شيء واحد لا يمكن
تجاهله في انتخاب أوباما رئيسًا جديدًا للولايات المتّحدة الأميركيّة: على الرّغم من الثّغرات الكثيرة الّتي قد تنوجد في النّظام الدّيمقراطي إلاّ أنّ هذا النّظام لا يزال أفضل ما أوجده النّاس لتسيير أمور حياتهم المجتمعيّة. لقد مرّت قرون طويلة منذ أن وضع القدماء هذا المبدأ نبراسًا ينير درب المدينة الدّولة في العصر الإغريقي، وعلى مرّ القرون جرت على هذا النّظام تعديلات كثيرة. في الحقيقة، إنّ الدّيمقراطيّة الّتي نراها في هذه الأيّام، والّتي يتساوى فيها المواطنون في المواطنة دون اعتبار للجنس والعنصر، بكلّ ما يحمله هذان المصطلحان من معانٍ، هي جديدة. فحتّى أوباما ذاته وما يمثّله من خلفيّة إثنيّة، ما كان بوسعه قبل عقود ليست كثيرة أن يحلم بالوصول إلى هذا الموقع الّذي يملؤه الآن.
ولكن، ورغم كلّ الثّغرات
الّتي قد تنوجد في هذا النّظام، إلاّ أنّه يبقى الأفضل. فها هي الدّيمقراطيّة الّتي تتضمّن في جوهرها مبدأ المساءلة والحساب وآليّات التّغيير تضع على رأس السّلّم السّياسي في الدّولة الأعظم في العالم هذا الإنسان ذي الخلفيّة الاجتماعيّة والإثنيّة المعروفة من سيرته الذّاتيّة الّتي يعرفها الجميع ولا حاجة إلى تكرارها. لا أدري إن كان الرئيس المنتخب أوباما سينجح في قيادة هذه الدّولة العظمى أم لا، فهذه النّتائج ستظهر في الحلبة الدّوليّة عاجلاً، فكما هو معروف فإنّ الرئاسة الأميركيّة تدوم على الأكثر دورتين انتخابيّتين، أي ثماني سنوات فقط، وهي ليست بالطّويلة قياسًا إلى ما نعرفه نحن، بني يعرب، من توريث وتأبيد الرئاسات والسّلطنات والإمارات إلى آخر قائمة دول الطّوائف.
هذا هو الفرق
بين ما نراه في العالم الدّيمقراطي من حولنا وبين ما نراه من أحوالنا في أنظمة التّوريث والاستبداد الّتي تعيث في الأرض فسادًا وجهلاً. لقد شاهدنا نحن، مثلما شاهد العالم بأسره، كيف ألقى النّاخب الأميركي الّذي يعيش ويعمل في النّظام الدّيمقراطي بمرشّح الجمهوريّين من فصيلة بوش وأمثاله إلى سلّة المهملات. هناك، في سلّة المهملات السّياسيّة هذه، سيجري هؤلاء وأتباعهم وللأعوام الأربعة القادمة حساب نفس عسيرًا وطويلاً، وقد يزيلون الأوساخ والقاذورات الّتي علقت بهم من إدارة الرئيس بوش وبطانته السيّئة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًا. إنّهم يعرفون أنّ الطّريق الّتي تُفضي إلى عودتهم للسّلطة منوطة بتلك الحسابات الّتي يجرونها بينهم وبين أنفسهم، ولكن فوق كلّ ذلك منوطة بنجاح أو فشل الإدارة الأميركيّة الجديدة، ولذلك سيكونون لها بالمرصاد. إنّهم يعرفون قواعد اللّعبة، ويحترمونها إلى أبعد الحدود.
لذلك، يستطيع الأميركيون
أن يصرخوا بملء أفواههم: “Yes, we can” (نعم، نحن قادرون). يستطيع الأميركيّون أن يفرحوا بنظامهم الدّيمقراطي، وقد أثبتوا حقًّا على أنّهم قادرون على التّغيير. إنّ نظامهم الدّيمقراطي يسمح لهم بذلك ووسائل التّغيير مطروحة أمامهم على الطّريق، فما عليهم إلاّ أن يستغلّوا هذه الإمكانيّات من أجل إحداث التّغيير الّذي يطمحون إليه. كذلك، تستطيع سائر شعوب الأرض الّتي تعيش في أنظمة ديمقراطيّة أن تفرح مع الأميركيّين، لأنّ كلّ تلك الشّعوب تعرف أنّها هي الأخرى قادرة على التّغيير في بلادها، عبر صناديق الاقتراع.
أمّا نحن، بني يعرب، فإنّنا ننظر إلى هذا العالم من حولنا مشدوهين بما يفعل بني البشر فيه. قطار العالم يمرّ على مرأى منّا ولا نستطيع إليه سبيلاً. هذا القطار السّريع الّذي يشقّ العالم طولاً وعرضًا لا نعثر على محطّة واحدة له في منطقتنا العربيّة. لا يستطيع الفرد العربيّ أن يندسّ بين ركّاب هذا القطار العالميّ. لا يستطيع الفرد العربي أن يصعد للرّكوب في هذا القطار متوجّهًا فيه نحو المستقبل البشري.
نعم، إنّنا ننظر من حولنا،
فماذا نرى؟ نعم، نرى الممالك المُطلَقَة بنسبٍ متفاوتة من الاستبداد، غير أنّ الاستبداد يظلّ هو السّمة الواضحة فيها. ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نعم، نرى كلّ تلك الأنظمة الّتي تدّعي أنّها جمهوريّة وثوريّة وما إلى ذلك من شعارات بليدة مزمنة، بدءًا من “الجمهوريّة الثّوريّة الاشتراكيّة العظمى” وعقيدها الّذي عقّدها تعقيدًا منذ أربعة عقود. نعم، ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ نرى “جمهوريّة مصر العربيّة” (لاحظوا التّسمية، وكأنّ هنالك جمهوريّة مصريّة غير عربيّة يرغبون في الانمياز عنها)، ورئيسها الّذي يقترب من نهاية العقد الثّالث في الحكم. وكأنّ “أمّ الدّنيا” هذه لا تستطيع أن تجد من بين الثّمانين مليونًا رئيسًا يخلفه كلّ هذه العقود، فها هو يشقّ الطّريق للتّوريث من بعده. ننظر من حولنا، فماذا نرى؟ ها هو الأسد الأب أورث الأسد الابن سدّة الحكم بعد عقود طويلة من الحكم. ومع أنّنا نتمنّى عمرًا مديدًا للأسد الابن، فهو لا زال في ريعان الشّباب، لكنّنا نقول مع ذلك، هل هو قُضيَ أمر الشّعب السّوري أن يعيش العقود القادمة مع هذا الرئيس الّذي يمثّل النّظام القبليّ العربيّ في أشدّ أوجهه سوءًا وفسادًا في الأرض؟ وفي فلسطين سبق فساد الزّعامات الفلسطينيّة حتّى قيام الدّولة وهذه حقيقة يعرفها ويشهد عليها كلّ فلسطيني.
لا حاجة إلى الإطالة في هذا السّرد، فكذا هي الحال في مشارق العرب ومغاربها. إذن، وبعد كلّ هذا الّذي قيل، ماذا تبقى لنا نحن العربان أن نقول؟ على ما يبدو فإنّ الشّعار الوحيد الّذي نستطيع أن نرفعه إلى يوم يُبعثون هو:
“يَأْس، وي كان”، أو “يَأْس، وين ما كان”.
نعم، نحن يائسون.
أليس كذلك؟
إيلاف