ربما لم يحن الوقت بعد لتحليل أسباب “عدم استعداد” النظام الطبي الفرنسي، الذي كان الأفضل في العالم، لمواجهة فيروس كورونا. ولكن، ربما كان مفيداً إجراء مقارنة “صادمة” للأرقام الفرنسية والألمانية. فقد شهدت ألمانيا حوالي ضعف حالات الإصابة في فرنسا (٥١ ألف إصابة في ألمانيا، مقابل ٣٢ ألف إصابة في فرنسا)، ولكن عدد الوفيّات فيها وصل إلى ٣٥١ وفاة مقابل ٢٠٠٠ وفاة في فرنسا! وهذا الفارق الهائل لا يعود إلى أية فوارق في مستوىات التطبيب في البلدين، بل يرتبط بالميزانيات. رقم واحد مُلفِت للنظر: كيف انخفض عدد “الكمامات” التي تملكها وزارة الصحة الفرنسية من ٧٢٠ مليوناً في فترة ٢٠١٢-٢٠١٧ إلى ١٥٠ مليون كمامة في ٢٠٢٠؟
بيار عقل
*
يجتاح فيروس كورونا المستجد فرنسا حيث يستعد النظام الصحي لتلقي صدمة الوباء، فيما قررت الحكومة الجمعة تمديد الحجر المنزلي المفروض على المواطنين لشهر على أقل تقدير حتى 15 نيسان/أبريل.
وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب أنه “في ختام الأيام العشرة الأولى للعزل، من الواضح أننا لا نزال في بداية الموجة الوبائية”، موضحا أنها “اجتاحت الشرق الكبير منذ بضعة أيام، وهي تصل إلى منطقة إيل دو فرانس (حيث باريس) وأعالي فرنسا” في الشمال.
وسعيا لاحتواء انتشار الفيروس، أعلن تمديد تدابير الحجر المنزلي الساري المفعول منذ 17 آذار/مارس لأسبوعين إضافيين على أقرب تقدير حتى 15 نيسان/أبريل، محذرا من أن “هذه الفترة يمكن بالطبع تمديدها إذا تطلّب الوضع الصحي ذلك”.
وتسبب الوباء حتى الآن بحوالى ألفي وفاة سجلت في المستشفيات فقط، وبينها فتاة عمرها 16 عاما، هي الضحية الأصغر سنا للمرض.
ويستعد النظام الاستشفائي الفرنسي الخاضع لضغوط شديدة في شمال البلاد، لصدمة تفشي الوباء ولا سيما في المنطقة الباريسية البالغ عدد سكانها أكثر من عشرة ملايين نسمة.
وحذر المدير الطبي للأزمة لدى مستشفيات منطقة باريس البروفسور برونو ريو صباح الجمعة “نوسع الجدران في كل مكان لاستقبال أكبر عدد ممكن من هؤلاء المرضى في أقسام الإنعاش”، موضحا “لم نبلغ بعد مرحلة الاستقرار في مسار انتشار الوباء، سيتحتم إيجاد حلول”.
وقال المدير العام للصحة جيروم سالومون مساء الجمعة إن منطقة “إيل دو فرانس لم تستنفد قدراتها في المرحلة الراهنة” لكن “علينا استباق الوضع”.
“سيتحتم علينا الصمود”
وإزاء أرقام وصفها مدير وكالة الصحة في “إيل دو فرانس” بأنها “هائلة” في بعض نقاط هذه المنطقة حيث الكثافة السكانية عالية، قالت ممرضة طلبت عدم كشف اسمها “إننا ننتقل إلى طب حربي”.
وتحاول السلطات امتصاص الصدمة وتفادي استنفاد قدرات المستشفيات، من خلال إجلاء عشرات المرضى في قطارات وطائرات عسكرية من الشمال إلى المناطق الأقل تفشيا للوباء.
وقال رئيس الوزراء إن الموجة القادمة “عاتية جدا تفرض ضغوطا لا ترحم على نظام الرعاية بالكامل ونظام الاستشفاء بأكمله” مضيفا “سيتحتم علينا الصمود”.
ووصل عدد الوفيات جراء فيروس كورونا المستجد منذ ظهوره في فرنسا إلى 1995 وفاة، بينها حوالى 300 سجلت خلال آخر 24 ساعة، وفق الحصيلة الرسمية الصادرة مساء الجمعة.
وبذلك يكون عدد الوفيات في المستشفيات ازداد بأربعة أضعاف خلال أسبوع.
ولا تشمل هذه الأرقام المرضى الذي توفوا في منازلهم أو في دور المسنين التي تعاني وضعا في غاية الصعوبة إذ يقدر عدد الوفيات فيها بالعشرات على أقل تقدير، في غياب رقم دقيق.
وفي مواجهة هذا الوضع الكارثي، تعتزم السلطات فرض الالتزام بالقيود على التنقلات، وتم تحرير أكثر من 225 ألف محضر حتى الآن بتهمة انتهاك تعليمات الحجر المنزلي، من أصل 3,7 ملايين عملية تثبّت جرت حتى الآن، على ما أفاد وزير الداخلية كريستوف كاستانير.
ويخشى الفرنسيون الذين يلزمون منازلهم منذ أكثر من أسبوع، العواقب الصحية إنما كذلك الاجتماعية للأزمة.