هذا دأب البطاركة الموارنة منذ نشوء لبنان الكبير الى اليوم!
الم يكن البطريرك الياس الحويك، هو المتحدث باسم اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين ودروزاً، الى مؤتمر الصلح في فرساي للمطالبة بـ “لبنان الكبير”؟ اليس البطريرك انطون عريضة هو من احتضن في الصرح البطريركي عينه في بكركي مؤتمرا وطنيا لاعلان استقلال لبنان الاول وجلاء الجيوش الاجنبية عن لبنان؟
نواجه حالة إنقلابية بكل معنى الكلمة!
ألم يقرع البطريرك المعوشي ناقوس الخطر، ويقف في وجه عتاة الزعماء الموارنة، ويوقف الحرب التي اندلعت عام 1958، ليؤمّن للرئيس فؤاد شهاب التغطية البطريركية للقاء الزعيم جمال عبد الناصر؟ ألم يقف البطريرك خريش ضد عتاة الموارنة، ضد الميليشيات والحرب الاهلية التي اندلعت عام 1975؟ ألم يكن المثلث الرحمات البطريرك مار نصرالله صفير، أب الاستقلال الثاني وإخراج الجيش السوري من لبنان؟
فلا عضاضة، إذاً، ان يكون البطريرك مار بشارة الراعي أب الاستقلال الثالث، وإخراج النفوذ الايراني من لبنان!
هذا ما حصل في بكركي أمس السيت حيث سحب الراعي البساط من تحت اقدام القادة الموارنة الذين وضعوا نصب اعينهم كرسي الرئاسة في بعبدا لخلافة الرجل الهرم.
الراعي اعاد اليوم الحياة السياسية الى الى قواعدها الاساسية بعد ان استنزفها قادة الموارنة في نزاعاتهم وانحطاط خطابهم السياسي، ونقلِ الخطاب الى مستوى تقني بحت، وتناتًش مناصب نيابية ووزارية وادارية، وعملية ابتزاز للشركاء في الوطن المتداعي، بحجة حماية حقوق المسيحيين المعروضة للبيع في سوق خلافة الرجل الهرم، للحزب الايراني. يل ان رئيس التيار العوني، جبران باسيل، ذهب ابعد من ذلك الى مبايعة رئيس النظام السوري بشار الاسد، فضلا عن نظام الملالي في طهران.
لقد ولدنا لنعيش في مروج السلام الدائم لا في ساحات
القتال الدائم، وجميع مشاكل الشعوب صارت قابلة للحل بالحوار
والتفاوض والعلاقات السلمية، قدر الإنسان أن يخلق أصدقاء لا أعداء!
مساعي اللواء عبّاس ابراهيم بطلب من حزب الله؟
لم تنفع مساع اللواء عباس ابراهيم، في ثني البطريرك عن التصعيد في كلمته اليوم امام جماهير لبنانية من مختلف المناطق والطوائف حجّت الى الصرح البطريركي، بعد ظهر يوم السبت، فزاره موفدا من الحزب الايراني ليتمنى عليه “عدم جر البلاد الى فتنة مسيحية شيعية”! وجاءت مساعي اللواء بعد ان نقل وفد التيار العوني الذي زار البطريرك الاربعاء الماضي، تهديدا مبطنا للبطريرك بسؤاله عما « إذا كان يتحمل مسؤولية الفلتان في الشارع، خصوصا ان هناك فريق لبنانيا وازناً هو حزب الله، يرفض المؤتمر الدولي لحماية لبنان؟ ».
البطريرك الراعي طالب المحتشدين « ألا يسكتوا » عن سبعة عشر مطلبا، ابرزها عدم السكوت عن جيشين وجيوش في دولة واحدة، وعن دولتين ودول في دولة واحدة وعن شعبين وشعوب في دولة واحدة. وقال: « لا تسكتوا عن الفساد وعن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، ولا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني ولا عن سجن الابرياء ولا عن التوطين الفلسطيني ودمج النازحين ولا عن مصادرة القرار الوطني ولا عن الانقلاب على الدولة والنظام، ولا عن عدم تأليف حكومة وعدم إجراء الاصلاحات ».
الراعي، وفي رده على امين عام الحزب الايراني، أعلن ان لبنان واحة سلام لا لتصدير العداوات.
ولعل أبرز ما جاء في كلمته، هو التشهّد بشعوب الجوار في حل مشاكلها بين بعضها عن طريق الحوار والتفاوض، في إشارة الى انفتاح العديد من الدول العربية على اسرائيل!
