ما لا يقوله وزير خارجية فرنسا، لوران فابيوس بلغته الناعمة (في المقابلة التي اجرتها معه جريدة “لوموند”) هو أنه كان هنالك، خصوصاً منذ التراجع الأميركي عن قصف سوريا، إنزعاج فرنسي واضح من التفرّد الأميركي، ومن الرغبة الأميركية-الروسية، شبه المعلنة، بالإستفراد بالملفّين الإيراني والسوري. وحينما يقول لوران فابيوس أن جون كيري أبلغه منذ البداية عن وجود قناة مفاوضات سرية بين أميركا وإيران، فإنه يسجّل أن الأميركيين لم يطلعوا الفرنسيين على “تفاصيل” تلك المفاوضات.
أي أنه كان هنالك “اشتباك” أوروبي-إيراني، و”اشتباك” آخر أوروبي-أميركي، في كواليس مفاوضات جنيف!
في أي حال، لعبت فرنسا ورقتها بصورة ممتازة، وأجبرت الأميركيين على التراجع عن “الإتفاق بأي شكل من الأشكال” الذي يبدو أن الرئيس أوباما كان مستعداً لإبرامه!
الإتفاق الجديد عنوانه “الذرة المدنية، نعم. الذرة العسكرية، إطلاقاً!” وتنفيذه سيثير نزاعات داخل الزمرة الحاكمة في إيران، وخصوصاً على مستوى الحرس الثوري الذي يحلم باقتناء القنبلة الذرية مثلما كان الإتحاد السوفياتي يخوص “حرب النجوم” الوهمية.. قبل انهياره!
بيار عقل
*
كيف تصف إتفاق جنيف مع إيران؟
فابيوس: أستخدم كلمتين لوصف الإتفاق وموقف فرنسا منه: وهما “تقدّم” و”يقظة”. ولا ينبغي الإكتفاء باستخدام إحدى الكلمتين دون الثانية. بالنسبة للتقدّم، فسنعرف ما إذا كان تقدّماً تاريخياً حينما نصل إلى نهاية المسار. ومع ذلك، بوسعنا منذ الآن أن نعتبر أن ما تم الإتفاق عليه يشكل تقدّماً تاريخياً، وهذا ما تجسّده الفقرة التمهيدية للإتفاق. وقد نجحت فرنسا في تضمين الفقرة التمهيدية نصّاً واضحاً جداً جاء فيه: الذرّة المدنية، نعم. الذرّة العسكرية، أبداً!
ولنتحدث عن “اليقظة”. أولاً لأننا ما زلنا في مرحلة أولى، وينبغي التقدم نحو إتفاق كامل. وطالما لم يتم حسم جميع الامور، فلم يتم حسم شيء. وينبغي لنا أن يكون متيقّظين في ما يتعلق بتنفيذ الإيرانيين لالتزاماتهم، كما سيكون الإيرانيين متيقظين في ما يتعلق بالرفع الجزئي للعقوبات. وهنالك سلسلة أولى من العقوبات التي ينبغي أن يتم رفعها حالما تبدأ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمليات الرقابة.
ومن أصل مجموع العقوبات، فإن العقوبات التي سيتم رفعها تمثّل ٥ بالمئة فقط.
في المرحلة الحالية، يقرّر الإتفاق تجميد البرنامج النووي الإيراني. هل ترغبون في تفكيك ذلك البرنامج في المدى الطويل؟
فابيوس: الهدف المنشود هو أن يكون بوسع إيران أن تعمل مثل جميع الدول الأخرى في مجال الذرة المدنية. بالمقابل، أن تكون جميع الإمكانات مقفلة بوجهها في مجال الذرة العسكرية. هذا هو المبدأ الذي تتفرّع منه كل المسائل الأخرى. إن الإيرانيين يقولون: نحن موافقون على هذا المبدأ,
كان هذا موضوع المفاوضات.
