إنتقلت إيران من عضو رئيسي في محور الشر إلى جانب نظامي آل كيم في كوريا الشمالية وصدام حسين في العراق إلى دولة صديقة لـ”شيتون بزرك” أو الشيطان الأكبر الإمريكي. هكذا أرادت إدارة السيد أوباما المتخبطة وزعيم دبلوماسيتها جون كيري المعروف مثل سيده بتغيير مواقفه رأسا على عقب في غمضة عين.
وهكذا لم يبق للسيد أوباما إلا أن يفاجئنا غدا بنقل بيونغيانغ من خانة أعدائه إلى خانة أصدقائه. ففي السياسات الأوبامية كل شيء جائز بما في ذلك التضحية بالحلفاء التاريخيين لصالح قوى ثبت غيها وعدوانيتها وإنتهاكاتها المريرة لأبسط حقوق الإنسان. لم يتطرق الأمريكيون، ولا حلفاؤهم الأوربيون، في الصفقة التي أبرمت في جنيف مؤخرا حول برامج إيران النووية إلى القمع الذي تمارسه طهران ضد مواطنيها، ولا إشترطوا عليها وقف تدخلها السافر في الشأن الخليجي أو سحب حرسها الثوري من سوريا، أو لجم أتباعها في لبنان والعراق واليمن، فيما هم لا يتركون فرصة إلا ويتباكون على “حقوق الإنسان” و”الديمقراطية” في البحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية.
لذا ليس من المستبعد أن يضحوا بحقوق الإنسان الكوري الشمالي المسكين، ويعقدون صفقة مع آل كيم على حساب حليفتيهم المسالمتين في طوكيو وسيئول دون أن يشترطوا على نظام بيونغيانغ الحديدي مجرد وقف تعاونه مع نظيره في طهران في المجال النووي.
أن المراقب الحصيف ليس بحاجة للتذكير بأن طهران ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه في برامجها النووية لولا مساعدة الكوريين الشماليين من خلال ما يربط البلدين من علاقات وطيدة منذ سنوات طويلة. وتكفينا الإشارة في هذا السياق إلى ما كتبه “عيسى أردكاني” المحلل السياسي الإيراني المقيم في كندا من أن الضيف الأجنبي الوحيد، بعد نائب الرئيس الصيني “لي يوانتشاو”، الذي دعي لحضور إحتفالات بيونغيانغ بالذكرى الستين لتأسيس بلد ليس له من إسمه نصيب وهو “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية” كان جنرالا إيرانيا وقف في المنصة الرئيسية على بعد خطوات من الزعيم المبجل”كيم جونغ يون”.
والحقيقة التي باتت معروفة ولا جدال فيها أنه على الرغم من حالة الجوار الجغرافي بين كوريا الشمالية والصين، وما كان بينهما من تعاون خلال احتلال اليابانيين لإقليم منشوريا في الثلاثينات، وما قدمته الصين الشعبية لاحقا من اعتدة حربية للكوريين الشماليين في الحرب الاهلية الكورية كي يصمدوا امام كوريا الجنوبية وحلفائها الغربيين، فإن التعاون الإيراني- الكوري الشمالي يفوق في الحجم والمجالات أضعاف ما يربط بيونغيانغ ببكين.
لم ترتبط حكومة الشاه بأي نوع من الروابط مع كوريا الشمالية، لكن بمجرد نجاح الثورة الخمينية في عام 1979 عمدت الأخيرة إلى تدشين روابط مع بيونغيانغ، وكانت التجارة مدخلا لذلك. غير أن هذه الروابط سرعان ما إنتقلت إلى التعاون العسكري الثنائي، ولا سيما أثناء الحرب العراقية – الإيرانية التي كانت بيونغيانغ خلالها المورد الرئيسي لإمداد الجيش والحرس الثوري الإيرانيين بمختلف الأعتدة الحربية. ويقول أردكاني أن ما يوازي 40 بالمائة من إجمالي واردات نظام الخميني وقتذاك كان يأتي من كوريا الشمالية.
أما “محسن رفيق دوست” الذي كان وقتها مسئولا عن صفقات السلاح الكورية لإيران فقد رصد عنه قوله لاحقا أنه في إحدى زياراته لبيونغيانغ في عام 1980 خاطبه الرئيس “كيم إيل سونغ” قائلا: “إلى متى ستشترون اسلحتكم من كوريا الشمالية .. لماذا لا تصنعوها بأنفسكم؟” ويضيف “رفيق دوست” أنه أخبر مضيفه أن إيران قد بدأت في تصنيع صواريخ باليستية يصل مداها إلى 70 كيلومترا، “فما كان من الزعيم الكوري إلا وأن إنتزعني من مقعدي وإحتضنني فرحا”.
