هكذا ليتنعم الحب ببركة النيل، يجلس العشاق على ضفافه بأوضاع اقترب بعضها من العناق. وكانوا وصلوا من رحلتهم متعبين، فالإنهاك باد على الوجوه والأجساد والأزياء.
على ضفاف النهر متسع كبير للرومانسية ولأبدية الأحلام المستحيلة في بلد أكثر من نصف أبنائه يعيشون تحت خط الفقر..
لأول مرة أعرف أن للفقر رائحة يمكن تلمسها.. ليست حزينة، بها شيء باعث على الحياة.
كيف يجد الفقير وقتاً للحب؟ وللضحك؟ وللجنس؟
شعب يهزم فقره ومصائبه وأحزانه فيحول عدوه إلى نكتة تضحكه عالياً، وبعد أن يقهقه يعجنها ويلوكها ثم يبصقها، هكذا يتحايل على أقداره وأوجاعه. وهكذا نجا من نكسات كثيرة لم يبقى سوى أن تسرق خيالاته. النكتة أعظم سلاح يمتلكه شعب. يحسد عليها كل المصريين الظرفاء.
*
الازدحام خانق ساعات الظهيرة، المرور فوضوي عشوائي في القاهرة كالمناطق العشوائية التي بنيت على أطرافها. حاولت يوما إيقاف السائق وهو يتجاوز الإشارة الحمراء. فقال لي مازحاً: لو وقفت عندها يخبطوني من ورا.
المباني متهالكة، الحالة الدينية المستشرية غريبة على الشارع المصري القديم الذي عرف عنه ليبراليته وانفتاحه مقارنة ببقية الشوارع العربية..
الوضع الاقتصادي مترد بشكل مزر، لكن كل ما له علاقة بالمتعة الممكنة لا يتردى أو ينضب فحالات الإنجاب لانهاية لها رغم العوز.
الكل يحب، الكل يتزوج، والكل يريد أن ينجب. وكلما زاد الفقر زاد النسل.
يريدون أن يملأوا كل جحر بإنسان، لا أحد يفكر كيف سيعيش، المهم متعة لحظات الجماع التي يمكنها أن تغني عن مطاعم الخمس نجوم والفنادق المحرمة على كثيرين.
*
شعب متعلق بالأرض ملتصق بها، لا يرى الأوجاع لدرجة مبالغ بها، تحدث أحدهم عن تلوث الجو فيستغرب: تلوث إيه؟ لا ده هو بس الطقس النهاردة مغيم.
تقول له كيف أن النيل ملوث ، فيخبط على صدره ويولول.
هذه القناعة وذاك الزهد أو تجميل الانكسار مثل قولبة المأساة نكتة ليست وليدة الأفراد، كانت وليدة الأخطاء السياسية وتراكميات المعارك وفقد الأعزاء من أجل قضايا عربية خاسرة تبنتها مصر، اليوم لا وقت للنقد المترف. فحتى المفكر صار يبحث عن لقمة العيش، واكتفاء تام بمشاهدة بقايا الحضارات السابقة.
*
وعرائس النيل.
عرائسه كلهن محجبات، لم أرى شعر واحدة تقف هناك.
هنا لا يمنع الحجاب صاحبته من إعلان حبها، أحاطت إحداهن ظهر حبيبها بذراعها، ووقفت شاردة بالمياه، بالفراغ.
معرفتي بشكل الشارع المصري جاءت من دراما الخمسينات والستينات، ومعرفتي بنسائها عززتها كتب عن الحركة النسوية أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
جئت لتغطية خطة نضالية قديمة انتهت بشكل تقريبي، وتحل محلها اليوم نضالات جديدة خرجت أو تفرعت من حركات دينية مسيسة.
في مصر نزعت هدى شعراوي الغطاء الذي يخفي المرأة ويخيفها، عائشة التيمورية كانت هنا، نبوية موسي وصفية زغلول ودرية شفيق وملك ناصف وعائشة راتب وبنت الشاطئ وسكينة فؤاد وأمينة شفيق، بقي جيل فريدة النقاش..
أين ذهبت الأوائل؟ ولا حتى بقايا فكرة. كله ذهب سدى. صورهن ليست معلقة على الجدران وليس لهن تماثيل منحوتة في الشوارع والحدائق. حسروا وأفكارهن في الكتب بإحكام.
أرادت المرأة سابقا اصلاح المجتمع إنسانياً، وتأتي خليفتها الفقيهة تريد إصلاحات من داخل الدين. لا ليست خليفتها، لم تولد واحدة بعد.
القنوات التليفزيونية الدينية بها عدد من المصريات منهن متراجعات عن دنيا الفن السينمائي، غطاء شعر وماكياج وابتسامة. الأمر كله متعلق بالشعر فقط. ما حدث كان انقلابا على الحريات. وتحولت الحضارة من سباق نحو الرقي إلى صراع حول ما يظهر من خصلات.
من سلام وطمأنينة إلى أصولية مستشرية بشكل عجيب تنظر إلى أتباع الديانات الأخرى وإلى السيدات كمواطنين من درجة ثانية.
نكسة ضمن النكسات العربية.
لكن مصر (رمز الليبرالية قديما) باقية، بمكانتها وتاريخها وماضي رجالها ونسائها الحر الثوري الذي لا بد وتستعيده مصر يوماً.
Albdairnadine@hotmail.com
من مصرأصبح الجهل وتستطيح العقل هدفاً قومياً لدى القابضون على السلطة في بلادنا المسماة بالعربية . افتحوا الكتب المدرسية ستعرفون أين تكمن مفرخة الأصولية .. واقرأوا الصحف واسمعوا نشرات الأخبار .. ستقرأون القبض على عناصر متطرفة . بعد أن فشلت الدولة في تحقيق التنمية بمجالاتها المتعددة .. وحماية منتجاتها بل عجزت عن حماية حدودها ؛ واستسلمت أمام العدو الخارجي . لجأت إلى صناعة العدو الداخلي ؛ فتصنع الأصولية وتجيِّش الرأي العام الداخلي طبعاً لمحاربتها ؛ لأن الأصولية هي التي تمكنهم من البقاء في أماكنهم ؛ ولذلك تراهم يدفعون الناس دفعاً للإبحار إلى الماضي ؛ وكراهية العلم والتخلي عن البحث العلمي… قراءة المزيد ..
من مصرسيدتى …سامحك الله … لقد ضغتى على الجرح بداخلى فزاد الالم وزاد النزيف حتى بعد انتهائى من مقالتك … تتحدثين عن مصر الخمسينيات والستينيات وعن وضعها الان … تدرين لقد كان لى قصر رائع الجمال محاط بحديقة هى جنة الله على الارض وجدرانة من الداخل معلق عليها لوحات لاكثر الفنانين ابداعا”.. فى كل ركن كانت التحف تقف شامخة تبهر كل من ينظر اليها .. الاسقف مزينة بثريات تحاكى النجوم فى تلئلئها.. الارض كانت تعكس صورة كل ما يقف عليها … كان الجو معبق برحيق زهور الليمون واللارنج والبرتقال واهل القصر كان لهم صوت هادئ وابتسامات مرحبة وعبارات يتبادلوها مع… قراءة المزيد ..