١ ـ- لا يجوز ان تسقط ثورة الحرية بسقوط التيار المتمذهب، الذي عسكرَ الثورة وطيّفها وقوّضَ طابعها السلمي، وناهض مشروعَ “الحرية للشعب السوري الواحد”، الذي حملته قطاعات واسعة جدا من السوريات والسوريين، واستبدلهُ بمشروع طائفي/ مذهبي عنيف ومعاد للشعب، اخذ جهات عديدة منه إلى مواقع معادية للحراك الديمقراطي واهدافه، وتوعد من بقي من حملته بالويل والثبور، وقدم، برؤاه وممارساته، خشبة خلاص للنظام الاسدي انجته من الغرق، جسدها نهجٌ مؤدلج، متطرف وارهابي، اقنع العالم ان ارهابه العابر للحدود وليس البديل الديمقراطي هو بديل النظام الاستبدادي، وأن الابقاء على الاسد ونظامه هو الخيار الافضل: صحيح ان الاسد يقتل شعبه، لكن الارهاب المتمذهب يقتل شعوب العالم دون تمييز، مثلما فعل في فرنسا والمانيا وتركيا واميركا، والارهابي الذي يقتل شعبه افضل من الارهابيين الذين يقتلون شعوب العالم!
٢ ـ لاسباب لا بد من التوقف عندها في مناسبات اخرى، فوّت الديمقراطيون على انفسهم فرصة قيادة الحراك الثوري المدني، الذي انطلق منتصف آذار من عام ٢٠١١… واليوم، وقد انهار في “حلب” وقبلها خط ُ التمذهب والتعسكر، الذي تبنّته معظمُ التنظيمات المسلحة، يجد السوريون انفسهم امام احد خيارين: انهيار الثورة بسبب هزائمها على يد هذه التنظيمات ، او مبادرة الديمقراطيين ، انصار الحرية ووحدة الشعب، إلى استئناف ثورة الحرية عبر بداية جديدة تستعيد رهانها الاول، الذي جعل منها ثورة لجميع السوريين، لا تميز بين مكوناتهم او تستبعد ايا منها، علي أن يتوقف عملنا المستأنف عند حقيقتين:
ـ اولاهما : مرور قرابة ستة اعوام على الثورة، حفلت بصراعات متنوعة: دولية واقليمية وعربية وداخلية، حوّلت الحدث السوري من تمرّد يضمر ثورة إلى ساحة احتلتها قوى متناقضة المصالح متضاربة السياسات، خارجية اساسا، اخضعتها لحسابات متعارضة صفت بدماء السوريين حساباتها الاقليمية والدولية، ووضعت مصالحها، الكونية الابعاد، فوق مصالحهم ومطالبهم الوطنية، وحجبت مشروعهم الثوري بأن اخضعته لصراعات تحدت قدرتهم على التحكم به، إلى أن جعلتهم ورقة في مهب تناقضات وحروب انزلت بهم كوارث يعانون منها الى يومنا.
ـ ثانيتهما : بسبب غلبة خط الطائفية الاسدية والسلفية والسلفية / الجهادية ، التي ساندها النظام الاسدي وعززها التدخل الخارجي، وافتقار الحراك المجتمعي إلى برامج وخطط وقيادة ثورية وموحدة، اعادت دول مهمة النظر في موقفها من الثورة، وتخلت عن اعتبارها بديل النظام وشككت في فرص نجاحها، واقلعت عن منحها الاولوية في اهتماماته وركزت على الارهاب، وسرعان ما رأت فيها حاضنته، التي تتكفل بتنميته، وتمنحه القدرة على القيام بعمليات خارجية ضد بلدان العالم الغربي، التي لا بد أن تواجهه متحدة من جهة، وان تتخلى من جهة أخرى عن “ثورة” تجهضها انقساماتها وخلافاتها واختراقاتها عربيا واقليميا ودوليا، وتفقدها هويتها وتقوّض بصورة حثيثة وفاعلة رهاناتها الاصلية كثورة حرية، وتستبدلها أكثر فأكثر بتنظيمات وانشطة ورهانات ارهابية، تمثل خطرا لا سبيل إلى كبحه والحؤول دون تحوله إلى تهديد متعاظم لأمن العالم بغير اعطاء الأولوية للحرب ضده ، بعد فشل الثورة في عزله أو ابطاء نموه في احضانها، وعجز الدعم الذي قدمه الغرب والعرب لها عن اقناعها بالمشاركة في مقاتلته، الامر الذي لا يترك لها غير خيار وحيد، واجباري، هو التوقف عن مساندتها سبيلا إلى اضعافه، بينما يعني الاستمرار في دعمها السماح للارهاب بالوصول الى باريس ولندن وبرلين واسطنبول والمدن الاميركية. مرة أخرى: يقتل الاسد شعبه ، في حين يقتل الارهابيون شعوب العالم عامة! فلماذا تمتنع دوله عن القبول به وتتمسك بثورة بدأت للحرية، وما لبثت ان بدلت جلدها وارسلت ارهابيين يحملون اسمها لقتل مواطني بلدان غربية في عقر دارهم، تتطلب سلامتهم اعادة النظر في مواقفها المؤيدة للسوريين وثورتهم، والمبادرة إلى تقليص مواردها ، لجعلها تتلاشى وتتراجع عقابا لها على فشلها في ان تبقى ثورة للحرية، كتلك التي عرف العالم موجتيها الثانية والثالثة، دون ان تتحول اية واحدة منها إلى ساحة يحتلها تمرد ارهابي او منتج للارهاب، أو دون ان تخفق في الانتقال السلمي الى نظام ديمقراطي عزز مناعة العالم ضد العنف والفوضى والارهاب.