أما “هونغ سون موك” سفير بيونغيانغ السابق في طهران فقد قال ذات مرة: “إننا في كوريا الشمالية ننظر إلى إنجازات الثورة الإيرانية وشعاراتها في الحرية والإستقلال وتصدير الثورة الاسلامية كما لو كانت إنجازات لنا!!!” وهذا يقترب مما ســُجل عن المرشد الأعلى الحالي لإيران علي خامنائي وقتذاك من أن حكومة البلدين يشتركان في الكثير من المباديء والأفكار مما ساهم في تعزيز تعاونهما. هذا التعاون الذي وصل مؤخرا إلى حد إقامة أسابيع إيرانية – كورية شمالية مشتركة، بل وصل إلى حد قيام أحد ماريشال بيونغيانغ بترديد أغنية ثورية فارسية يقول مطلعها “آي شهيد”، وقيام التلفزيون الرسمي الإيراني ببثه مسجلا.
إن ما قاله المرشد الأعلى صحيح، والطيور على أشكالها تقع كما يقول المثل العربي. فطهران وبيونغيانغ لا يجمع نظامهما السياسي فقط صفات الديكتاتورية والإستبداد، وتجويع الشعب من أجل بناء ترسانات الأسلحة، وتهديد دول الجوار، ومسح إسرائيل من الوجود (كما في حالة ايران) مقابل مسح اليابان وكوريا الجنوبية من الخارطة (كما في حالة كوريا الشمالية)، وقمع المواطن الذي وصل في ظل نظام بيونغيانغ إلى الإعدام شنقا لمن يشاهد برامج التلفزيون الكوري الجنوبي، وإتباع سياسات المراوغة والتضليل وإرهاب الخصم، وإنما يتعدى ذلك إلى تبني كلا النظامين لنمط أيديولوجي – ثقافي واحد قوامه مقاومة العولمة ومظاهر الحياة الإجتماعية المنفتحة. ففي كوريا الشمالية كما في إيران تــُفصل الإناث عن الذكور في المدارس والجامعات، ويعاقب كل من يتنزه في الساحات العامة ممسكا بيد زوجته، وكل من يرتدي صيحات الموضة الأجنبية أو يستمع إلى الموسيقى الغربية.
قد يستغرب المرء كيف لدولة عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي وتتغنى بالاسلام ليل نهار أن تكون علاقاتها ودية ووطيدة مع أنظمة بعيدة لا تجمعها معها مشتركات دينية أو ثقافية او حضارية كالنظام الكوري الشمالي وأنظمة كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وبوليفيا، بينما علاقاتها مع جاراتها العربيات والإسلاميات في الخليج والشرق الأوسط متوترة وشائكة، بل وعدوانية. غير أن الإستغراب يتوارى حينما نعلم أن السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية منذ قيام الأخيرة قامت على توتير الأوضاع في محيطها الإقليمي، ووصف جاراتها بالأنظمة العميلة للغرب، مع تمكين نفسها عسكريا من خلال الإرتباط بأي قوة معادية للولايات المتحدة الإمريكية، حتى إذا ما حان وقت الصفقات والمقايضات مع القوى الدولية المؤثرة قدمت للأخيرة تنازلات تافهة مقابل إطلاق يدها في شئون الخليج والمنطقة العربية.
ومما لا شك فيه أن صفقة جنيف سوف تحقق لطهران مبتغاها. كيف لا وهي ستحرر المليارات من أرصدتها المجمدة في الخارج، وتتيح لها إستيراد ما تحتاجه من قطع الغيار الحديثة، وتسمح لها بالعودة إلى تصدير الخام والمشتقات البتروكيماوية، وغير ذلك من الأمور التي ستعيد العافية لإقتصادها المنهك وستجعل قادتها أكثر غرورا وصلفا تجاه الجيران.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh
من دولة شريرة إلى صديقة للشيطان الأكبر
الزواج العرفي بين “الشيطان الأكبر” و”محور الشر”!
مقالة رائعة جدا
من دولة شريرة إلى صديقة للشيطان الأكبرالمقالة التي نشرتها لي صحيفة “السياسة” بعنوان الزواج العرفي بين “الشيطان الأكبر” و”محور الشر”! بتاريخ 30/11/2013 مشكورة. 30/11/2013 الزواج العرفي بين “الشيطان الأكبر” و”محور الشر”! … أخيرا وبعد مراحل من مفاوضات عدة وعسيرة استمرت سنوات, ومع وصول حسن روحاني إلى سدة الرئاسة الايرانية, استطاع “الشيطان الاكبر” الاميركي تغيير مزاج رأس “محور الشر” في تليين موقفه لناحية برنامجه النووي والخروج باتفاق سلمي حول البرنامج, ويعد هذا الاتفاق بمثابة انتصار لكلا الطرفين, الاول: اميركياً في تحجيم التخصيب اليورانيوم الايراني إلى 5 في المئة, وحصره ضمن الاغراض السلمية, ووقف البناء في مفاعل “اراك” الجديد, عمليات تفتيش “غير… قراءة المزيد ..