كلمة النائب وليد جنبلاط في افطار مؤسسة العرفان
إنه اللقاء الثاني بعد الانعطافة السياسيّة التي قمت بها مع رفاقي في جبهة النضال الوطني عام 2011 والتي أملتها ظروف آنذاك بالغة التعقيد وكان الهم الاول فيها منع الفتنة، وقد نجحنا بقيادة الرئيس ميشال سليمان ومساعدة الرئيس نجيب ميقاتي، ولا أنسى ولن أنسى دور الرئيس نبيه بري في تذليل عقبات كبيرة مرّت في مسيرة هذه الحكومة. واذا كان من إنجاز اساسي لهذه الحكومة فهو التزامها تمويل المحكمة الدولية الخاصة بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وللتأكيد على المعاهدة التي تربط لبنان بالامم المتحدة،
في المحكمة أو في الأنهر!!
وأياً كان حجم الاحداث المحيطة الذي كاد ان يطغى على مسار المحكمة إلا ان العدالة لا بد ان تأخذ مجراها ولو بعد حين في المحكمة او في مياه الأنهر، وللذين يدحضون او يشككون بالقرار او القرارات الظنية للمحكمة فخير طريقة لهؤلاء هي في دحض الحجة بالحجة والقرينة بالقرينة امام هذه الهيئة، أي المحكمة.
وفي سياق الثورات العربية، كان للحزب التقدمي الاشتراكي الموقف الطبيعي والموضوعي والمنسجم مع تراث مؤسسه بضرورة إسقاط “السجن العربي الكبير” وبحتميّة إنتصار الشعوب في مطلبها العادل بالعيش الكريم والحر، وفي رفضها لأنظمة القمع والاستبداد والظلم والقهر. وهكذا وقف الحزب الاشتراكي الى جانب الثورات، كل الثورات، من تونس الى اليمن الى ليبيا الى مصر الى البحرين، آخذا بعين الاعتبار الظرف او الظروف الخاصة لكل من تلك الثورات والاقطار.
وفي اذار 2011، في شهر الاستشهاد، إنطلقت الثورة السورية بفعل إنتفاضة أطفال درعا وعمّت كل سوريا تقريبا ولا تزال. وفي حزيران من ذاك العام، إنعتق الحزب وإنعتقت شخصياً من لحظة التخلي التي كانت بالاساس تخلٍ، وسار الحزب مرفوع الرأس مؤيداً الثورة السورية الشامخة الجبارة، وطالبتُ بهذا المجال مراراً وتكراراً في أوج المعارك المفصلية من درعا الى باب عمرو الى حمص الى حلب مروراً بغيرها من المحاور، طالبتُ كل الأندية العربية والدولية التي اعرفها بضرورة تسليح الجيش السوري الحر بالعتاد النوعي المضاد للدروع والطائرات ولا ازال.
إن وحشية هذا النظام تجاه البشر والحجر، نعم تجاه الانسان السوري، تجاه الحضارة السورية الفريدة من نوعها، إن وحشية هذا النظام فاقت كل تصور وطغت على وحشية هولاكو أيام المغول. وصمد الشعب السوري ولا يزال صامداً وسيبقى صامداً، صموداً اسطورياً، من ملحمة الى ملحمة، من مواجهة الى مواجهة، مع نظام الموت المدعوم من التنين الصيني والدب الروسي وقورش الفارسي.
صمد أعزلاً، وتسلح لاحقاً من اللحم الحي، وكل كلام آخر من هنا أو هناك حول سفن او غير سفن تسلّح الثورة كذب ونفاق، لتغطية المال والسلاح والعتاد والبوارج والخبراء والمقاتلين للحلف المشؤوم الذي سبق وذكرته والذي يريد سحق الثورة السورية، لكن أحرار سوريا سينتصرون. لذا، فإن الاسراع في إسقاطه سيوفر على سوريا مزيداً من الدمار والخراب ويوفر علينا الكثير الكثير.
التهى العالم العربي وما يسمى المجتمع الدولي بمبادرة تلوَ المبادرة، ولست لأعلق على كوفي أنان الفاشل أساساً من روندا الى البوسنة الى العراق واليوم سوريا، لكنني أنصح الاخضر الابراهيمي ان لا يقع في فخ مهمة محكومة اساساً بالفشل طالما أن الحلف المذكور المعهود يصر على التسوية مع النظام الحالي.
