«الراي» تفقّدتْ أحوالهم في «أميرة» جبل لبنان وتحدّثت إلى بعضهم
- الكاتب:بيروت – من وسام أبو حرفوش
بقدر ما هو موقفٌ جميلٌ وأصيلٌ ونبيلٌ وينطوي على حبٍّ ووفاءٍ وأخوّة، كان مُحْزِناً ومُحْبِطاً أيضاً… كويتيّو بحمدون وجوارها يناشدون اللبنانيين «أن يحبوا لبنان كما نحبه». عبارةٌ تختزن ما هو أبعد من الميْل لتمضيةِ الصيف في هذا المنتجع الطبيعي الذي تشكّله «أميرة الجبل»، أو الرغبة في الاستراحة في أحضان «لؤلؤة المصايف» الأشبه بـ«ديوانيةٍ» في الهواء الطلق… إنها تختزل صموداً كويتياً في الانحياز الدائم للبنان، في السراء والضراء، والانتصار له حتى ولو كان انكسارُه من صنيعةِ بعض أبنائه.
هكذا هي الحال اليوم مع هبوط ستّ طائرات يومية في رحلات آتية من الكويت إلى بيروت والارتفاع الكبير في عدد المصطافين الكويتيين الذين جاؤوا إلى ربوع وطنهم الثاني وتَوَزَّعوا على مناطق عدّة، لا سيما «عاصمتهم» بحمدون وقراها المجاورة في موسمٍ واعدٍ اشتاق له لبنان واستعدّ لملاقاته وراهَنَ على نجاحه، علّه يعينه على إبعاد شبح سقوطه المالي.
وفي عزّ هذه الاندفاعة الكويتية – الخليجية في اتجاه لبنان وصيْفه، حَدَثَ ما لم يكن في الحسبان مع الأحداث المأسوية التي هزّت جبل الاصطياف بسبب الملابسات التي رافقت زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل لقضاء عاليه، وأدّت إلى مقتل شخصين وسط توترات محمومة على الأرض لم تشهدها المنطقة منذ زمن طويل، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة «صفحات سود» طَوَتْها مصالحة 2001.
ماذا حلّ بالكويتيين في تلك المناطق؟ هل يخشون من تدهورٍ ما؟ كيف تعاملوا مع أحداث الأحد المؤسِف؟ ماذا عن الذين يعتزمون المجيء من العائلات والأقارب والأصدقاء؟
كان قطْع الطرق على أشدّه حين توجّهت «الراي» إلى الجبل… إحدى الجماعات الحزبية أشعلْت الإطارات لقطْع طريق بعلشميه – بحمدون وأمكنة أخرى وسط تلويحٍ بـ«أنها لن تسكت». في البدء اتصلنا بـ«الخط الساخن» مع سفارة الكويت في بيروت التي كانت أصدرت بياناً دعت المواطنين الكويتيين إلى «أخذ الحيطة والحذر وتَجَنُّب مناطق التوتر والتظاهرات».
وبعدما فهمْنا أن السفارة اطمأنتْ إلى سلامة المصطافين وهم في أمكنتهم، قصدْنا بحمدون التي كانت اشتاقت لـ«الحبايب» بعد سنواتٍ عجاف امتدت منذ انفجار الصراع في سورية العام 2011، وسكن خلالها الحنينُ بيوتاتِ «ضيعة الكويتيين» التي حبست طويلاً دمْعتها وأنينها الصامت.
على تقاطُع بعلشميه – بحمدون، بدا الدخان الأسود المتصاعد من الإطارات المشتعلة وكأنه ينافس الأيام البيض التي تنتظرها جارة «وادي لامارتين» بعدما بدأت تستعيد السياحَ والمصطافين، ولا سيما الكويتيون الذين عادوا إلى البلدة الأحبّ إلى قلبهم رغم ما تعانيه المنطقة من تردّي الخدمات كالكهرباء والماء والنظافة وما شابه… فثمة رابطٌ عاطفي بين الكويتيين وعروس الجبل التي لا تكتمل فرحتُها إلا في حضرتهم.
وفيما كان لبنان ما زال تحت تأثير صدمة «الأحد الموجِع» في الجبل، لم يكن مفاجئاً إصرار الكويتيين (الذين يملكون في بحمدون الكبرى، نحو 35 في المئة من البيوت والمحال التجارية) على عدم إدارة الظهْر عند أول… نكسة.
لم يتطلّب الأمر الكثير من العناء للالتقاء بكويتيي بحمدون، فعلى رصيف أحد الشوارع الهادئة طالَعَتْنا صدفةً «جلسةٌ» لمجموعةٍ من الكويتيين الذين بدوا وكأنهم يتواعدون فيما يشبه «الديوانية» التي يحلو فيها الحديث عن لبنان والكويت والصيف وبحمدون وما كان وسيكون.
