لم يسبق لسياسي ياباني منذ الحرب العالمية الثانية أن بقي على رأس حكومة بلاده مدة أطول مما قضاها رئيس الوزراء الحالي “شينزو أبي“. فاليابان قبل مجيئه كانت على رأس قائمة الدول التي تغير زعماءها وحكوماتها كل سنة أو نحو ذلك. لذا يُعتبر “أبي” بحق ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ بلاده لأنه قاد اليابان بصورة متواصلة منذ عودته إلى السلطة في أواخر عام 2012، ناهيك عن أنه من المتوقع بقاؤه في السلطة حتى موعد إجراء الانتخابات العامة القادمة في عام 2021.
مؤخرا قام “أبي” بإجراء تعديل وزاري واسع في حكومته تحت عنوان تأمين الاستقرار والاستمرارية (لمواجهة التحديات الاقتصادية والحروب التجارية في المنطقة). ومع هذا التعديل الوزاري راجت تكهنات حول الشخصية التي سوف تخلف الرجل حينما يتخلى عن منصبه، خصوصا وأن التعديل تضمن منح حقيبة الخارجية ذات الحساسية الكبيرة إلى سياسي شاب (بالمقاييس اليابانية طبعا) يحظى بشعبية واسعة في اليابان هو “توشيميتسو موتيجي” البالغ من العمر ثلاث وستون عاما وذلك بدلا من “تارو كونو” الذي أسندت إليه حقيبة الدفاع في التشكيل الوزاري الجديد.
البعض إعتبر هذه الخطوة مكافأة للوزير الجديد المتخرج من جامعة هارفارد الأمريكية العريقة على الجهود التي بذلها للتوصل إلى إتفاق تجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي إستخدم فيها الرجل خبرة تراكمت لديه من وظيفته السابقة مع شركة ماكينزي كمستشار، معطوفا على خبرات تشريعية متأتية من حصوله على مقعد برلماني في مجلس النواب منذ عام 1993.
أما إزاحة كونو من قيادة الدبلوماسية اليابانية، على الرغم من نشاطه الدائب وتفاعله الدائم مع الجمهور من خلال منصات التواصل الاجتماعي، فيـُعتقد أن وراءه رغبة “أبي” في تلطيف الأجواء مع الجارة الكورية الجنوبية ولجم الخلافات التجارية التي إندلعت مؤخرا بين البلدين، وذلك من باب الحفاظ على تحالفهما الأمني تحت المظلة الامريكية لمواجهة عنتريات وابتزازات نظام “كيم جونغ أون” في بيونغيانغ التي تهددهما معا.
والمعروف في هذا السياق أن الوزير كونو عـُرف بمواقفه المتشددة تجاه سيئول من منطلق أن الأخيرة تثير من وقت إلى آخر قضية المطالبة بدفع تعويضات لمواطنيها ممن عاشوا في ظل الحكم الياباني لشبه الجزيرة الكورية قبل الحرب العالمية الثانية رغم أن طوكيو وسيئول سبق لهما التوصل إلى إتفاق يـُنهي المشكلة ويحسمها إلى الابد، وذلك وقت تطبيع علاقاتهما البينية سنة 1965. غير أن هناك من يرى أن منح كونو حقيبة الدفاع هو مؤشر على تشدد ياباني أكبر إزاء كوريا الجنوبية.
في التغيير الوزاري نجد أيضا أمرا آخرا استرعى إنتباه المراقبين وهو الإتيان بـ“شينجيرو كويزومي” البالغ من العمر 38 عاما وزيرا للبيئة والذي دخل الآن تاريخ اليابان كأصغر وزير منذ نهاية الحرب الكونية الثانية. ووزير البيئة المعيّن هو نجل رئيس الوزراء السابق “جونيتشيرو كويزومي” الذي كان يصف نفسه بـ“كاكوماي نو هيتو” أو “الثوري المتطلع إلى إحداث تغيير جذري في أساليب العمل” والذي تزعم البلاد في الفترة من عام 2001 إلى عام 2006.
ورغم أنّ حقيبة البيئة ليست من الحقائب ذات الوزن السياسي الثقيل في اليابان إلا أنّ ما يمكن أنْ يشفع لحاملها الجديد لجهة إحتمال أن يخلف “أبي” مستقبلا عدة عوامل منها أنه إبن رئيس وزراء سابق حظي خلال سنوات زعامته بشعبية كبيرة كنتيجة لقيامه بإصلاحات جريئة؛ ومنها أنه في مقتبل العمر ويملك حماس الشباب لتغيير وجه اليابان؛ ومنها أيضا أنه صاحب كاريزما طاغية كوالده؛ ناهيك عن أنه معروف جماهيريا بسبب التركيز الإعلامي عليه لوسامته وتعمده الإثارة، وهو ما يذكرنا برئيس وزراء ياباني أسبق هو “ريوتاريو هاشيموتو” (تزعم اليابان من عام 1996 إلى 1998) الذي راح الإعلام يلاحقه ويصفه بـ “ألفيس بريسلي” في إشارة إلى تقارب مظهره وطريقة ملبسه وتصفيف شعره مع مظهر مغني الروك الأمريكي الأشهر في حقبة الخمسينات والستينات. والحقيقة أن هناك وجه شبه آخر بين هاشيموتو وكويزومي الإبن هو إنتماؤهما إلى أسرتين سياسيتين من الأسر النافذة في الحزب الحاكم، بل الأسر التي شغل أفرادها مقاعد نيابية أورثوها فيما بعد إلى أبنائهم بالإنتخاب، ناهيك عن شغلهم لمناصب وزارية مختلفة.
غير أنّ جواب السؤال حول من سيخلف رئيس الوزراء الحالي “شينزو أبي“، وهل سيكون “توشيميتسو موتيجي” أو “جونيتشيرو كويزومي“، أو غيرهما مثل وزير الاقتصاد الجديد “ياسوتوشي نيشيمورا” المقرب من “أبي“، أمر مؤجل ولن يُحسم إلا في الغرف المغلقة للحزب الليبرالي الديمقراطي (أكبر الأحزاب اليابانية وأنجحها وأكثرها شعبية) الذي ظل يحكم اليابان بشكل متواصل خلال حقبة ما بعد الحرب عدا سنوات قليلة جدا.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين