحالة المواطنين الأوكرانيين الذين يحاولون الهرب من ويلات الحرب الدائرة هناك الآن، ويقولون: « هؤلاء مواطنون أوربيون وليسوا أفارقة أو من الشرق الأوسط »، أو « هؤلاء مواطنون مثلنا مثل جيراننا، وليسوا من شمال أفريقيا ».
واليكم أمثلة مما قالوه:
فهذا مراسل متميز لمحطة سي بي إس الأمريكية (شارلي داجاتا) يقول: « هؤلاء أوربيون يشبهوننا، أوكرانيا ليست المكان المفروض أن يحدث فيه هذا، ليست العراق أو أفغانستان، هذا مكان متحضر »!
وتقول مراسلة محطة أن بي سي الأمريكية (كيلي كابييا) تعليقا على المهاجرين الاوكرانيين الذين يعبرون إلى بولندا: « هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، لهذا يقبلونهم في بولندا، أنهم بيض ومسيحيون ويشبهون البولنديين »!!
وقال نائب سابق للمدعي العام الاوكراني في مقابلة مع بي بي سي البريطانية: « إنه شيء مؤلم بالنسبة لي لأن هؤلاء أوربيون « شقر » و »عيون زرقاء » يُقتلون كل يوم »!!
وفي محطة « بي إف أم » التليفزيونية الفرنسية يقول المراسل الصحفي (فيليب كوربيه) : « نحن لا نتكلم عن سوريين يفرون من قنابل النظام السوري المسنود من بوتين، نحن نتحدث عن أوربيين يفرون في سيارات تشبه سياراتنا للحفاظ على حياتهم »، (يعني ليس فقط هم اوربيون يشبهوننا ولكن حتى سياراتهم تشبه سياراتنا »!!
وتقول (لوسي واتسون) مراسلة محطة « آي تـي في » البريطانية من بولندا تصف الاوكرانيين يهربون إلى بولندا: « الآن حدث لهم ما لم يكن في الحسبان، وهذه (أوكرانيا) وليست دولة نامية أو دولة من دول العالم الثالث، هذه أوروبا ».
وحتى مراسل محطة « الجزيرة » الإنجليزية (بيتر دوبي) قال : « إنظر إليهم أنظر إلى ما يلبسونه. هؤلاء مواطنون من الطبقة الوسطى ولا يشبهون اللاجئين الذين يفرون من مناطق في الشرق الأوسط لا زالت تحت الحرب، هؤلاء لا يفرون من مناطق في شمال أفريقيا، ولكنهم يشبهون أي أسرة أوربية تعيش بجوارنا ».
ويقول (دانييل هنان) في جريدة التليغراف الإنجليزية: « إنهم يشبهوننا جدا، وهذا ما يجعل الموضوع صدمة كبيرة، أوكرانيا بلد أوروبي، هؤلاء أناس لديهم حسابات في نتفلكس وإنستجرام!! إنهم يدلون بأصواتهم في انتخابات حرة، ويقرأون جرائد لا رقابة عليها »!! (على فكرة أنا عندي حساب في نتفلكس، وبناء على هذا ممكن أن أعتبر نفسي متحضرا مثل الأوريبين!)
ليس هذا فقط بل أنه من المؤسف أن بعض دول أوروبا المجاورة لأوكرانيا سمحت للاجئين الأوكرانيين بالعبور إلى أراضيها، وفي نفس الوقت منعت الطلبة الأفارقة الذين يدرسون في أوكرانيا من عبور الحدود، على اساس يعني أنهم (مش ولاد ناس ومتعودين على الحروب والقرف)
…
أنا أعرف أن العنصرية موجودة دائما في كل زمان ومكان، وكلنا إما عانينا قليلا أو كثيرا من العنصرية، بل وأكاد أن أجزم أن معظمنا (وأنا أيضا متهم) مارسنا العنصرية بطريقة أو بأخرى ضد الآخر.
