مراسل “الفيغارو”- جورج مالبرونو
رغم شعوره بالإرتياح إزاء الحملة العسكرية التي يقوم بها حليفه الروسي، فإن النظام السوري يتابع بقلق شديد المسار السياسي الذي انطلق من فيينا، والذي يمكن أن يجرّده من أخر ما تبقى له من مصادر قوة.
الحملة العسكرية الروسية التي ابتدأت في٢٠ سبتمبر طمأنت السلطة السورية المهدّدة. ولكن اجتماع فيينا، يوم الجمعة الماضي، الذي كان المرحلة الأولى في مسار انتقال سياسي في دمشق، يثير قلق بشار الأسد. فلأول مرة منذ ٥ سنوات من القتال، اتفق جميع أطراف النزاع على “ورقة طريق” للخروج من الفوضى. بما فيهم الحلفاء الروس والإيرانيين للنظام السوري، الذي وقعوا على ورقة من ٩ نقاط، تم الإتفاق عليها بصعوبة بالغة بعد ٨ ساعات من النقاش بين ممثلي ١٧ دولة متورطة في النزاع. وبات أصعب على النظام السوري أن يلعب طرفاً ضد طرفٍ آخر كما فعل في الإجتماعات السابقة في جنيف أو مونترو، لأن “عرّابَيه” الإيراني والروسي صادقا على هذا المخرج من الأزمة.
إن المادة ٧ من البيان الختامي لاجتماع فيينا تُزعج نظام دمشق بصورة خاصة: “ينبغي تنظيم انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.. تتوفر فيها أعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمصداقية، وتكون حرة وعادلة، ويشارك فيها جميع السوريين، بما فيهم السوريون الموجودون خارج البلاد“.
”تلك نهاية النظام”، حسب ما يقول وزير سوري سابق موجود الآن في المنفى. فإذا كان ١٠ إلى ١٢ مليون سوري يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فإن عدداً مساوياً تقريباً يعيش في المناطق الخاضعة للمعارضة او في المنفى. ويصعب تصوّر أن تصوّت أغلبية هؤلاء لصالح الأسد. إن مشاركة سوريي المنفى في الإنتخابات يمثّل، بالتالي، فخّاً لنظام الأسد.
وكان بشار الأسد قد حصل على ٨٨،٧ بالمئة من الأصوات في انتخابات ٢٠١٤ التي اقتصرت على المناطق الخاضعة للنظام وعلى السفارات السورية في الدول الصديقة للنظام. وإذا ما صوّت سوريو المنفى، يُمكن أن يُهزم الأسد أمام مرشح من الإخوان المسلمين، أو مدعوم منهم، حيث أنهم الوحيدون الذين يملكون جهازاً قادراً على تعبئة سُنَّّة المنفى,
وقد شعرت دمشق بأن هنالك فخاً منصوباً لها فور انتهاء مؤتمر فيينا. “إن بلداناً مؤيدة للثوار مثل السعودية أو قطر يمكن لها بسهولة أن تشتري أصوات اللاجئين في لبنان أو الأردن”، قال مقرّب من الأسد ناصحاً الطبقة الحاكمة في دمشق بأن “تلعب بذكاء، وإلا فإن عليكم أن تحضّروا حقائبكم للرحيل“. ويوم الثلاثاء، حينما كان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران، عادت الصحافة المؤيدة للنظام إلى التنديد “بالتدخلات الخارجية” في مرحلة الإنتقال التي ابتدأت في فيينا.
ويقول ديبلوماسي على صلة بالنظام “شعرت أنه متخوفون من فيينا ولكن مطمئنون إلى الدعم العسكري الروسي”. والواقع أن البيان الختامي لمؤتمر فيينا كان مستوحىً إلى حد كبير من مواقف حلفاء النظام الروس والإيرانيين. فالمادة الأولى تنص على “وحدة واستقلال وسلامة أراضي سوريا، وكذلك على طابعها العلماني”. وهذا يعني انتهاء مشروع الحكم الذاتي الكردي في الشمال. إن الإشارة إلى الطابع “العلماني”، التي انتزعها جون كيري في نهاية المحادثات، تمثل هزيمة واضحة للسعودية وقطر وتركيا التي تؤيد المتمردين الإسلاميين.
إما المادة ٢، التي تنص على “صيانة مؤسسات الدولة“، فتتناسب مع مطالب الروس بالحفاظ على جيش قادر على ضمان .الأمن في كل أنحاء سوريا
. وفي ما بين السطور، فذلك يعني الحفاظ على العلويين كعامود فقري لجهاز الدولة في سوريا الغد. وهذا أمر سيكون صعباً على السعوديين هضمه. وذلك سبب الشجار العنيف بين عادل الجبير وجواد ظريف الذي تدخل جون كيري لوضع حد له.
إن شيئاً لا يضمن أن تسفر اجتماعات فيينا عن انتقال تفاوضي للسلطة. فلا النظام، ولا المعارضة، شاركا في الإجتماع الأول. أما “داعش” و”النصرة” فما يهمهما هو الكفاح المسلح. مع ذلك، بإطلاقها مساراً سياسياً فور مباشرة تدخلها حملتها العسكرية، فإن موسكو تظهر جدية سياساتها.
ولاسترضاء السعودية وتركيا، فقد وعدهما بوتين بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وذلك هاجس الأنظمة الملكية السنّية. إن الأسد وحلفاءه الإيرانيين سيعارضون ذلك. ولكن، مع الدخول في تفاصيل المرحلة الإنتقالية، فإن الجميع بدأ يعتاد على فكرة “سوريا ما بعد الأسد”- بما في ذلك حلفاؤه الروس أو حتى الإيرانيون.
الأصل الفرنسي:
Syrie : pourquoi les négociations de Vienne inquiètent Assad