لا أخاطب هنا الليبرالي أو العلماني، ما بينهما، إن وجدا في مجتمعاتنا الضيقة الأفق، ولكني معني بدرجة أكبر بمخاطبة المسلم الكلاسيكي والمتشدد الديني والمتطرف بمعتقداته وكل أولئك الذين يعتقدون أنهم على حق والعالم أجمع على باطل، وأن هناك حقا دار سلام ودار حرب، وأن لا تعايش لا مهادنة مع الآخرين من غير إقرارهم بصواب آرائنا وصلاح معتقداتنا، وأن أمامهم خياران، إما دخول الإسلام أو دفع الجزية وهم أذلاء، ودون ذلك الموت. فنشر العقيدة والتبشير بها واجب ولو بحد السيف، والنصر آت ريب في ذلك!!
ولكن أين ذهب واجب الإعداد “لهم” ما استطعنا من قوة ورباط الخيل؟
*********
يعتبر الألمان من أشد وأقوى شعوب أوربا بأسا وأكثرهم إخلاصا لأعمالهم وواجباتهم الوظيفية وإتقانا لها وتفانيا في أداءها. كما عزز من مكانة الألمان عالميا كبر مساحة بلادهم وحجم مواردهم الطبيعية الهائل وتعدادهم البشري الضخم، والأهم من كل ذلك تراثهم الحضاري والثقافي والتقني الذي قل نظيره. كل هذا أثر إيجابا على مستوى المنتجات الألمانية وقوة اقتصاد الدولة واحترام العالم لها وللقدرات الهائلة للشعب الأماني وتميزه الرفيع، والذي كان سببا في دفع البعض من فلاسفة الألمان ومفكريهم، ومن بعد ذلك قادتهم وعسكرييهم، للاعتقاد بأن “ألمانيا فوق الجميع”، وهي المقولة التي كانت جزءا من نشيد الرايخ الوطني، وأنهم الجنس الأكثر رقيا، وأن على الآخرين الخضوع لهم، حربا أم سلما!!
قفر “هتلر” للحكم في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، وتعهد منذ اليوم الأول لزعامته أن يجعل ألمانيا فوق الجميع، وكانت نتيجة ذلك، خلال عشر سنوات، تضامن العالم المتحضر أجمع ضد ألمانيا، مما أدى في النهاية لمقتل أكثر من 20 مليون منهم، وانهيار اقتصادهم وتحطم مدنهم ومصانعهم وتقسيمها عاصمتهم ووضعها تحت وصاية الحلفاء وتقييدها بالمهين من الاتفاقيات التي قضت إلى الأبد على حلم “ألمانيا فوق الجميع”، وبعده فقط اقتنع الألمان أنهم جزء من هذا العالم وأن عليه التعايش معه بسلام وتقبل حقيقة أن ألمانيا مع الجميع، وليس فوقهم!!
والآن، وبصراحة فجة، أين نحن، كعرب، أو حتى كمسلمين، من ألمانيا وتراثها الفكري و الحضاري وبأس جنودها ودهاء سياسييها وعظمة منتجاتها وكم المعلومات الهائل الذي تراكم لديها وتقدمها الصناعي والطبي والتقني في كل مجال، مقارنة ببحر الأمية الأبجدية، دع عنك باقي أنواع الأمية، الذي نسبح فيه، ونحن غافلون!! فإذا كان هذا مصير ألمانيا، الشعب والدولة، الغنية بكل شيء والمتعلمة والمثقفة والمنيعة، عندما حاولت معاداة العالم وإخضاعه لإرادتها، وفرض رأيها وأسلوب حياتها على العالم، كما يحاول البعض منه القيام به، فما هو المصير الذي ينتظرنا إن قرر العالم يوم التضامن ضدنا بسبب تصرف السفهاء والحمقى من المتعصبين منا؟ هل يكفي أن يكون لدينا ألف أو عشرة آلاف، أو حتى عشرة ملايين انتحاري على استعداد للموت وملاقاة الحور العين في سبيل الأمة والعقيدة لكي ننتصر حتى دولة بحجم أسبانيا أو إيطاليا، لكي لا تقول حلف الناتو؟ وهل بإمكاننا حقا معاداة العالم وضمان عدم فنائنا، أو تخلفنا لقرون أخرى فوق ما نحن فيه من تخلف؟ أليس من الأفضل والأجدى، والأكثر خيرا وبركة، الاهتمام بتعليم أنفسنا وأولادنا والحصول على أفضل الثقافات والتسلح بأفضل العلوم قبل أن نطلب من العالم بلع معتقداتنا أو أن تفرض عليهم، برضاهم أو بغير ذلك؟
ألم يحن الوقت لكي يتعظ “الجماعة” ويتعلموا من تجارب ومحن ومآسي الآخرين، أن من الصعب، لا بل من المستحيل، فرض آرائنا على الآخرين، ولو كان من واجبنا ذلك دينيا، في عالم اليوم الذي ليس فقط لا نملك فيه حتى أدنى متطلبات البقاء أحياء من غير مساعدة الآخر، بل لا نستطيع فيه حتى التغلب على أضعف أعدائنا من غير قبول المجتمع الدولي بذلك(!!).
أسئلة “غريبة” ستبقى بدون إجابة إلى أن تحل الكارثة، وهي قادمة لا محالة.
tasamou7@yahoo.com
* كاتب من الكويت
مغربي
تحية صادقة
ان انجبت الكويت مثلك فهذا يكفيها فخرا.
قارئ من المغرب الشقيق.