٣ـ هل سننجح في استعادة الثورة من الذين استولوا عليها، وفي استعادة مكانتها الدولية كحدث مفصلي ينضوي في التحول الديمقراطي الكوني ويمثل اضافة نوعية فيه؟ وهل سنؤهلها لمواجهة مصاعب داخلية وتحديات خارجية نسجت خيوطا خانقة حولها طيلة السنوات الماضية، وقيدت ايديها وشوهت هويتها؟ وهل سنفيد من تضحيات شعبنا وما بذله من جهود للحؤول دون تماهي الارهاب المتعسكر /المتمذهب معها؟. ثمة،هنا، مسألتان تستحقان النقاش، تدور اولاهما حول كيفية اعادة الثورة إلى مكانها من العالم خارجيا، وثانيتهما حول الشروط الداخلية الضرورية للتخلص من الارهاب وتنظيماته القاعدية / الداعشية وتفرعاتها، بعد ان اكدت كارثة “حلب” فشلها في مواجهة النظام وحلفائه، بينما نجحت قبل “حلب” في ضرب وتقويض تنظيمات عديدة تنتمي إلى الثورة ،بما مارسته ضدها من عنف ومذهبية، ونشرته حولها من فوضى فتيت حاضنة الحراك الديمقراطي ودمرتها، واضعفت مقاومتها لارهاب النظام الاسدي، الأمر الذي ادى الى انفصال قطاعات وازنة من المقاومين والحراكيين عن الثورة.
آـ يرتبط وضع الثورة الذاتي وثيق الارتباط بحسابات ومصالح وخطط خارجية ،تضفي طابعا دوليا عليها وتسهم في تحديد فرص نجاحها او فشلها في الداخل السوري. وعلى الرغم من وجود هوامش مستقلة نسبيا لنشاط الثورة الخارجي، فإن وضعها الذاتي وما شهده من ترد خلال سنوات الصراع حال وما زال يحول دون اتخاذ قرار دولي بترحيل الاسد ونظامه، وبقبول التغيير الداخلي المطلوب شعبيا. في هذا السياق، لا بد من الاعتراف بتراجع نشاط الثورة الخارجي خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وبانعكاسه السلبي إلى ابعد حد على علاقات العالم بالائتلاف كمؤسسة معترف دوليا بتمثيلها للشعب السوري. تنطبق هذه الملاحظة على المجال العربي ايضا، الذي لم يلتزم بما يمليه عليه بعده القومي حيال شعب سورية وأمنه ، وتنكر لواجباته حياله، حسب ما ينص عليه ميثاق جامعة الدول العربية وتعتمده القوانين الدولية الانسانية، ويتعين بحسابات تمليها علاقات دول وشعوب لا ترتبط باواصر اموية او قومية، تاريخية وثقافية ولغوية ودينية ومصالحية… الخ. بغياب الالتزامات العربية تجاه الثورة ، التي يمليها انتماؤها إلى المجال القومي ، خضعت علاقات البلدان العربية معها لارادات ومصالح الدول الكبرى والاقليمية، المنخرطة في الصراع السوري، وغاب نمط العلاقات الخاصة ، التي يلزمها به الانتماء إلى امة واحدة ، فلا عجب ان بقيت صلاتها بالسوريين برانية ومتحفظة، رغم تأثيرها الخطير على اوضاعهم الداخلية والخاصة . بهذه العيوب الذاتية، التي طبعت انشطة ومواقف المعارضة ، تراجعت صدقية الثورة في المجال الدولي قبل غيره، ثم شرعت تتلاشى مع تهاوي حاملها الديمقراطي تحت وطأة الصعود الاصولي / الارهابي، وحلول مشروعه المتمذهب محل البديل الديمقراطي ، وتفاقم التدمير الذي حل بالمجتمع السوري ، الذي كان حظي حراكه السلمي بقبول دولي واسع أول الأمر، لكنه تراجع بدوره مع تقدم التمذهب والعسكرة. ما هو الوضع الذاتي الذي تمس حاجتنا إليه؟. باختصار شديد ، إنه الوضع الذي يقنع الاطراف العربية والاجنبية المنخرطة في الصراع السوري ان مصالحها لن تتحقق دون تحقيق مطالب الشعب السوري ، وفي مقدمها رحيل الاسد واقامة نظام ديمقراطي، وأن تجاوز الثورة والانحياز إلى النظام يقوض قدرتها على تحقيق اهدافها في سورية وما وراءها . هل نستطيع اقامة هذا الوضع بقوانا الخاصة ،دون دعم الخارج؟. هذا امر صعب في المسائل التي تتقاطع عندها سياساتنا ومصالحنا مع السياسات والمصالح الخارجية، لكنه ممكن عند المستوى المستقل نسبيا لشعبنا ، حيث يرتبط وضعه الذاتي بنا،ونستطيع اعادة تنظيمه ،وأزالة عيوب ونواقص مؤسساته السياسية وتنظيماته العسكرية، وتوطين خياراته في واقع من صنعه، محرر من العشوائية والارتجال والفوضى ، ومن العوامل التي لا سيطرة له عليها. لا حاجة إلى تأكيد اهمية وحدة المجتمع والمجال السياسي والعسكري بالنسبة لبلوغ وضع ذاتي ثوري، وامتلاك القدرات الضرورية لتغيير مواقف الدول من المسألة السورية ، المحكومة منذ اعوام بمسار انحداري تسببت به عوامل ذكرت بعضها، واضيف إليها الآن الافتقار الى نخبة ثورية مؤهلة لوضع برامج وخطط تترسم مسار الثورة استباقيا ، وعيوب بنية المؤسسات المعارضة وضعف قياداتها وعجزها عن الارتقاء الى مستوى قيادة ثورية قادرة على ايصال الشعب والوطن إلى اهدافهما .
