أمضيت وقت ليس بقليل في القراءة و البحث و التنقيب لأن مصادر المعلومات الأصلية أغلبها محجوب, و لكن النتيجة التي توصلت لها عن قناعة شديدة أن الغالبية في مصر ينتمون الآن –لا إراديا- للوهابية التي بدأت كحركة و لكن انتشرت و تطورت و أصبحت ديانة مستقلة بذاتها لها أركان مختلفة و طقوس و تعاليم جديدة تم تقديمها تدريجيا للناس على أنها الإسلام فيما وصفوه بالصحوة الإسلامية, و قد صدق هذا الشعب نظرا لأميته الثقافية و َدعم حكومته بكافة مؤسساتها لهذا التوجه خاصة بعد أن وجدت في المد الوهابي توافق مع مصالحها, فالديكتاتورية السياسية و التسلط الديني وجهان لعملة واحدة مكملين لبعضهم و لا يمكن ترسيخ أحداهما على المدى الطويل دون الأخرى…. و هنا نسأل
من سمح لجماعة الإخوان بالتوغل و الانتشار بهذا الحجم؟
من حجب الظهور الإعلامي للشخصيات المستنيرة ؟
من تجاهل التعددية الدينية في مصر و قصر البرامج الدينية في التلفزيون الرسمي على الوهابية التي أطلقوا عليها إسلام؟
من ترك “مدعى الدين” يروجوا لأفكارهم في الميكروباصات و على الأرصفة؟
من دعم تحول الأزهر إلى الوهابية؟ من جلب و دعم كل هذا و سعى إلى ترسيخه؟!
تم إقصاء جميع رجال الدين الذين اعترضوا على هذا فيمكننا إلقاء نظرة سريعة على التطور الذي حدث في مصر و مراجعة التاريخ لنرى مثلا الاضطهاد الذي وقع على الشيخ محمد عبده و أتباعه و تلامذته في الأزهر, ثم الإقصاء الذي حدث لأزهريين و غير أزهريين من أمثال سيد القمني و صبحي منصور و عبد الفتاح عساكر و نصر أبو زيد و جمال البنا و غيرهم (مع حفظ الألقاب للجميع)… و بالرغم أنني شخصيا لا اعتقد فيما ظهر بعد موت نبي الإسلام من إسلام سياسي نتج عنه انقسام ما يسمى سنة و شيعة… لكن أستطيع الجزم أن في مصر لا يوجد سوى قلة عددية مسلمة و الباقي ينتموا للوهابية و يسموها إسلام بالرغم أنها لم تهبط عليهم سوى منذ ما يقرب أربع عقود فقط فلم نرى مظاهرها بهذا الوضوح سوى في الثلاثين عام الأخيرة و المشكلة الرئيسية أن معظم الشعب مغيب و مصدق أن هذا هو إسلامهم…مجرد دين مختزل في المظاهر و الطقوس الاستعراضية.
المضطهدون هم غالبية الشعب المصري المغيب الذي تحرضه على بعضه قوى ظلامية و أخرى نفعية ديكتاتورية, و لا تهدف سوى لنهبه و تدميره و هذا هو ما يحدث الان… الشعب في مصر ضحية, و المواطن المتعصب مسكين علينا أن نرحم جهله و نأخذ بيده قبل أن يخذها من يوظفه لخدمة أهدافه كما يحدث دوما.. معظم المنتشرين على الفضائيات ليسوا “دعاه دين” بل هم “مدعى دين” و أصحاب بزنس و مصالح متشعبة, ازعم أن ما في وطننا الان لا يمت لروح الإسلام الصحيح البسيط بصلة.
المشكلة المزمنة لدى اغلب المثقفين أو المجتهدين هي الخلط بين الإسلام السياسي و هذا يشمل – على سبيل المثال لا الحصر – الشيعة (كحزب الله في لبنان) و السنة (كحركة حماس في فلسطين), و بين الوهابية في صورتها الحالية كديانة مستقلة ترتدي رداء السنة و تقوم على تدمير كل مختلف و إقصاء كل مجتهد أو داعي للتفكير حتى لو كان من بين صفوفهم و قد انتشرت بسرعة فائقة نظرا لأسباب بعضها اقتصادي و معظمها سياسي, و أخيرا يتم خلط هذا بالقرآن و الذي يتبعه فعليا قلة تسعى لتكوين حائط صد ضد الهجمات التتارية الوهابية التي تعاملت مع التفاسير المتطرفة كجزء من الدين.