فأنا أذكر أنني رفضت أن أصافح أول شاب يهودي قابلته في حياتي في أوروبا عندما كنت في آخر سنوات المراهقة، وهذا تصرف عنصري بلا شك، وعندما بدأت العمل في أمريكا في مجال الإنشاءات لاحظ صديق لي (أمريكي من أصل لبناني) بأني أعامل طبقة العمال بفوقية، وقال لي بالحرف الواحد: “إنت هنا في أمريكا، ولست في مصر” ومع الوقت بدأت في التعرف على اليهود، حتى أن أفضل صديقات ابنتي من اليهود، وبدأت في معاملة العمال نفس معاملتي للمهندسين.
وعملت كمهندس في شركة هندسية لمدة عشر سنوات، من أفضل سنواتي المهنية، وكان معظم موظفي الشركة يعاملونني باحترام كبير، باستثناء مهندس ومهندسة كانوا حتى لا يلقون على التحية العادية في طرقات الشركة، ولم أهتم كثيرا بالموضوع، عملا بنصيحة (سلمى حايك)، فهذا الأمر أزعجهما ولم يزعجني على الإطلاق، وقد تغيرت معاملتهما لي تماما بعد أن نصحهما رئيس الشركة بزيارة مشروع كبير كنت أنا مديره (وكان من اكبر مشاريع الشركة)، وبعد زيارتهما لي في المشروع تغيرت معاملتهما لي تماما، وتيقنت وقتها من أن “الإنسان عدو ما يجهل“.
…
ونحن في العالم العربي والإسلامي نتهم الغرب وأمريكا بأنهم عنصريون، وهذه تهمة جزئيا صحيحة، لانه ليس كل الغربيين عنصريون، ولا ننكر وجود فئة عنصرية إما عن جهل أو لأن لديهم إحساس بالفوقية باعتبار العالم يعيش عصر الحضارة الغربية.
ونحن في عالما العربي والإسلامي لا نخلو من عنصرية، فالعنصرية لدينا على أساس ديني حدث ولا حرج، واسألوا اليهود الذين طردوا من البلاد العربية في أعقاب حرب 1948، وأسألوا المسيحيين الذين هاجروا بالملايين من بلادهم، أما عن عنصرية لون الجلد فكثير منا يفخر بأن جدته من أصل تركي شقراء وعيونها زرقاء، وعندما تحضر لك والدتك عروسة تقول لك: “أما حتة عروسة بيضاء زي اللبن الحليب وعيونها ملونة“
عندما نشجع أحد أبناؤئا نقول له: « عاوزينك تنجح وتبيّض وشنا »! والعكس صحيح عند الفشل: « سوّدت وشنا، الله يسوّد وشك »” ، أو نقول: « نهارك أبيض وزي الفل »، أو نقول: « نهارك أسود زي وشك »!!
وكأن نقول: « انا حا اسوّد عيشتك النهاردة »، وايضا نقول: « القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود ».
…
والإنسان هو المخلوق الوحيد على وجه الارض الذي يمارس العنصرية ضد انسان مخلوق مثله تماما يمشي على رجلين وله يدان وعينان وأنف واحد وعندما ينزف يكون دمه لونه احمر. ولكن لو اختلف لون الجلد أو اختلف الدين أو الوضع الاجتماعي أو المالي أو المعرفي، تبدأ العنصرية على الفور. وقد مات وعانى ملايين البشر بسبب العنصرية بشكل لم تشاهده أشد الوحوش شراسة.
ولن تجد أبدا أن كلبا له فرو ابيض يرفض التزاوج مع كلب اسود، أو قطة سيامية ترفض ممارسة الحب مع قطة رومية،
قانون كل الحيوانات هو أنه « البقاء للأصلح »، ولكن يبدو بما اننا نعيش عصر الحضارة الغربية وبعد أزمة اللاجئين الأوكرانية ثبت أن « البقاء للأبيض »!!