ب ـ هذا الوضع الذاتي هو ما يجب على القوى والتيارات والشخصيات الديمقراطية اقامته في اعلى حدوده ، بدءا بتحديد مساره السياسي ومستلزمات وأسس تصويبه ،وبلورته في برامج وخطط تغير ترجمتها إلى افعال ووقائع موازين القوى لصالح ثورة الحرية والمواطنة المتساوية، وتوفر للحراك الثوري السلمي ما افتقر اليه كطية السنوات الست الماضية : القيادة الثورية التي تدير الصراع بما يتفق ومصالح الشعب وتقدم نضاله الثوري. بما ان بلوغ الحد الاعلى يتطلب، بين اشياد أخرى، وضع القيادة في يد قوى الحرية والديمقراطية ، فإن هذا الاحتمال يبدو اليوم مستبعدا أو مستحيل الوقوع ، لكن هذا لا يعفي هذه القوى من صياغة برنامج يفضي إليها في مقبلات الايام ، ركيزته استنهاض الحراك المجتمعي السلمي والمدني بقطاعيه الحديث والاهلي ،في حاضنة الحرية والمواطنة ، التي لا يجوز ان يحيد عنها ، وما يتطلبه الاستنهاض من خطط توطد التحالف بين قطاعي المجتمع الحديث والاهلي بوسائل وآليات ديمقراطية ، وتوحد خيارات وانشطة مختلف فئات النخب المدنية ، التي لعبت الدور الرئيس في التحضير للثورة كما في انطلاقتها وقيادة مرحلتها السلمية الأولى، وحال استهدافها بحل النظام الامني/ العسكري وصعود التمذهب المدروس مخابراتيا دون امتلاكها الوقت والخبرة الكافيين لبلورة قيادة موحدة للنضال، من شأنها تحويل الحراك إلى ثورة. هذا اولا . ثانيا: لا بد من العمل لاستعادة دور القطاعات المجتمعية الواسعة جدا، التي تعاطفت مع الثورة وان لم تنخرط ايجابيا فيها، ثم خرجت من الشأن العام خوفا من عنف النظام والتعسكر المتمذهب ضد المحايدين ،الذي استهدفها ونجح في تقليص طابع الحراك المجتمعي واضعف شرعيته الوطنية والشعبية ، وكبح بجهود النظام والمتمذهبين المتكاملة الثورة واغرقها تدريجيا في حرب معقدة متشعبة طرفها الأول الرئيس المسلمون السنة وطرفها الثاني العلويون والشيعة، ومن وقف إلى جانبهما من”الاقليات” عموما . باستعادة الحراك وتوحيده حول قيم الحرية والمواطنة ووحدة الشعب ، وبقيام النخب بدور قيادي او توجيهي فاعل وطنيا، وبجمع الطرفين المدني والاهلي في الحراك المتجدد، وببث الروح من جديد بين انصار التغيير ،الذين شتتهم او كسبهم النظام الأسدي ، او انحازوا إلى التمذهب والتطييف،او انطووا على انفسهم ، سيستعيد الحراك راهنيته وسلميته، ويتحول ببرامجه وقيادته الى رافعة وطنية مفتوحة على ثورة تخترق مجتمعيتها حدود الطوائف، تضم فئات شعبية متنوعة، وتقلب عسكرتها الى مقاومة تضع بندقيتها في خدمة اهداف سياسية وطنية / ديمقراطية ، بعد ان كانت السياسة خاضعة لبندقيتها المتمذهبة، المعادية لحرية الشعب ووحدته ، وللسياسة وممثليها، والتي يرعاها تجار حروب وامراء اخويات طائفية يشارك فيها النظام والتنظيمات .