ولعل اهم ما اختصره المشهد في الصرح البطريركي اليوم، هو نزع الغطاء عن العهد خصوصا، وعن القادة الموارنة عموما.
حين طالب الراعي بتطبيق وثيقة الوفاق الوطني، المعروفة بـ « اتفاق الطائف » نصا وروحا. فإنه لم يخرج عن روح الوطنية المؤتمن عليها الصرح البطريركي، والغى الادبيات التي سادت في الفترة الاخيرة عن ما يسمى “حقوق المسيحيين”، فدعاهم الى الارتقاء بخطابهم من زواريب الطائفية الضيقة الى رحاب الوطن، مشددا على ان الصرح البطريركي هو لكل اللبنانيين، ولم يعلن حصريته بالمسيحيين والموارنة على وجه الخصوص.
اليوم، انتهى عهد ميشال عون!
الراعي هو نفسه الذي جمع اربعة من قادة الاحزاب الموارنة في الصرح عينه، قبل سنوات، واعلن باسمهم انه ينتدب احدهم لتمثيل الموارنة في الدولة اللبنانية في منصب رئاسة الجمهورية، وكانت وعينه على ترئيس الجنرال عون، بصفته “الاقوى” بينهم! إلا أن جميع الفرص التي اتاحها الراعي للقادة الموارنة استنفدت صلاحيتها، فانهارت البلاد، على المستويات كافة، فكان لا بد للبطريرك ان يتصدى لعجز القادة ويعيد الامساك بزمام المبادرة، ويعلن عن الصرح شريكا لكل اللبنانيين على قدم المساواة!
طرح الراعي اليوم، أراح الحياة السياسية، وفكّك الكثير من التشنجات السياسية.
فرئيس الحزب الاشتراكي وزعيم الطائفة الدرزية، وليد جنبلاط، وجد ضالته في الشراكة المسيحية، بالبطريرك الراعي. فأعلن قبل مدة عن وقوفه الى جانب الراعي، فالراعي شريك لا يفاوض ولا يساوم، على نائب من هنا او مدير عام من هناك، وهي شراكة اختبرها جنبلاط، مع السلف البطريرك صفير، واثمرت مصالحة تاريخية، بتمسك بها جنبلاط كل يوم.
والرئيس سعد الحريري، يجد في البطريرك الراعي، شريكا اساسيا، لا يساوم على ثلث معطل ولا ضامن، ويلاقيه في اكثر من محطة سياسية، خصوصا ان علاقة الحريري الاب بالبطريرك صفير اثمرت الكثير من الايجابيات، وتكرارها بين الحريري الابن والبطريرك الراعي سيثمر ايضا ايجابيات تحتاجها البلاد.
اما القادة الموارنة فلا حول لهم ولا قوة الا في السير خلف البطريرك الراعي، بعد ان هلل لانتخابه التيار العوني، وكاد يعتبر انتخاب الراعي انتصارا لما يُسمّى محور الممانعة، وانكفأ الموارنة من قوى 14 آذار، لاعتبارهم ان البطريرك صفير لا يُعوض.
الراعي الذي اختار في بداية ولايته البطريركية الإكثار من الاسفار، تاركا السياسة لاهلها، وفتح ابواب الصرح للجميع، وصولا الى انشاء لجنة مشتركة مع حزب الله، تحت ستار حل الخلافات العقارية. ومع ذلك لم يتورّع الحزب الايراني وقاطع الراعي منذ ملاقاته قداسة البابا الى القدس، فارتاب واعتبر ان الراعي يجب ان ينصاع لرغبات الحزب وادبياته واهوائه ومزاجية امينه العام.
الراعي اليوم اعاد للصرح البطريركي الَقه، وحمّل نفسه مسؤولية قيادة التغيير في البلاد! فهو القائد الذي افتقدته ثورة 17 تشرين. وهو الموجّه الاصلاحي، والتغييري من ضمن الاليات الدستورية.
الراعي اليوم لا يشبه البطريرك الراعي بالامس، فهل يكمل مسيرة البطاركة اسلافه، ويحمل على منكبيه مشروع « الاستقلال الثالث » وتحرير لبنان من وصاية السلاح الايراني ويكفيه شرف المحاولة حتى ولو اخفق في مسعاه؟
ياشعب لبنان العظيم …لاتسكتوا ان شئتم الحياة الكريمة
لاتسكتوا…واعملوا بما قاله بطرؤريرك لبنان العظيم