ويقفُ المرء مشدوهاً حائراً امام هذا التآمر الدولي على الشعب السوري والوطن السوري والكيان السوري والحضارة السورية والتراث السوري. فهل أن اصدقاء الشعب السوري الذين نظّموا المؤتمرات تلوَ المؤتمرات وكلها مؤتمرات فارغة وتافهة، هل أن هؤلاء وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية تفاوض مع الحلف الآخر مع اصدقاء النظام السوري مع الكل او مع البعض منه، الله اعلم، لترى كيفية توفيق بين أمن اسرائيل – تذكروا ما قاله رامي مخلوف اما نحن نحمي الحدود الشمالية لأسرائيل او الفوضى!! اذا هل هناك من مفاوضات للحفاظ على أمن إسرائيل ورسم خرائط جديدة للمنطقة ؟! سؤال مشروع ان يُطرح. سبق وذكرت التنين الصيني والدب الروسي، اما الاميركيون فلهم النسر- النسر الاميركي لكنه يبدو كالوطواط اليوم.
ختاماً، وفي السياق السوري، أعلمُ ان المنطقة التي انطلقت منها الثورة السورية في العشرينات قصّرت تقصيراً كبيراً في مواكبة ركب الاحرار في الثورة السورية. عملتُ جاهداً، ولا ازال، مع الذين كلفتهم من الرفاق في الحزب وغير الحزب بالتنسيق مع الجيش السوري الحر والمجلس الوطني والفاعليات المستقلة لمنع الفتنة التي نصبها النظام مرات ومرات. وإذ أحيي الناشطين والناشطات من أهل الجبل وغير الجبل والضباط والافراد الذين التحقوا بركب أحرار سوريا في الجيش السوري الحر والمجلس الوطني وغيرهما من الاندية، اقول لأحرار سوريا، ان الشبيحة مصيرهم الى الجحيم، واستروا يا احرار سوريا ما شاهدتم منّا من تقصير.
لبنانياً، اثمّن عالياً دور الرئيس ميشال سليمان في تصديه مراراً وتكراراً لجهات سياسية أو أجهزة امنية أصرّت على تسليم ناشطين ونشطاء الى الاجهزة السورية – الى الاعدام.
لبنانياً، لا مكان إلا لدولة واحدة هي وحدها تتخذ قرار الحرب والسلم، دفاعاً عن لبنان وفقط لبنان.
لبنانياً، نعم لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعد تحديد وترسيم الحدود لتلك المناطق وغيرها لا لمنطق التحرير من أجل التحرير خدمة لغير لبنان أو مساومة على لبنان. أما منطق التوازن، توازن الرعب خارج إطار الدولة فلا أنصحُ به، لأنه قد يجر البلاد الى الويلات والدمار.
لبنانياً، لا ينقص الجيش اللبناني، أفراداً وضباطاً ورتباء، لا ينقصهم الكفاءة والحرفية بإستيعاب سلاح المقاومة الموجود تدريجياً وفق خطة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الامنية للمقاومة.
لبنانياً، لا يمكن تحت شعار الجيش والشعب والمقاومة الاستمرار في هذه الشراكة الغامضة على حساب الدولة والجيش والامن والاقتصاد والمصير.
واخيراً، في قانون الانتخاب- والكلام ليس موجهاً للرئيس سليمان الذي نحترم وجهة نظره ونقدرها- أقول، وقد اكون مخطئاً، اذا انتصر الفريق الاخر بعضه أو كله، أي الثامن من آذار بكل مقوماته وحلفائه القدامى والجدد، ولست ادري من سيفرّخ على الطريق، لا أعتقد ان هناك مكان لوسطية أو تعدد أو تنوع، أو مكان لقرار مركزي للحرب والسلم للبنان خارج المحور الايراني وما تبقى من السوري، لا اعتقد ان هناك مكان لدولة القانون وحصرية الامن مع الجيش وقوى الامن، ومكان لقضاء مستقل ورئيس مستقل وجيش مستقل، مكان لدور لبنان غير منحاز وغير ملحق يلتزم فقط مواثيق الجامعة العربية والامم المتحدة واتفاق الهدنة ونصرة القضية الفلسطينية.
مرّت جثّة الخصم!
إذا إنتصر الفريق الاخر، بعضه او كله، لا مكان للأمل للفرح للاستفادة من طاقات الاغتراب الهائلة، لا مكان لشيء من الطمأنينة. سنبقى في هذه الحالة من التشنج والحرب الدائمة السياسية في الداخل، وعندما يقررون ربما الحرب في الخارج. أقول هذا الكلام لبعض من 8 اذار وليس للكل. بالامس شاهدنا ما جرى مع احدهم، صواريخ “بتطلع” وقنابل تأتي، هذا هو الواقع، هذا هو واقعهم، لكن اقول لرفيقي الشهيد جمال صعب بعد 30 عاماً: مرّت جثة الخصم وانتهت.
واذا انتصر الحزب التقدمي الاشتراكي مع مكونات 14 اذار ومستقلين يبقى أمل في التنوع والتعددية، في الحوار ورفض الالغاء في دولة واحدة، ورئيس مستقل وجيش مستقل، وقضاء مستقل، في شيء من الأمل والاطمئنان على الاقل في دولة قوية بعد الاستيعاب وحكومة وحدة وطنية.