٤ـ لن ينمو الخيار الديمقراطي/ الوطني ما لم يخض معركة استراتيجيتها العليا مقاومة عسكرة وتمذهب وطائفية النظام الاسدي والتنظيمات في آن معا، وبالمقابل ، من أجل اقرار المواطنة المتساوية في نظام دستوري وقانوني ديمقراطي ، تجسده كخيار تاريخي كتل مجتمعية تمون وازنة سياسيا اليوم، حاسمة غدا، تركز جهودها السياسية والاعلامية والتنظيمية على منع سيطرة الرايات السوداء على الحراك المتجدد، ومقاومة واحباط مشروعها الفئوي / التمييزي المعادي لقيم وثورة المساواة والعدالة السورية، وتقوض علاقات الشعب بها، بعد ان بدأ يجاهر برفضه لها ،عقب كارثة حلب، بينما اخذ الشباب من الجنسين يستعيدون تدريجيا موقعهم من الحراك الوطني / الثوري ، المتجدد والمتصاعد . بما أن الحامل المجتمعي الذي سيستعيده النضال الديمقراطي سيضم قطاعي المجتمع المدني الحديث والاهلي / التقليدي، اللذان يجب ان توحدها المواطنة وحرية الشعب السوري الواحد ، فان على النضال الوطني / الديمقراطي العمل لمنع تمذهب التنظيمات وطائفية النظام من فصل حاملي الثورة هذين احدهما عن الآخر ، وعليه أن لا يتساهل حيال اي طرف يستهدف كبح نشاطهما الثوري، او اخضاعهما لزعامات كتلك التي قاومت القطاع المدني الحديث ،وقوضت نهجه وحراكه وعلاقاته بمحيطه ، بالتكامل مع جهود النظام التي شجعتها ودعمتها ، لثقتها بأنها لن تلبث أن تعزز صفوف منتسبي القاعدة وداعش، رعزز دور رجال الدين تقليديي التفكير، وصغار التجار، والشبان الأغرار الذين برزوا خلال تحول الحراك الى عسكرة، واتسم وعيهم بالعشوائىة والارتجال، وعملهم بالتخبط وانعدام الخبرة والمعرفة ، وامتلأت كلماتهم بمفردات معادية للحرية رافضة لسلمية الثورة ولبديلها الديمقراطي، ناهيك عن نظام المواطنة المتساوية. هذه القيادات اتبعت منحى مذهبيا اكمل عنفه جهود النظام لتطييف الصراع وتحويله الى اقتتال مذهبي ، وارسى حجر الاساس لظهور وصعود “الدولة الاسلامية” ، ” داعش” ، التي ارعب خطرها الداهم عموم السوريات والسوريين ، ووحد ساسة وعسكر النظام وراء الاسد طائفيا، وزجهم في حرب شعواء ضد كل من لا ينتمي اليهم ، عدا ارهابيي النصرة وداعش . بقدر ما نستعيد وحدة النخب الديمقراطية والمجتمع الاهلي كحاملين للبديل الوطني /الديمقراطي، بقدر ما نمهد لاستعادة الثورة، ولتوحيد المجتمع السوري بجميع فئاته ومكوناته، وننجح في اقناعه بهجر الطائفية الاسدية وتمذهب وتعسكر الارهاب.
علينا ، كوطنيين/ ديمقراطيين ، التمييز بين مستويات ثلاثة : التنظيم السياسي، الذي يجب ان يضم القادرين على صياغة الرؤية الاستراتيجية وعلى ترجمتها إلى مهام عملية ، من خلال برامج وخطط تغطي سائر مجالات الحراك والثورة السياسية والمقاومة ، والنخب الديمقراطية، التي لا بد لفصائلها المختلفة أن تتحد حول الرؤية والبرامج والخطط وتكون حاملها ، والحامل المجتمعي ، الذي يجسد وحدة المجتمع الاهلي حول الحرية والمواطنة والخيار الديمقراطي . بما أنه تم التطرق إلى توحيد النخب والحامل ، فإن الحديث سيدور الآن حول بناء اداة النضال الديمقراطي التنظيمية كجهة مستقلة وموحدة وقادرة على ممارسة دور قيادة وطنية تحدد وتوجه النضال الديمقراطي بمختلف اصعدته. هذا المستوى يرتبط بتنظيم وتوحيد النخب الديمقراطية سياسيا وحزبيا ، في اطار يتعين بظرف تاريخي جديد فرضه علينا الاستبداد المتمادي والشامل ، يضعنا امام بديلين لا ثالث لهما : احدهما اسلامي والآخر ديمقراطي. بما اننا من انصار البديل الديمقراطي ، فإن هدفنا لا بد ان يعطي الاولوية لاقامة ميزان قوى يمنحه الارجحية على البديل الآخر : الاسلامي. من الأهمية بمكان أن نعمل لتحقيق هذا الهدف استعدادا لحقبة ما بعد الاسد. فلنبدأ إذن ، ومنذ اليوم، بتجميع قوى الحراك المدني والديمقراطية على اسس برنامجية وخططية جاء معظمها في الندائين اللذين اصدرناهما، ومن شأن تطبيقها تمكين الخيار الديمقراطي من التحول إلى جهة ثورية تترابط خطواتها التكتيكية وصولا إلي الهدف الاستراتيجي : تحول سورية إلى دولة ديمقراطية يتعين نظامها بالمواطنة وحقوق الانسان ،وبالمساواة والعدالة وحكم القانون . خلال مرحلة الانتقال ، التي لن تنجز