ربما على السيد أشتية والمسؤولين الفلسطينيين الذين تهجموا على الامارات أن يراجعوا التاريخ الفلسطيني الحديث ويتفكروا لماذا آلت قضيتهم الى هذا التضييع المتعمد، وماذا كان دورهم في ذلك قبل أن يتألم أشتية من هذه الخطوة الاماراتية الجبارة، وعليه أن يدرك أن زمن الارهاب الفكري الممارس على الشعوب العربية منذ اعلان قيام اسرائيل في عام 1948، لم يعد أداة مرعبة لها. فهذه الشعوب أيقنت من زمن أن كل هذا جعل من الشرق الأوسط منطقة الفرص الضائعة.
ثمة الكثير من الدروس التي لم يتعلم منها العرب،سواء أكان في حرب عام 1948 حين اندفعت بعض الجيوش الى فلسطين لتحريرها رافضة دولها القبول بقرار التقسيم، لكنها هزمت أمام ميليشيات، وليس جيشا منظما! وفيما رد البعض السبب الى فساد الأسلحة، كان الآخر يبرر الهزيمة بمقولة: “ماكو أوامر“، كما نقل عن قادة الجيش العراقي حينذاك.
الفلسطيني الذي وعد بالعودة الى دياره في غضون أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر، وجد نفسه يسف الرمل مع مرارة الانتظار فيما قادته يتنقلون بين القصور والمنازل الفخمة، يوزعون صكوك الوطنية على من يؤيدهم ويمدهم بالمال ليتنعموا بالرفاهية، ناعتين معارضيهم بالعمالة للصهيونية والرجعية والامبريالية. بينما القادة العرب وبعض القادة الانتهازيين الاقليميين الراديكاليين راحوا يتاجرون بهؤلاء جاعلين من فلسطين مطيتهم لتحقيق أهدافهم الخاصة، وآخرهم مرشد نظام الملالي علي خامنئي الذي اتهم الامارات بالخيانة، متناسيا علاقات بلاده السرية مع اسرائيل.
لا نبالغ إذا قلنا إن الانقسام الفلسطيني ساعد الاسرائيليين على تحقيق نظرية ليفي اشكول “نخوض كل عشر سنوات حرباً مع العرب، حتى لا يطالبوا بتحرير فلسطين سيطالبون بالأرض التي احتلت، وهكذا ينسون فلسطين“، اذ بدلا من الوحدة والثبات في أرضهم استدارت التنظيمات الفلسطينية الى الأردن لتحكمه، وبرز ذلك بوضوح في “أحداث أيلول” عام 1970، حين سعوا الى اسقاط الحكم الملكي الذي كان عضيدهم الأول في مقاومة الاحتلال، وحين فشلوا انتقلوا الى لبنان واقتطعوا لهم مساحة من أرضه أسموها “فتح لاند“، واستمروا في التعدي على اللبنانيين الى أن أشعلوا حربا أهلية فيه استمرت 15 عاما.
لقد أدخل الفلسطينيون بانقسامهم وتخليهم عن قضيتهم كل أصحاب المصالح المشبوهة الى ديارهم. بل تحولوا في الصراعات العربية بنادق للايجار، ومشوا خلف الأوهام، سواء أكان مع أحمد الشقيري وجمال عبد الناصر اللذين قالا انهما سيرميان اليهود في البحر، وبدلا من ذلك انهزم عبدالناصر في الحروب التي خاضها الى أن وصل الاسرائيليون في عام 1967 الى حدود القاهرة، ولم ينقذ مصر من ذلك الا مبادرة السادات الذكية والجريئة. أو مع صدام حسين الذي تباهى بتشكيل جيش القدس من سبعة ملايين مقاتل، لكنه بدلا من تحريكه باتجاهها، احتل الكويت.
حين يعلن رئيس الوزراء الفلسطيني عن تألمه من الخطوة الاماراتية السيادية الجبارة، فهو لا يبكي على فلسطين، بل على الأموال التي ستخسرها الفصائل التي تخوض حرب الفنادق، والحياة الرغيدة التي يعيشها على حساب الفقراء. بينما كان عليه أن يكون واقعيا ويشكر قادة دولة الامارات الذين سعوا الى حماية ما تبقى من الحق الذي ضيعه الفلسطينيون أنفسهم.
إن أكثر ما لفت نظرنا ونحن نستمع الى رئيس الوزراء الفلسطيني هو أناقته المكلفة، التي توحي أنه يعيش حياة هانئة ومترفة، وليس لديه أي نقص في الملبس والمأكل.
*أحمد الجارالله إعلامي وصحفي كويتي، والرئيس الفخري السابق لجمعية الصحافيين الكويتيين، ورئيس تحرير صحيفة « السياسة » الكويتية وصحيفة عرب تايمز ومجلة الهدف الأسبوعية.
والله صدقت فيما حللت وافهمت… هذا مع الأسف هو واقع الحال.. الكل يتاجر باسم فلسطين القدس..