لم يُعِر محمد المليفي اهتماماً كبيراً لما وَقَعَ من أحداث مؤلمة في المنطقة أول من أمس. هو جاء إلى هنا في يونيو الماضي ولن يقطع إجازته «فما جرى أحداثٌ بسيطة يمكن أن تحصل في أي بلد»، مضيفاً «لم نشعر بالخوف وحضور القوى الأمنية مصْدر اطمئنان». ولفت إلى «أن أحداً من الكويتيين لم يغادر بحمدون بسبب ما حدث»، مضيفاً «لم نشعر بوطأة ما حصل وإن شاء الله يكون انتهى»، ومشيراً الى «ان السفارة الكويتية تقوم بواجبها ولم تقصّر في السؤال عنا، وحتى أن أبناء بحمدون أبدوا كل استعداد لتلبية أي مساعدة، ونحن مرتاحون ونشعر بأننا بين أهلنا واخوتنا».
وينتظر محمد منصور الفيلكاوي أن تلاقيه عائلته بعد أسبوعين، وهو الذي كان وصل إلى بحمدون قبل نحو شهر للمرة الثانية هذه السنة، ويؤكد «نحن مرتاحون والحمد لله وإن شاء الله تهدأ هذه المشكلات ويقترب الناس من بعضهم البعض».
ولا يخفي الفيلكاوي الشكاوى من مشكلات المياه والكهرباء «رغم أننا تعوّدنا على هذا الوضع وتَعايَشْنا معه»، موضحاً أن أحداث عاليه «لا بد أنها عكّرت الأجواء لدى بعض الناس الذين ربما يفكرون بإلغاء الزيارة للبنان، لكن نحن تعوّدنا على الوضع، فهذا لبنان».
ويتحدّث خالد الدعيج، الذي يملك مكتباً عقارياً في بحمدون – المحطة عن «أن ست طائرات تأتي يومياً من الكويت إلى بيروت ونحو 80 في المئة من ركابها كويتيون، وما حدث يوم الأحد لن يؤثر فالأمور (عدّت) ونتمنى للبنانيين أن يبقوا على وئام وتَفاهُم وأن يحبوا لبنان كما نحبه نحن». وأكد أنه «بعد أحداث الأحد لم يفكّر أحد في المغادرة»، موضحاً في ما خص ظروف العيش في بحمدون «نحن نوفّر هذه الظروف، فالدولة اللبنانية ليس في إمكانها تأمين الخدمات للمصطافين، لذا نعمل على معالجة الأمور بأنفسنا عبر مولدات لتعويض النقص في التغذية الكهربائية والاستعانة بالآبار لتأمين المياه…».
سعود الشملان، من سكان بيروت لكنّه يواظب على زيارة أصدقائه في بحمدون، وقد رأى أن أحداث الأحد «عادية ولا قيمة لها وليست غريبة عن لبنان الذي نعرفه ونتعايش مع ظروفه. وما حصل لا يزعجنا ولا يبدّل في برنامجنا»، مشيراً إلى «وجود أعداد كبيرة من الخليجيين في ربوع لبنان، وقيل لنا إنه منذ عيد الفطر قَصَد لبنان نحو 60 ألفاً، كما أبلغ إلينا أمس السفير الكويتي الذي زارنا، ولذا ما من شيء يستدعي القلق».
أما الدكتور حمود فليطح، المدير العام للهيئة العامة للرياضة، فأكد «أن لبنان يتمتع بمواصفات سياحية عالمية. الجوّ هنا ولا أروع والناس طيبون ومضيافون لكن المعايير السياحية لا تُطبَّق في هذا البلد، إذ لا يجوز مثلاً عدم توافر الكهرباء في الشكل المطلوب و انقطاع المياه، ناهيك عن الأحداث الأمنية الجانبية كما حصل بالأمس أو قبْلها في طرابلس»، لافتاً إلى «أن الأمن وتوفير الخدمات مسألتان أساسيتان بالنسبة إلى السائح، ونتمنى على اللبنانيين أن يعوا أكثر أهمية بلدهم وقيمته كوجهة سياحية وأن يعملوا على تطوير بناه التحتية».
الدكتور سند الفضالة، الموجود في بحمدون منذ نحو أسبوعين ويعتزم البقاء حتى أغسطس المقبل مأخوذٌ بمناخ المنطقة «فالجو جميل والحرارة مناسِبة وتنخفض مساء إلى 17 درجة».
ورغم أن أحداث الأحد لم تخفّف من حماسة الدكتور الفضالة لتمضية الصيف في بحمدون لكنه لم يُخْفِ «ان اتصالات تلقيناها من الكويت أبدت بعض التخوف وهم لا يُلامون في ذلك»، لافتاً إلى أن «الشعب اللبناني يعتمد كثيراً على السياحة ويجب أن يكون حريصاً على استقرار بلده. وفي رأينا أن ما حصل الأحد، وإن كان محدوداً، فإنه يؤثر على صورة لبنان في الخارج وقد تجعل البعض يتردّد في المجيء. ومن هنا ندعو اللبنانيين أن يصونوا استقرار بلدهم فهذا ينعكس إيجاباً على السياحة وعلى مصلحة لبنان».
مدير فرع بنك الكويت الوطني في بحمدون مارسال شاروق لاحَظ أن الحركة السياحية في بحمدون هذه السنة أفضل بكثير من سابقاتها «ورأينا وجوهاً لم تأت منذ فترة طويلة»، معرباً عن ثقته «بأن ما حصل الأحد لن يؤثر على حركة الاصطياف في حال احتواء الأمر سريعاً وعدم تكراره، وكلنا ثقة بحرص اللبنانيين على بلدهم».
الرأي