بقوي الديمقراطيين بمفردها ، ولن تقهر الاستبداد دون تعاون يجمع القوى السياسية المنتمية إلى الطبقة الوسطي بفئتيها : الديمقراطية والاسلامية ، ودون توحيد هذه الطبقة ذات الحضور المجتمعي الواسع جدا ، والتي تعتبر عموما حامل السياسة والفكر الرئيس في مجتمعنا ، بعد أن اخرجها الاستبداد من المجال العام خشية أن تنازعه عليه ، وتناهضه ، ومن المهم جدا أن يكون احياوها مشروعنا السياسي البعيد المدى ، وأن نتعاون مع ذلك القطاع الاسلامي منها ، المطالب بالتغيير والمعادي للاستبداد ، ويلزمنا الخروج من الاحتجاز السوري الراهن ببلورة اسس موحدة نتوافق عليها معها، توجه نضالنا المشترك وتستند في آن معا إلى العداء للمذهبية والقبول بالنهج الوطني/ الديمقراطي، الرافعتان الفكريتان / السياسيتان ، اللتان إن اعتمدهما الطرفان توصلا إلى مشتركات تقربهما احدهما من الآخر وتعزز تعاونهما باعتبارهما مكوني المجال السياسي الرئيسين، كما تنعكس ايجابيا على حواملهما المجتمعية ، التي دعمت بقوة خلال مرحلة الثورة السلمية الحراك الديمقراطي ، ويعني توحيدها تأسيس رافعة مجتمعية قادرة على سحب البساط من تحت اقدام النظام ، واقامة فاعدة واسعة جدا لمقاومته واستمرار معركة الشعب ضده، بفضل ما ستتم صياغته من اسس عابرة للخلافات السياسية ،تتصل بوحدة الدولة والمجتمع وبتأسيس النظام الديمقراطي في حاضنة جديدة لحمتها وسداها الحرية والمواطنة، هي التي حملت الثورة وادامتها، فان تم الالتزام المشترك بها ورسم الطرفان خططهما وبرامجهما في ضوئها ونجحا في ترجمتها إلى سياسات عملية اولويتها تقويض الاستبداد كنظام وكمشروع ، امكنهما بناء ميذان القوي المطلوب للخروج من النظام الاسدي ، وتخطي ما بينهما من خلافات ، والانتقال بنضالهما من مرحلة التحول الديمقراطي الاولى، القائمة على تبينات مواقفهما وخياراتهما ، إلي مرحلته الثانية ، المستندة إلى توافقاتهما ومشتركاتهما المتعينة بالاسس المذكورة ،التي تمس الحاجة الآن إلى بلورتها عبر حوارات بين الاطراف السياسية الراغبة في استعادة دور فئات الطبقة الوسطى في المجال العام ، وبالتالي في جسر الهوة بين مكوناتها ، ومنع النظام من الافادة من وضعها الراهن ، حيث الخلافات سيدة المواقف ، والقطيعة خيار الجميع ، والنظام البديل محل صراع يفوق في ضراوته صراع الديمقراطيين والاسلاميين ضد نظام الاسد الاستبدادي . هذا التعاون ، الذي سيكون له دور حاسم في مقاومة واسقاط النظام والانتقال الديمقراطي ، لا بد ان يشمل المرحلة الثانية من التطور السياسي / الديمقراطي، التي ستنتهي بازالة النظام عن صدر سورية ، عندئذ سنصل إلى مرحلة ثالثة من هذا التطور هي مرحلة افتراق محتمل بين الديمقراطيين والاسلاميين ، سيترجم خلالها كل طرف منهما الاسس المشتركة إلى قراءة خاصة به، يرجح ان تختلف عن قراءة الآخر ، عقب انتصار انتخابي يحرزه احدهما يمكنه من تشكيل حكومة حزبية بمفرده، دون ان يتخلى عن الاسس المشتركة ومبادئها الموحدة، التي تتيح قراءات متباينة في اطار التزامهما التام بهما، الذي سيحقق استمراره اختراقا تاريخيا في كل ما يتعلق بوحدة المجال السياسي لبلادنا، ومرتكزات الشأن العام ، واستقلال مجال الدولة السيادي عن السياسات الحزبية، وسيعم الاستقرار فيها ،مهما تصاعدت صراعات الاحزاب وتباينت مواقفها . هذه الاسس هي:
١ـ وحدة سورية ارضا وشعبا، دولة ومجتمعا ، ضمن نظام فيدرالي يمنح مكونات جماعتها الوطنية الحق في ادارة شؤونها بضمانات دستورية وقانونية ، مع بقاء الامن والاقتصاد والسياسة الخارجية في يد دولتها المركزية ، على أن يتم تقرير نمط الدولة الديمقراطية في استفتاء وطني .
٢ـ دستور يبني النظام السياسي والعام على المواطنة المتساوية بين السوريات والسوريين دون استثناء او اقصاء او استبعاد او تمييز ، ويلزم الدولة ومؤسساتها باحترام الحريات العامة والخاصة ، السياسية والشخصية، وبتحقيق العدالة لاجتماعية والمساواة أمام القانون ، وتقنين حقوق الانسان والمواطن كقيم وثوابت يجرم من ينتهكها لاي سبب دون امر او حكم قضائي ، تلتزم جميع الجهات العامة والأحزاب السياسية بها في برامجها وممارساتها.