القرآن هو الأساس و هو روح الإسلام, و سنة الرسول هي سلوكه و تعاليمه الأخلاقية, و ليست كتب البخاري الأوزباكستاني أو ابن تيمية أو اجتهادات ابن حنبل و أبو حنيفة التي كتبت بعدها بقرون بيد بشر غير مقدسين يؤخذ منهم و يرد, خاصة بعد أن أوصى نبي الإسلام نفسه بأن لا يكتبوا عنه الأحاديث. لقد جاء الإسلام لتبسيط الحياة و ليس لتعقيدها, و لم يكرس الكهنوت و ليس به أسرار بل هو دعوة لعلاقة روحانية مباشرة بين العبد و ربه دون وسيط و دون تسلط أو نبذ للاخر المختلف في الفكر أو العقيدة أو التناول.
و لعل أكثر من أساء للإسلام هم من نطلق عليهم السلف “الصالح” فقد خلطوا بين كلام الله و تصرفات المؤمنين و هم بشر قد يصيبوا و قد يخطئوا, و لا يجب بأي حال من الأحوال أن تحسب تصرفاتهم على الإسلام أو أن نتخذ منهم أسوه دون إعمال عقولنا فيما أنتجوه لنا من تاريخ و تفاسير و تأويل للنص لم يخدم البشرية في معظم الأحيان, فالقرآن حمال أوجهة و في الاختلاف رحمة للعباد.
صميم الدين لا يتجاوز أركان الإسلام الخمس و أركان الإيمان و هناك خيط رفيع بين القرآن و بين اجتهادات الإنسان في التفسير و التأويل فالناس تخلط المقدس و ما هو دنيوي قابل للأخذ و الرد و الصواب و الخطأ, خاصة و أننا نرى أن تفسيرات القرآن تختلف من مجموعة إلى أخرى فنجد مثلا اختلاف في فهم الإسلام بين الحنابلة و الشافعية و جماعة الإخوان و القرآنيين و الوهابيين والشيعة و الأزهر و بن لادن و الصوفيين و غيرهم.
الإسلام كما أفهمه, دين بسيط و سمح, انه دين يسر لا عسر, دين يدعو لمباديء عالمية كالأمانة و الصدق و الرحمة و العمل و الوفاء بالعهود, دين يحترم الأخر بل و يقبله دون عنف أو إرهاب و تسلط أو حتى أساءه لفظية, فهو دين الجدل بالتي هي أحسن و ليس فقط بالحسنى. هو دين يدعونا للتعقل و التفكر و التدبر و الحوار, لا للطاعة العمياء أو قبول ما لا يتماشى مع عقولنا و عصرنا فنحن أدرى بأمور دنيانا و بزماننا, و نحفظ أركان ديننا الخمس و قيمه و مبادئه العامة التي لا تختلف أو تتعارض في مضمونها مع كافة الأديان السماوية أو مع المنطق البشري و حقوق الإنسان, و فيما عدا ذلك فهو اجتهادات بشرية و ليست مقدسات و قد يقبلها عقل المسلم أو يرفضها دون أن يقلل هذا من إيمانه لان الله وحده هو المطلع و صاحب الكلمة و ليس بنى البشر الذين تناسوا روح دينهم السمحة و سلوكه المعتدل, و راحوا يكفروا بعضهم البعض, و ينشرون الكراهية و القمع والتسلط في الأرض باسم الله أو الدين و هم أكبر أساءه له. القرآن الكريم يرشدنا لإسلام روحاني و سلوكي هادى لا يتصادم مع الحضارة و لا العقل و لا العلم و لا يفرض قيود ضد غريزة المرأة, و بالتأكيد هو ليس كتاب موضة و أزياء, و لا يعتدي أبدا على حق المرأة كإنسان أولا و أخيرا أو يحتقر الرجل و يعامله كحيوان يسير على قدمين, كما هو الحال مع الكتب و التفاسير البدوية الوهابية للإسلام التي غزت العقول في زمن اغبر.
لبنى حسن
lobna_hassan88@yahoo.com