القاهرة وأبوظبي حذّرتا من أنّ ضمّ الضفّة الغربية سيعرّض اتفاقات السلام مع إسرائيل للخطر.
تدعم الدول العربية الخطة الفرنسية-السعودية لإنشاء دولة فلسطينية، التي تمّ إعدادها خلال الأشهر الماضية بالتوازي مع اعتراف الأمم المتحدة هذا الاثنين بفلسطين، غير أنّ بعض هذه الدول تشعر بقلق بالغ من الانتقام الإسرائيلي الذي قد ينجم عن ذلك، في وقت لا تعرف فيه الحرب على غزة أي هدنة. «لقد عبّر الرئيس المصري السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد عن القلق بشكل واضح. نحن على بعد دقائق من منتصف الليل»، يحذّر دبلوماسي فرنسي عمل منذ أشهر على هذا الملف.
مصر، أول دولة وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1979، وهي مجاورة لقطاع غزة، معنية بشكل مباشر بالحرب التي يشنّها الجيش الإسرائيلي منذ عامين ردّاً على الهجوم الإرهابي لحركة حماس الذي أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي. ومع مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني في غزة منذ ذلك الحين، تخشى القاهرة تدفّقاً جماعياً للفلسطينيين إلى صحراء سيناء المحاذية لغزة.
السيسي لديه كابوس: أنّه بمجرد تجميع مليوني فلسطيني في جنوب قطاع غزة – وهو هدف الهجوم العسكري الإسرائيلي الحالي ضد المدينة الرئيسية في القطاع – فإنّ قصفاً إسرائيلياً لمعبر رفح الحدودي مع مصر سيدفع، تحت ضغط الجيش الإسرائيلي، مئات الآلاف من الغزيين إلى سيناء المصرية. «الرئيس السيسي صرّح بأنّه عندها سيكون معاهدة السلام مع إسرائيل في خطر»، يذكّر الدبلوماسي نفسه.
ومن بين اللاجئين الفارين من القطاع قد يكون هناك مقاتلون إسلاميون من حركة حماس، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، العدو اللدود للسلطات المصرية التي قضت على الجماعة الأم منذ أن استولى المشير السيسي على السلطة عام 2013. ولتفادي هذا السيناريو، يُقال إنّ مصر عزّزت وجودها العسكري في سيناء. وقد أعربت إسرائيل عن قلقها للولايات المتحدة من أنّ ذلك يُعدّ خرقاً لاتفاقيات السلام لعام 1979، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
الزعيم العربي الآخر الذي يقلقه النهج العسكري المتشدّد لإسرائيل هو محمد بن زايد . الإمارات العربية المتحدة ليست لها حدود مشتركة مع غزة ولا مع إسرائيل، لكنها واحدة من أربع دول عربية (إلى جانب البحرين والمغرب والسودان) وقّعت عام 2020، برعاية دونالد ترامب، اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
حتى 7 أكتوبر 2023، كانت العلاقات الإسرائيلية-الإماراتية تسير بشكل جيد. لكن منذ ذلك الحين توتّرت العلاقة. ورغم أنّ أبوظبي لم تجمّد بعد هذه الاتفاقات، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعد مرحّباً به. الهجوم الإسرائيلي الأخير في قطر ضد القيادة السياسية لحماس في المنفى – رغم أنّ حماس عدو لدود للإمارات – ثمّ تهديدات إسرائيل بضم الضفة الغربية رداً على الاعتراف بفلسطين، كلّ ذلك غيّر المعادلة في أبوظبي.
الضمّ «خط أحمر»، حذّر القادة الإماراتيون، من دون أن يعلنوا الإجراءات التي سيتخذونها ردّاً. وبعد قرار إسرائيل في 20 أغسطس بالمصادقة على مشروع استيطاني في منطقة فلسطينية شرق القدس، يهدف إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين وجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلاً، «هدّدت الإمارات بالانسحاب من اتفاقات أبراهام»، وفقاً لمحيط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
«محمد بن زايد وجّه رسالة شديدة الوضوح إلى دونالد ترامب»، يضيف أحد المقرّبين من ماكرون. «إذا أقدمت إسرائيل على ضم الضفة الغربية، فسيتمّ إعادة النظر في اتفاقات أبراهام. وترامب يعتبر هذه الاتفاقات إرثه التاريخي في الشرق الأوسط. فإذا كان يحرص عليها حقاً، فعليه كبح جماح نتنياهو».
