“To Be or Not to Be, this is the Question”
أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال
العبارة ” أكون أو لا أكون” هي العبارة الافتتاحية في المناجاة الفردية التي نطق بها الأمير هاملت فيما يسمى “مشهد الراهبات” من مسرحية وليم شكسبير “هاملت”، الفصل الثالث، المشهد الأول.
وفي الخطاب، يتأمل هاملت الموت والانتحار، لتفادي الألم وظلم الحياة، ولكنه يعترف بأن البديل قد يكون أسوا.
وتعتبر عبارة الافتتاح هذه إحدى أكثر العبارات المعروفة في اللغة الإنجليزية على نطاق واسع، وقد تمت الإشارة إليها في عدد لا يحصى من الأعمال المسرحية والأدب والموسيقى.
ومعظم النقاد العالميين والمحليين يعتبرون أعمال شكسبير أعمالا خالدة وسوف تظل تدرس وتعرض وتقرأ لآلاف السنين القادمة. وبطريقة ما، اكتسبت أعمال شكسبير صفة القداسة مثلها مثل الكتب الدينية المقدسة، حتى بالنسبة لمن لم يقرأ حرفا من أعمال شكسبير.
وكثير من المثقفين (وأنا واحد منهم) يخافون من الاعتراف بأن أعمال شكسبير لا تعجبهم، لأننا نخشى أن نُتهم بأننا غير مثقفين ولا نفهم الألف من كوز الذرة في الأدب. وقد نتهم أيضا بالارتداد عن “الدين الشكسبيري” وقد يُقام ضدنا حد الردة، وقد يصل الحد إلى رجمنا بكتب ومسرحيات شكسبير.
ومن كثرة تقديس عبقرية شكسبير حول العالم أن بعض مشايخنا صعب عليهم أن يكون شكسبير إنجليزيا مسيحيا! لذلك أفتي البعض أن شكسبير هو مسلم في الأساس، وأن إسمه الحقيقي العربي هو “الشيخ زبير” وقد تم تحريف الاسم بالإنجليزي لكي يصبح شكسبير!!
وطبعا لا أحد يشك في عبقرية شكسبير كأديب وشاعر، “ما حصلش“! ولكن هذا لا يمنعني من الاعتراف بأني وجدت صعوبة كبيرة في قراءته حتى باللغة العربية، فما بالك يا مبارك لو حاولت قراءته باللغة الإنجليزية!
وامتد أدب شكسبير حول العالم حوالي 400 سنة ولا يزال يدرّس حتى اليوم في كافة أنحاء العالم. لو كتبت في جوجل كلمة “وليم” فإن أول اسم سيظهر لك هو أسم “وليم شكسبير“الأشهر من أي “وليم” آخر، بالرغم من وفاته من 400 سنة. وقد تزامن صعود وظهور وليم شكسبير مع بداية الإمبراطورية البريطانية التي امتدت منذ نهاية القرن السادس عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين، وكانت الحرب العالمية الثانية هي بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية ثم أعقب ذلك اضطرار بريطانيا عام 1947 للقبول باستقلال الهند (جوهرة الإمبراطورية).
لذلك، ساعد انتشار اللغة الإنجليزية حول العالم عن طريق الاستعمار والتجارة في انتشار الثقافة البريطانية ممثلة في اللغة الإنجليزية ومن بينها أدب ومسرحيات وشعر شكسبير. يعني لو ظهر شاعر عبقري في جبال نيبال أو أحراش بوركينا فاسو فلن يسمع عنهم أحد نظرا لحواجز اللغة. ولا نزال نعيش في عصر الحضارة الإنجليزية بعد أن ورثت أمريكا الجانب الثقافي من بريطانيا بسبب اللغة الإنجليزية، وزاد الموضوع انتشارا في عصر الإنترنت بعد أن أصبحت اللغة الإنجليزية هي لغة الإنترنت.
وأنا أعتبر أن الشاعر أبو العلاء المعري لا يقل أبدا عن شكسبير رغم أنه جاء قبل شكسبير بأكثر من 500 سنة، ولكن مشكلة أبو العلاء المعري أن شعره باللغة العربية وهي لغة محدودة الانتشار حتى اليوم.
وتعالوا معي إلى الكلمة الشهيرة عنوان مقالي : “أكون أو لا أكون“. ما هو الإعجاز في هذه الجملة، لقد أعطانا شكسبير خياريين لا ثالث لهما، وهي الخيارات الطبيعية لأي إنسان. هي تبدو لغة شعرية عبقرية ومختصرة جدا، ولكنها في رأيي “كلام جرايد” ولا تعني الكثير! وذكرتني هذه العبارة بواقعة طريقة عندما كنا في الجامعة: كان لي صديق حميم وكان شقيقه الأكبر قد تخطى سن الزواج، وكنا دايما نتساءل عن السبب، يا ترى هل كان له أي علاقة غرامية وصدم فيها مثلا، أم أنه يتنقل بين علاقة وأخرى. وقد قتلنا الموضوع بحثا من باب حب الاستطلاع من جهة، ومن إشفاقنا على شقيق صديقي من جهة أخرى، بجانب الاستمتاع بالنميمة بصفة عامة!! وفي يوم جاء لي صديقي بخبر جديد عن شقيقه الأكبر، وقال لي: “اليوم واحدة بنت طلبت أخويا في التليفون“، فقلت له: “ممتاز، وتعرف عنها إيه؟” فقال لي: “هي إما معاه في الشغل أو مش معاه في الشغل! » فقلت له: “برافو عليك جبت الخبر اليقين“…
فهذا بالضبط مثل “أكون أو لا أكون” يعني “أما معاه في الشغل، او مش معاه في الشغل“!!
…
وأدكر أيضا أن الأستاذ نجيب محفوظ مرة قال لنا أثناء وجودنا معه في ندوته الأسبوعية: “سوف نكون محظوظين لو تذكرنا أحد بعد مائة سنة“!
لا يوجد أحد مخلد سواء “يكون أو لا يكون“، وفي الغالب كلنا سوف “لا نكون” بعد عدة سنوات، طالت أم قصرت، حتى يخترع العلم علاج ضد الموت.
وإذا كنت قد دخلت مثلي إلى هذا العمر فالسؤال لن يصبح:
“To Be or Not to Be”
ولكنه سوف يكون:
“To Pee or Not to Pee”
وإذا لم تكن تعرف الإنجليزية فأرجو البحث عن الجملة الأخيرة.