هل كانت حركات “الربيع” العربي ستُهزَم، كما هُزِمَت فعلاً، لو أنها قامت في بيئة “غير عربية” و”غير إسلامية”؟ في بيئة بوذية، أو هندوسية، أو أوروبية مثلاً؟ أو، بصورة ملطّفة: هل تتحمّل جماعة “الإخوان المسلمين”، وراعيها القَطَري، والجماعات السلفية، مسؤولية وصول مشروع “التغيير العربي” إلى طريقٍ مسدود، عبر رفع شعار تطبيق “الشريعة”، هذه “الشريعة” الذي لا يعرف أحد ما هو تعريفها؟
أسئلة نعتقد أنها مهمة للإجابة على سؤال: لماذا استحال على عرب “الربيع” أن يحقّقوا القطيعة الحاسمة مع حاضرهم السياسي-الثقافي، كما فعل الأتراك مثلاً قبل قرن من الزمان؟ وكما فعل اليابانيون بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية (قبل ٧٠ عاماً)؟
في أي حال، “خيبة الأمل” المريرة من سقوط “الربيع العربي” تمتدّ من الصين إلى.. إيران، كما تُظهر شهادة مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية من طهران.
بيار عقل
*
يحمل ضريح “علي رضا مشجّري” شعار حرس الثورة- وهو يد تحمل رشاشاً- منقوشاً في الرخام، وكلمة “شهيد” قبل عبارة “مُدافِع عن المراقد المقدّسة”. وكان الكابتن “علي رضا مشجّري”، المدفون في القسم ٢٦ من مقبرة “بهشتي زهرة” الهائلة الإتساع أول إيراني يسقط في العراق منذ ظهور “داعش”. أما “المراقد المقدسة” فتشير إلى “النجف” و”كربلاء”، المدينتين المقدّستين لشيعة العراق.
وفي القسم ٢٧، يوجد ضريح “سعيد قرلقي”، وهو عبارة عن كومة تراب فوقها زهور حمراء. وعلى مقربة، يوجد ضريح شقيقه “حميد” الذي قُتِل أثناء الحرب بين إيران والعراق (١٩٨٠-١٩٨٨).
لم يصدر أي بيانٍ رسمي لدى سقوط “علي رضا مشجري” في يونيو ٢٠١٤. ففي صيف العام الماضي، كانت إيران تُنكِر وجود قوات إيرانية داخل العراق. ولكن الوضع تغيّر الآن. وفي الآونة الأخيرة، باتت إيران تدافع بدون تحفّظ عن انخراطها في القتال ضد السنّة السلفيين من “الدولة “الإسلامية”. وقد أشارت كل مواقع الإنترنيت الإيرانية إلى المكان المحدد الذي سقط فيه “سعيد قرلقي” وإلى ظروف مقتله في “سامرّاء” بشمال بغداد، حيث يوجد ضريحا “علي الهادي” و”حسن العسكري”، أي الإمامين العاشر والحادي عشر للشيعة.
إن الوحشية التي تحرص “الدولة الإسلامية” على تسجيلها في شرائط فيديو، والخوف من انتقال عدوى العنف إلى داخل الأراضي الإيرانية، يذكّران الجمهور الإيراني بكوابيس حرب إيران مع العراق. ومن جهتها، تكثر السلطات الإيرانية من التصريحات المثيرة للذعر حول خطر تعرّض إيران للغزو أو لعمليات لزعزعة استقرارها!
وحذّر قائد القوات البرية الجنرال “أحمد رضا بوردستان” في تصريح أمام أعضاء البرلمان، في آخر شهر مايو، من أن “القوات الإرهابية والسَلَفية قريبة من حدودنا”. وقال أن عناصر من “الدولة الإسلامية” وصلت قبل سنة إلى “جلولاء”، على مسافة ٤٠ كيلومتر من حدود إيران، وحاولت أن تدخل إلى إيران. ولا تترك كلماته أي شك في وجود قوات برّية إيرانية داخل العراق:”لقد جهّزنا خلال ٣ أيام ٥ ألوية لمواجهتهم. وتقدمت قواتنا البرية وهليكوبترات الإستطلاع التابعة لنا مسافة ٤٠ كيلومتر داخل العراق”. وحذر وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي من أنه “”إذا ما اقتربت داعش إلى مسافة ٤٠ كليومتر من حدودنا وسعت للإساءة لأمننا، فإن إيران ستتدخل”.
شعور قومي قوي
استفادت الجمهورية الإسلامية من انخراطها ضد “الدولة الإسلامية” لتحسين صورتها في أعين الشعب الإيراني الذي لا يكنّ أي إعجاب لذلك التنظيم. وأفضل مثال على ذلك هو تعاظم شعبية “قاسم سليماني”، مسؤول عمليات الحرس خارج إيران.
سليماني تجنّب المشاركة في قمع المتظاهرين!
وتقول عالمة اجتماع إيرانية تحرص على عدم ذكر اسمها أن “الشعور القومي شعور قوي لدى الإيرانيين. وحيث أن قاسم سليماني يدافع عن أراضي إيران ويقاتل ضد العدو، فالناس ينظرون إليه كبطل حربي”. وتلاحظ أن شعبية سليماني ترتبط كذلك بأنه لم يلعب دوراً في عمليات القمع التي حدثت في يونيو ٢٠٠٩ ضد المتظاهرين الذين احتجوا على انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً!
واتفاق فيينا
وهنالك عامل آخر يساعد الجمهورية الإسلامية على تحسين صورتها في نظر الرأي العام الإيراني، وهو توقيع اتفاق فيينا في ١٤ يوليو. إن إمكانية رفع العقوبات الدولية، وكذلك عودة إيران إلى المسرح الدولي، قد أسكتت كل الإنتقادات. ولم يعد أحد تقريباً يدعو إلى تغيير سياسي جذري!
وتقول عالمة الإجتماع الإيرانية أن “الذكريات المريرة لحرب إيران مع العراق، وحالة عدم الأمن المنتشرة في المنطقة، والكوابيس التي يعيشها السوريون والعراق، وفوق ذلك هزيمة “الربيع العربي”، كلها عوامل تقنع الإيرانيين بأن هنالك حلاً وحيداً لتحسين أوضاعهم: وهو النشاطات المدنية والسياسية السلمية”.