٣ـ ضمان حق العمل والتعليم والسكن والرعاية الصحية والاسرية لكافة المواطنات والمواطنين ، مهما كانت اعمارهم واوضاعهم الاجتماعية ، وصيانة حرمة المنزل ومنع اي طرف من الدخول اليه دون اذن صاحبة ، أو بامر قضائي ، وصيانة الملكية الخاصة والعامة والمشتركة ، وضمان حق المواطن القانوني فى الوصول إلى المعلومات ونشرها والتعليق عليها ، وفي ممارسة السياسة وتشكيل النقابات العمالية والمهنية والانتماء إليها ، والدفاع عن حقوقه الفردية والعامة ،وفي الحصول على عائد عادل لعمله ، وحقه في محاكمة قانونية عادلة ، وفي عدم توجيه اي تهمة إليه خارج اطار القانون ومن خلال القضاء، وفي البقاء طليقا عند محاكمته بتهم تتصل بحرية الرأي والتجمع والعمل الحزبي السلمي والقانوني ، وحقه في ان لا يحتجز او يعتقل لاي سبب وبأية تهمة دون أمر قضائي يحدد فترة الاحتجاز وحكم يتضمن فترة الاعتقال ، على ان يتم تعويضه عن اي منهما في حال كانت التهم الموجهة اليه باطلة، واخيرا حقه في ابلاغ القضاء والمؤسسات والهيئات الرقابية والتفتيشية الرسمية عن اي انتهاك للقانون او ممارسة للفساد ، تحت طائلة القانون والمسؤولية الشخصية.
٤-ـ فصل السلطات واستقلال القضاء ، ومنع تغول السلطة التنفيذية بفضل صلاحيات متوازنة تتوزعها السلطات الثلاث ،تحول دون انفراد اي منها بصلاحيات لا تخضع او تقبل الخضوع لرقابة تشريعية وقضائية تمارسها هيئة مستقلة تراقب توازن السلطات والتزام التنفيذية منها بالدستور والقانون ، واخضاع الجيش والقوات المسلحة واجهزة الامن الداخلي والخارجي لهيئة برلمانية / قضائية متخصصة بالامن الوطني ، تضم قضاة وبرلمانيين ذوي اختصاص الى جانب ممثلين عن الاجهزة المعنية ، تكمن صلاحياتها في ضبط قانونية ودستورية ما يتخذ من قرارات ادارية واجراءات فيها . وتحدد صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور بما يخدم النظام البرلماني وصلاحيات الحكومة، التي رئيسها رأس السلطة التنفيذية ، بينما يمثل الرئيس الدولة تجاه الخارج،ويتولى مسؤوليات وصلاحيات موقعه دون ان يكون يعطل اي قرار حكومي يحظى باغلبية وزارية أو برلمانية ، وان لا تتخطى فترة رئاسته اربعة اعوام قابلة للتجديد لمرة واحدة ، على أن يتم انتخابه بثلثي اعضاء البرلمان، فان فشل في الحصول على الاصوات المطلوبة ، تم انتخابة في اقتراع عام ينال الأغلبية البسيطة في دورته الثانية .
٥ـ ضمان حرية الاعتقاد والممارسة الدينية، والزام مواطني سورية اناثا وذكورا، ومؤسساتها الرسمية التعليمية والتربوية والادارية / الوظيفية باحترام الدستور والقانون، وبنشر ثقافة التسامح والتوافق والتعاون والحوار، وباشاعة فكر الجوامع المشتركة في كل ما يتعلق بالوحدة الوطنية والعلاقات الانسانية، والتكريس الدستوري للتفاعل الثقافي والمعرفي الحر بين مكونات الجماعة الوطنية السورية ، وتربية الاجيال على احترام هذه المكونات وقيمها وتقاليدها ولغتها وهويتها وخصائصها القومية والوطنية وحقها في التعبير الحر عن دورها والدفاع عن مصالحها عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والابداع الفني والتشكيلي ، والانشطة الجماعية والفردية المتنوعة كتابة ورسما ونحتا وغناء ومسرحا ، وتعريف الاجيال الجديدة بتواريخها واسهاماتها في الشأن الوطني قديما وحديثا ، وتجريم التحريض على كراهيتها او العنف ضدها والانتقاص من شأنها ، وعلى التمييز بين مواطنيها وبينها ، وضمان حق السوريات والسوريين في الابداع، وممارسة التربية الرياضية والهوايات الجمعية والفردية ، وفي تلقي الدعم المادي والمعنوي لهذه الانشطة ، وحماية الطبيعة ورعايتها دستوريا وقانونيا .
٦ـ ضمان النظام الديمقراطي كخيار تاريخي، وطني وانساني للشعب السوري، وتكريس قيم المواطنة كواجب ملزم للاحزاب ووسائل الاعلام والقضاء والبرلمان ومؤسسات وسلطات الدولة ، يعاقب قانونيا كل من ينتهكها او يعتدي عليها من الموظفين العامين ، سواء كان الانتهاك او الاعتداء وقتيا ام دائما . والضمان الدستوري لانماط العلاقات الوطنية الواجبة الرعاية بين التشكيلات والقوى السياسية وبينها وبين المواطنين ، وتحديد التخوم الضرورية للبت في ما ينشأ من خلافات في الحياة العامة ، والوسائل الدستورية الضرورية لانجاز هذه المهمة ، التي تحول بين صراعات المجال السياسي وبين تهديد امن واستقرار الدولة، التي يجب ان تبقي فوق الخلافات وخارج المنازعات السياسية باعتبارها دولة ديمقراطية يضمن دستورها تسوية الخلافات والتناقضات بين مواطناتها ومواطنيها سلميا ، ويحظر استخدام العنف في المجال العام ، من قبل الافراد او الجماعات ، ويحصر الحق باستخدامه في الدولة وحدها، ليس من اجل ان تدخله الى المجال العام ، بل كي تخرجه منه بصورة نهائية .
