أراد الله لشهر رمضان أن يكون شهر البر والاحسان، شهر المغفرة والبركة، شهرا أوّلُه رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخِرُه عتقٌ من النار، فجعله المسلمون بمعظمهم شهر الهبل والحماقة، شهرا أوله نوم، وأوسطه أكل، وآخره مسلسلات، بالمختصر جعلوه شهر الاستهبال العربي!
نبدأ وببساطة من البداية، فبالرغم من التقدم الهائل للعلم والتكنولوجيا، وبعد أن وصل الانسان (الكافر طبعا) الى القمر والمريخ، وبعد أن ابتكر طريقة لمعرفة الدقيقة والساعة التي ينخسف فيها القمر وتنكسف فيها الشمس، ما زلنا لا «ننكسف على عينّا» ونصر على تحري القمر بالعين المجردة، لتصوم كل دولة على كيفها أو وفق رؤية «عينها».
طبعا بالنسبة للبعض، أهم ما في رمضان هو الأكل. فقبل ان يهل هلاله بأسابيع تبدأ ترتيبات أمور البطون، فنفرغ رفوف الجمعيات و«نخلص» على لحوم ودجاج السوق، ونشتري كتب طبخ جديدة، ونعمل بروفات للأصناف الجديدة على المائدة الرمضانية.
ويأتي الشهر وتفتح الموائد وترص الصحون وتدلق الوجبات بكميات كافية لاشباع قبيلة. لكننا مسلمون ونخاف الله فلا نرمي الأكل في سلة القمامة.. حرام! نقوم بجمع ما تبقى من ولائمنا ونوصلها الى أقرب مسجد. لكن يبدو أن كل أهل المنطقة يفعلون ما نفعل، حتى تفيض المساجد بباقي الأطعمة، الى درجة أننا ما عدنا وحدنا من يشتكي من السمنة والتخمة، فحتى خدم البيوت وعمال النظافة ورافعو القمامة أصبحوا مثلنا.
أراد تعالى لدينه اليسر، فجعله المسلمون عسرا. ومع بداية أيام رمضان، تنهال المئات من الأسئلة الحمقاء والاستفسارات البلهاء على أسماعنا (كلها منقولة من مواقع اسلامية على النت): «هل القبلة تفطر؟ وما حكم السواك مقابل فرشاة الأسنان؟ وهل يصح صيام المغمى عليه؟ وهل اذا قال الطبيب الكافر (غير المسلم): يجب عليك أن تفطر في رمضان، لأن الصوم يضرك، هل يقبل كلامه؟ أما السؤال الذي طير آخر برج من «نافوخي»: هل غاز التخدير (البنج) يفطر؟ أعتقد والله أعلم ان البنج لا يؤخذ للتسلية ولا للوناسة، فمن يحتاجه على الأرجح يكون على طاولة العمليات.. لكن لا ادري هل يجوز له الافطار ام لا؟ فلنسأل الشيخ!
ناهيك عن الاعلانات الهاتفية التي تصل للمسلمين لمساعدتهم في صلواتهم ودعائهم وتحمل العناء عنهم مقابل دراهم قليلة، كهذا الاعلان الغرائبي الذي ظهر في رمضان السابق في مصر: «تفرغ للصيام وخلي الدعاء علينا.. للحصول على دعوات خاصه ارسل على حساب رقم (…) بـ 1000 جنيه ندعي لك قبل آذان المغرب، 1500 جنيه ندعي لك قبل المغرب مع بكاء». أما مفاجأة رمضان لهذا العام.. فهو عداد الكتروني يتم برمجته حسب مواقيت الصلاة يقوم باحتساب عدد الحسنات عن كل صلاة يؤديها صاحبه وعدد السيئات عن كل صلاة يفوتها.. والتوصيل مجانا.
اربطوا الأحزمة، سنهبط في رمضان.. والله يديم علينا ما تبقى من عقولنا.
***