هل يستطيع ذلك؟ هل يريد ذلك؟ «نتنياهو يسخر مني»، قال ترامب بحسب قناة “إي 24” الإسرائيلية. ففي 2020، عندما هدّد نتنياهو بضم الضفة، عارضه ترامب مرتين، مقترحاً بدلاً من ذلك تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية.
أمّا الإمارات، مثل بقية الموقّعين على اتفاقات أبراهام، فهل تملك القدرة على المضيّ أبعد من تجميد رمزي لهذه الاتفاقات؟ أفادت وكالة رويترز أنّ أبوظبي هدّدت بخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وقد يكون استدعاء سفيرها من تل أبيب – الذي لم يتمّ بعد رغم الحرب في غزة – جزءاً من الردّ الإماراتي، خصوصاً وأنّ أبوظبي منعت الشركات الإسرائيلية من المشاركة في نوفمبر في معرض الصناعات الدفاعية، وهي الإجراء الانتقامي الوحيد المتخذ حتى الآن.
«لا أعتقد أن الدول الموقّعة على اتفاقات أبراهام ستذهب إلى حد إلغائها، لأنّ لإسرائيل الوسائل لردعها»، يقول مصدر أمني فرنسي مطّلع على شؤون الخليج لصحيفة لوفيغارو. وبحسب هذا المصدر، «تزويد هذه الدول ببرنامج التجسس بيغاسوس كان منذ ما يقرب من عشر سنوات في قلب الدبلوماسية الإسرائيلية تجاهها. فقد استثمرت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في الأجهزة الأمنية المحلية، التي أصبحت اليوم تعتمد إلى حد كبير عليها، حيث إن استخدام بيغاسوس يعني عملياً وضع اتصالاتها على سحابة تديرها الأجهزة الإسرائيلية، التي تراكم بذلك كماً هائلاً من الملفات على عملائها العرب، وربما تمسكهم بالابتزاز».
في الخطة الفرنسية-السعودية، يترافق الاعتراف بفلسطين مع نزع سلاح حماس، الذي تعارضه الحركة، ولن يتمّ إلا بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل والحركة الإسلامية. ورغم أنّ هذا الهدف لم يتحقق بعد، تعمل فرنسا وبريطانيا، بالتنسيق مع مصر والأردن، على التحضير لمرحلة ما بعد حماس في غزة.
مئات من عناصر الشرطة الفلسطينية يتلقّون تدريبات في مصر والأردن تمهيداً لهذا النزع للسلاح الذي ترى باريس أنه لا يمكن أن يتم إلا عبر «قوى محلية»، مع إمكانية أن تنضمّ لاحقاً قوات أجنبية – على الأرجح عربية – لإدارة غزة. وهذه القوات تابعة للسلطة الفلسطينية، التي بقي بعض عناصرها في غزة بعد طردها منها عام 2007 على يد حماس.
في باريس، يُعتبر أنّ نزع سلاح حماس – وهو ركن آخر من أركان الخطة الفرنسية-السعودية إلى جانب إقامة منظومة أمن إقليمية توسيعاً لاتفاقات أبراهام – لم يعد هدفاً بعيد المنال. فبحسب التقديرات الإسرائيلية، تعاني الحركة من نقص في المتفجرات ولا تملك سوى 10 آلاف سلاح فردي. وقد أُعيد تشكيل جناحها العسكري – الذي كان يضمّ 25 ألف مقاتل قبل 7 أكتوبر – لكنّ ذلك تمّ عبر تجنيد أكثر من 10 آلاف شاب غير ذي خبرة، ليحلّوا محلّ 10 إلى 15 ألفاً من القادة الذين قُتلوا على يد إسرائيل خلال العامين الماضيين.
«نحن في لحظة مفصلية»، يصرّ المحيطون بإيمانويل ماكرون: «إمّا أن نكون قادرين جماعياً على المضيّ نحو حل الدولتين، أو أنّنا ذاهبون نحو مزيد من المآسي» في الشرق الأوسط.
إقرأ الأصل بالفرنسية:
Annexion de la Cisjordanie : l’avertissement de l’Égypte et des Émirats arabes unis