ـ ستتركز المرحلة الأولى ، الراهنة، من العمل لبناء البديل الديمقراطي على صياغة رؤية تمكننا من كسب الفئات المثقفة والمتعلمة وصاحبة الوعي المدني، التي لها علاقة خاصة مع الحرية كفضاء عام لفكرها وعملها ، ولديها القدرة على القيام بمبادرات سياسية واجتماعية لا تتطلب مرجعيات من النمط الحزبي الذي عرفته بلادنا منذ قرابة قرن ، وتستطيع الانتظام في لجان عمل وطني /ديمقراطي يتساوى اعضاؤها في الحقوق والواجبات وتاليا في المسؤولية والمكانة، ينظمها ترابط مرن تملي التزاماته روح الشراكة في الفكر والعمل والاهداف ، والتفاعل الداخلي الحر فيها ، الذي يسمح به وينميه كيان تنظيمي انتشاري الطابع ، توجهه خطط استباقية تنبذ الجمود الايديولوجي وتغتني بخبرات النضال الداخلي ،المفتوحة على مختلف التجارب ، والخارجي ،المتصلة بالعالم وتجاربه المتنوعة ، التي عرفت تطورا مشابها لتطور ثورتنا، ويمكن للتفاعل الايجابي معها الاسهام في انضاج برامج وخطط تضفي الانتظام والاستمرارية على دور الديمقراطيين في المجال العام، وتمكنهم من بناء تمثيلات تسمح بحق الاختلاف وحرية الدفاع عن وجهات نظر مكوناتها الفردية والجماعية، والتعبير الحر المتاح لكل طرف فيها ، سواء من خلال اللقاءات المباشرة ، أم عبر وسائل الاتصال والنشر العامة وتلك الخاصة بلجان وهيئات الكيان، على ان تنسق لجنة منتخبة من التمثيلات بالتنسيق فيها بينها ، وبلعب دور استشاري في كل ما يتعلق بانشطتها ومبادراتها السياسية والتنظيمية، دون ان تعتبر قيادة أو جهة مرجعية لها، او أن تتمتع بصلاحية اصدار قرارات تلزمها، أو انتهاك حق أي منها في رفض ما تقترحه حواريا وديمقراطيا. بقدر ما يكون اعضاء التمثيلات متقاربين، وبالاحرى موحدين في مواقفهم وافكارهم وخياراتهم ، بقدر ما سيلتزمون بالخيار الديمقراطي وبتطوير علاقاته مع المجتمع وتكريس حقوقه ووزنه الشعبي الفاعل وصوته السياسي المسموع، خلال الفترة الراهنة او بعد الثورة ، لانه من غير الجائز أن يخرج الشعب صفر اليدين من ثورة قام بها وضحى من اجلها، ولأن على الديمقراطيين ان لا يسمحوا لاحد او لتنظيم او نظام بالاستيلاء على حقوق الناس او بانتزاعها منهم . لئن كان من المحال في ظل موازين القوى السائدة ان تستكمل القوى الديمقراطية ثورة الحرية او أن تقودها إلى اهدافها الاصلية ، فإن من الممكن ، بالمقابل، بناء كيان مجتمعي للحراك الديمقراطي يمثله ويوحد نخبه وحامله الاهلي، ويمتلك كل ما هو ضروري من برامج وخطط وقدرات سياسية ومنظمة للحؤول بين من يتولون السلطة وبين القيام بما يتعارض مع مصالح المجتمع السوري ، اليوم وبعد زوال الاسدية ، وعلى الديمقراطيين العمل بجميع طرق النضال لبلوغ هذا الوضع، أكان ذلك بالوصول عبر النظام الانتخابي الى اغلبية برلمانية تمكنهم من الامساك بدفة الحكم ، أم ببناء قوة سياسية / شعبية ضاربة لا يستطيع اي نظام تجاوز مطالبها ، وتحدي قدراتها.
ـ لا يعني ما سبق قوله التخلي عن الحد الأعلى كخيار نضالي استراتيجي، أي عن بناء قوة ديمقراطية تستطيع وحدها التصدي للنظام واسقاطه ، وفي الوقت نفسه اقامة بديل ديمقراطي يحظى بدعم شعبي / مجتمعي لا يجاريه فيه احد ولا يستطيع احد تحديه . ولا يعني ايضا الاقلاع عن مقاربة الحد الاعلى بافضل صيغ النظر والممارسة ، في كل خطوة يقوم الديمقراطيون بها ، كبيرة / رئيسة كانت أم صغيرة /فرعية، والمقاربة تعني في حالتنا بقاء انظارنا موجهة نحو الهدف الاستراتيجي، بينما نقوم بخطوات مترابطة تحققه كل واحدة منها على صعيدها الخاص ، تضيف كل واحدة منها جديدا إلى سابقتها ، وتحققه في الخطوة التراكمية الاخيرة ، بفضل ما نقيمه من تحالفات ظرفية ودائمة ، ونبلوره من خطط وبرامج.
