ترمز كارثة غزه التي تفجرت مع نهاية العام وبداية العام الجديد ٢٠٠٩ للمأساة الفلسطينية التي تتجدد عند كل منعطف في الصراع مع إسرائيل. هذه هي إشكالية القضية الفلسطينية التي يتنقل توزيع الموت والألم فيها من الضفة الغربية المحتلة إلى غزه ومن جنوب لبنان إلى بيروت ومن عرب ١٩٤٨ إلى بقية دول العالم العربي. لقد وقع هذا الرعب الذي تعيشه غزه اليوم في لبنان في السابق مرات ومرات ولم يحدث الموقف العربي أو الدولي فوارق جوهريه في تقليص الكارثة الانسانيه، ووقع ما يقع الآن في غزه في الضفة الغربية مرات ومرات، ووقع مع كل دوله عربيه وعلى حدود كل دوله عربيه في الحرب تلو الحرب دون أن يتغير شيء أساسي بفضل مؤتمر للقمه أو لقاء لوزراء الخارجية أو موقف سياسي. تحت الركام تبقى القضية الفلسطينية محور لصراعات الشرق الأوسط، ومحور للحس الشعبي العربي والإسلامي، ولكن من جهة أخرى يقع التساؤل الكبير: إلى متى عذاب المجتمع وهذه الاستباحة للسكان والمدنيين من قبل آلة عسكريه إسرائيليه متفوقة؟
فهل كانت هذه العملية الاسرائيليه ستقع بهذا السياق وهذا الشكل لو كانت فتح وحماس متحدتين في الرؤية والإستراتيجية؟ هل كان الوضع سيقدم لإسرائيل هذه الفرصة للاستفراد بغزه لو قامت حماس بالاتفاق على صيغه مقاومه ومعارضه في ظل السلطة الفلسطينية الموحدة؟ الم يكن هذا أفضل لحماس من تحمل مسؤولية غزه بالكامل وصولا للوضع الراهن؟ وأتساءل هل كان كل هذا سيقع بهذا الشكل المدمر لو تم تمديد الهدنة وإعطاء الفرصة لحماس لمزيد من الاستعداد والتحضير بما في ذلك من إمكانية تفاهم مع السلطة الفلسطينية ودعوتها ثانيه لاستلام غزه بالتوافق والتفاهم مع حماس؟ وهل كانت غزه ستخضع لهذا اللهيب لو كان الموقف العربي هو الأخر مختلفا ومبادراته السلمية أكثر فاعليه ومتابعه وبرمجه؟
أما التساؤل الأكبر بالنسبة لي: هل لنا من طريق مختلف غير طريق الكفاح المسلح وصواريخ غراد وكاتيوشا والقسام التي تجرح أربعه وتقتل اثنان بينما يقتل لنا المئات ويجرح لنا الألوف وتدمر إحياء كاملة؟ ألا يوجد وسائل أخرى أفضل تحمي المدنيين وتحقق الأهداف وتكسبنا الجولة السياسية؟
أن معرفتنا بأن إسرائيل تستهدف الأرض كما تسعى لطرد السكان الفلسطينيين العرب، وتستهدف تدمير المجتمع العربي المحيط بها في فلسطين و تنتظر الفرصة للانقضاض يجب أن يجعل وسائل مقاومتنا أكثر إبداعا وقدره على التمسك بالأرض، بناء الحياة والاقتصاد، تعظيم الصمود، بناء المؤسسات، عودة المتعلمين من الفلسطينيين من سكان غزه القاطنين في الخارج، دعوة رؤوس الأموال الفلسطينية للاستثمار في البناء وتعميق الثقافة والتعلم و الوحدة الوطنية. أن استخدام الوسائل الشعبية والجماهيرية وبناء نموذج إنساني في ظل طرح المطالب السياسية الواحد تلو الأخر هو جوهر شكل المقاومة المطلوبة.