ويعني ذلك أن معمل “أراك”، الأكثر نشراً للمواد النووية، أي المعمل الذي ينتج البلوتونيوم، ليس ضرورياً من وجهة نظر الإستخدام المدني. ومن جهة أخرى، فحالما يبدأ تشغيله، فلن يعود ممكناً تدميره. الآن توقّف كل شيء، ولم يعد هذا المعمل يعمل على الإطلاق. إن الإيرانيين يقولون لنا أنهم بحاجة له للبحث العلمي ولمعالجة أمراض السرطان، وهذا الكلام غير قابل للتصديق. ينبغي التفكير في مستقبل هذا المفاعل.
ونص الإتفاق على أنه لن يتم تخصيب اليورانيوم فوق نسبة ٥ بالمئة- وهذا المستوى لا يسمح بالإستخدام العسكري.
لقد رفضت النص الأصلي للإتفاق في ٩ نوفمبر، ثم وافقت على النص المقدّم في ٢٤ نوفمبر، فما الذي تغيّر؟
فابيوس: لأن الإتفاق تغيّر. وقد تطوّر الإتفاق الأصلي بالنسبة لأربع نقاط. النقطة الأولى هي “أراك”، حيث كانت الصياغة الأولى مبهمة جداً. والحال، فنحن قوم نحب الدقّة، وقد عبّرنا عن وجهة نظرنا بصورة دقيقة. وقد وافق زملاؤنا الخمسة الآخرون (في مجموعة ٥+١) على وجهة نظرنا في ٩ نوفمبر، ثم عاد الإيرانيون فقبلوا بها في الأسبوع الماضي. إن نقطة “أراك” هي نقطة رئيسية.
النقطة الثانية تتعلق بمخزون اليورانيوم المخصّب بنسبة ٢٠ بالمئة: هنا أيضاً لم تكن الصياغة مُحكمة.
النقطة الثالثة حول حصر التخصيب بما لا يتجاوز ٥ بالمئة، وكانت الصياغة غير مُحكمة كذلك.
وأخيرأ، فقد أصررنا على أن تضاف في مقدمة الإتفاق بصورة واضحة: الذرة النووية، نعم. الذرة العسكرية، إطلاقاً!
في البداية، لم يكن ذلك هو النص الذي قّدِّم لنا. وكان موقفنا أن ذلك النص الأوّلى لا يناسبنا. نحن لا نعمل لهذا البلد أو ذاك، نحن نعمل للسلام والأمن. وقد نجحنا بإقناع شركائنا في مجموعة الدول الست، وبعدها قدّمنا موقفنا الجديد للإيرانيين الذين قالوا، في تلك المرحلة: “لا نستطيع القبول”. وذلك سبب توقّف المفاوضات في ٩ نوفمبر، واستئنافها بعد ١٥ يوماً، ثم التوصّل إلى اتفاق بعد ٤ أيام.
متى علمت أن الأميركيين كانوا يُجرون مفاوضات سرّية مع الإيرانيين منذ شهر مارس؟
كان جون كيري قد أبلغني أنه كانت هنالك مباحثات بين الإيرانيين والأميركيين. وتم إبلاغي منذ بداية المباحثات، ولكن ليس بالتفاصيل. واتفقنا مع جون كيري أنه كانت هنالك، من جهة، مفاوصات الـ٥+١ التي تتولاها كاترين أشتون (وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي)، التي قامت بعمل ممتاز. وحيث أن الأميركيين كانوا في الخط الأول، كانت هنالك كذلك محادثات سرّية بين الأميركيين والإيرانيين. هذا مألوف، والمهم هو الفعالية.
هل كانت هنالك، بالمقابل، مفاوضات سرية مع فرنسا؟
كلا. لقد التقيت مؤخراً مع سفير إيران في فرنسا. كما التقى الرئيس أولاند مع الرئيس روحاني. وجرت مفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين، ثم جرت مفاوضات في جنيف بمشاركة الدول الست، وتم فيها إعادة بحث الملف كله. ذلك لم يكن مصدراً للتوتّر.وكان واضحاً أن النص الذي توصّل إليه الأميركيون والإيرانيون لم يكن مقبولاً بالكامل من الإيرانيين، ومن جهة أخرى فنحن أيضاً كانت لنا كلمتنا في الموضوع. وقد انتهت الأمور بصورة حسنة.