٥ـ في وضعنا الحالي، يستبعد أن ينجح التيار الديمقراطي في انتزاع زمام المبادرة وتولى قيادة الثورة. هذا طموح لا يسمح به ميزان القوى الراهن، وتحول دونه الجهود الدولية والاقليمية والعربية المتحكمة بالساحة السورية، المليئة بالانقسامات السياسية والعسكرية ، وتتناقض فيها وبسببها قوي التمذهب مع قوى الحرية ، التي تعاني من التشتت والتبعثر، ومن عشوائية توجهاتها وعملها ، وكذلك من عسكرة وتمذهب الثانية وعنفها. اذا كان لنا ان نضع خطة لعمل الكيان الديمقراطي المنظم ، لكانت على مرحلتين : أولاهما: بلورة البرامج والخطط الضرورية لتمثيل الديمقراطية تنظيميا، بالتلازم مع توحيد وجمع كل ما يمكن جمعه وتوحيده من نخب ديمقراطية، ومع العمل لاستعادة حامل الديمقراطية الاهلي ، المبعثر والضعيف والخاضع لتجاذبات متعارضة ، ولضعوط عنيفة تأخذه كل واحدة منها في اتجاه . وثانيتهما: توحيد تمثيلات فئات الطبقة الوسطى المتنوعة ، ونخبها الديمقراطية والاسلامية ، المتشظية والمتناقضة التوجهات والمصالح في وضعها القائم،وضمها بعضها إلى بعض على اسس وثوابت عمل وطني مشترك، جامع وما فوق حزبي ، تخرجها توافقاته على ولاء وطني اعلى تتلاشى بالمقارنة مع اية ولاءات دنيا او جزئية ، من اجواء الشك وانعدام الثقة والتوجس والاحكام المسبقة ، التي مزقت تمثيلات الطبقة الوسطي السياسية والحزبية ، وقدمت خدمات جلى للنظام ، ومكنته من الانفراد بالمجال العام ومن التلاعب به وبها ، وسيعني تقاربها والتنسيق والتعاون بينها وضع حد لسطوته المطلقة ، وبدء حقبة جديدة من السياسة السورية ، ستكون رائدة بالنسبة إلى البلدان العربية ، كارثية النتائج على الاستبداد والمستبدين، وستبني حاملا مجتمعيا جديد وقويا للنضال في سبيل البديل الديمقراطي، الذي سيتواصل في ظلها تناميه من طرف في طور التكوين إلى قوة مجتمعية تتمتع بالشرعية الدستورية والقانونية، وبالقبول الوطني / الشعبي ، سيحسب حسابها ، بمجرد ان يتكامل تعاونها تنظيميا وسياسيا ، كجهة لا يمكن تجاهلها في المرحلة الراهنة ،مقررة وغالبة في المرحلة القادمة ، التالية لحل سياسي محتمل، التي ستتوقف نتائجها هي نفسها على ما للتيار الديمقراطي اليوم من دور ومكانة ، وما يقيمه من اوضاع ترشحه لأن يكون بديلا جديا للامر القائم، ولحليفه الاسلامي السابق في آن معا، بعد الحل .
تطرح هذه الخطة السؤال التالي: أذا كان التخلص من النظام يتطلب تعاون التيار الديمقراطي مع تيارات الاسلام السياسية والسلمية، أين يقع خط تلاقي الطرفين وخط انفكاكهما احدهما عن الآخر؟ وهل من المحتم ان يقع الانفكاك بينهما، ان هما نجحا في ارساء علاقاتهما على الاسس العامة ، التي سبق عرضها، وتوافقا على الالتزام بها وتطبيقها في سياستهما ، وإن قدم كل طرف منهما قراءته الخاصة لها، وسعى إلى الفوز بثقة الناخبين انطلاقا منها ، في النظام البرلماني المأمول ؟ ولماذا لا يمكن للطرفين التفاهم على اهداف مشتركة لعمل متوسط أو طويل الأمد، وتخطي اختلافهما في الهوية والاساليب، لصالح تفاهم تاريخي يبطل مفاعيله السلبية ، دون ان يلغي حق اي طرف منهما في استعادة خصوصياته السياسية وخياراته الفكرية والايديولوجية ؟ وما الذي يحول حقا دون تجاوز ما يفرق إذا كان خلاص سورية يتوقف عليه، وكان انجازه يبدل المجال السياسي ويحرره من تناقضات حالت دون تطبيع علاقاته، ويفضي إلى استقرار شامل للدولة والنظام الديمقراطي، رغم تغير الحكومات وتباين قراءاتها السياسية.
٦ـ تلوح اليوم فرص مناسبة لاستعادة العمل الديمقراطي ، تتجلى في تحول قطاعات واسعة عن دعم حامل التمذهب والعسكرة المذهبي من جهة ، وفي سعي الشباب إلى استعادة دورهم المفصلي في قيادة الشارع ، واعادة حراك الحرية للشعب السوري الواحد من جهة اخرى. اليس من واجب الديمقراطيين الافادة الى اقصى الحدود من هذه السانحة ، التي تمكنهم من اعادة الديمقراطية إلى نضالها اليومي ، في ساحة سياسية تجعل منها خيارا ممكنا واحتمالا واقعيا بقدر ما ينجحون في احياء وتوحيد قواها ، اليوم وغدا ، وفي زجها دون ابطاء في حياة بلادهم العامة؟
kilo.michel@gmail.com