لهذا بالتحديد لم تعد الحرب المسلحة التي نرى فصل من فصولها اليوم هي الوسيلة القادرة على احتواء إسرائيل وهجماتها، فما دمرته إسرائيل الآن سوف يتطلب سنوات من البناء، بل أن الحرب بهذه الطريقة تصب في جعل إسرائيل تزداد قوة وتمددا وتوسعا بينما نزداد نحن انقساما وتشرذما وضعفا. أن الوضع الإسرائيلي الفلسطيني لا يحتمل التفجير الشامل لأنه يعطي الفرصة لإسرائيل لاستخدام أفضل ما لديها( القوه العسكرية) بينما لا نستطيع استخدام أفضل ما لدينا، وذلك لان أفضل ما لدينا ليس السلاح بل قوة الحقوق والعدالة وقوة الجماهير الشعبية والنقابات والقواعد الانسانيه المنتشرة في المخيمات والتي تحلم بتقدم القضية الفلسطينية وإحقاق الحقوق السليبة. أن لغة الحقوق ولغة العدالة والسلام ولغة المقاومة السلمية والسلبية ولغة الوحدة( توحيد غزه مع الضفة) هي أفضل ما لدينا، بينما تمثل لغة التدمير الأعمى أفضل ما لديهم. في هذا يجب أن نطور وسائل جديدة للمقاومة تعظم نقاط قوتنا.
أن ما يقع يفرض علينا تضامن حقيقي مع غزه شعبا وصمودا، فهذا أمر لا مفر منه نسبة لمخاطر ما تقوم به إسرائيل من حرب تشمل السكان والمدنيين والعزل والأطفال. فما يقع يدمي القلب ويثير الكثير عن الحالة العربية والدم العربي المستباح. يجب أن يكون الموقف واضحا من التضامن مع غزه ومواجهة آلة القتل الاسرائيليه، ولكن يجب أن نحاسب أيضا من سبب هذه المغامرة الغير مدروسة والتي أدت لاستباحة الدم الفلسطيني. علينا مراجعة الوسائل التي نستخدمها وطريقة ترتيب أهدافنا وأولوياتنا. أن المشكلة في معركة غزه أن حماس لازالت تحمل شعار تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وان توجهاتها السياسية أو توجهات بعض القوى المتواجدة إلى جانبها في غزه هي ممارسة حرب مفتوحة لتحرير كل الأرض، بينما في الواقع لا تمتلك حماس ولا تمتلك إيران أو سوريا أو يقيه الدول العربية القدرة لحماية الفلسطينيين ولحماية غزه من تدمير شامل. هناك تناقض كبير بين شعار حماس وبين والواقع الفلسطيني والعربي، وهناك تناقض اكبر بين المبادرة العربية للسلام وبين كل شعارات حماس. لهذا من المفترض تناقش حماس فكرة المرحلية وتعيد النظر بالعلاقة بين الوسيلة والهدف، وان يكون هذا ممكنا في ظل إعادة بناء وحده وطنيه فلسطينيه صادقه مع فتح والسلطة الفلسطينية تمهد لإعادة بناء السلام والتنمية والمستقبل في فلسطين. أن الأوان لإعادة النظر في مسلمات أصبحت تجلب علينا مزيدا من الضرر.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
ghabra @jusoorarabiya.com
فلسطين ليست عاهرة يا دكتور
المعذرة ان كان العنوان صادما .. باختصار فلسطين ارض محتلة .. اي مغتصبة .. وبالقوة .. ولا يحق لاحد ان يطلب من المغتصبة ان تتصرف بعقلانية وواقعية وهدوء ..ولن تكون المغتصبة واقعية ولا عقلانية ولا ساكنة الا ان كانت عاهرة .. وفلسطين ليست عاهرة ..بقي ان نحاسب اهل المغتصبة المحيطين بها من سورية الى مصر .. المحافظين على هدوئهم وواقعيتهم وابتساماتهم العريضة .. ومع كل التحية للشاعر مظفر نواب .. واشهد انه وصف واقعنا قبل غيره بعشرات السنين ..